الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المال السياسي

عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي

2010 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


عمد حكماء الاغريق القدماء الى فصل المال عن السلطة، تلافيا للفساد والافساد، وبنفس النهج سارت تيارات مهمة من الفكر السياسي الاسلامي، رغم ان الدولة الاموية على سبيل المثال قد سخرت المال لخدمة السياسة، وسخرت السياسة لجلب المال.
فمعاوية بن ابي سفيان الذي قال "لا اضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا اضع سوطي حيث يكفيني لساني" أعطى مائة ألف درهم إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس كي تدس السم في طعام الامام الحسن بن علي(ع)، ليستقيم له امر السلطة، وكذلك عمل من جاء بعده والشواهد كثيرة اتخمت تاريخنا المليء بعمليات بيع وشراء للذمم والمواقف، بالمال، او اغراء السلطة، ولامحل لذكرها في هذا الايجاز المختصر.
وفي العالم الحديث لم تستقر العلاقة بين المال والسياسة منذ الثورة الصناعية الكبرى، مرورا بالاشتراكية، ولم تتحقق النسخة المعاصرة من مرحلة الليبرالية الجديدة، او مابعد الاشتراكية الا بعد عناءات ومخاضات، وصراعات، وثورات، وتجارب مريرة خاضتها الانسانية دون استثناء.
ومن عيوب الديموقراطيات لاسيما الهشة، والحديثة، وغير المحصنة منها، ان يسمح التنافس الانتخابي بتدفق اموال مجهولة او معلومة المصدر، للتأثير على الناخبين، ولتمويل دعايات انتخابية ضخمة، بهدف ايصال او افشال مرشحين، كما حصل في انتخابات مجلس الامة الكويتي، وفي الانتخابات اللبنانية، التي وصل سعر صوت الناخب الواحد فيها الى اكثر من 500 دولار، وكما حصل ويحصل في الانتخابات العراقية.
والامر لايحتاج الى عناء كبير ليتم اكتشافه، فبين الفينة والاخرى، تظهر علينا شخصيات، او وفضائيات، اوصحف، او منظمات، تهبط عليها (الروح الوطنية) بصورة مفاجئة، معززة بأمكانيات مالية كبيرة، تهدف الى تضليل الرأي العام عن التدقيق في تاريخ تلك الواجهات، وحتى مصادر تلك الاموال، فلربما هي ذاتها الاموال التي كانت تسفح لسفك دماؤنا، وقطع رؤسنا.
وفي الانتخابات النبيابية المقبلة، سيكون المال السياسي هو العامل الاوفر حظا بتغيير النتائج، ومصادرة ارادة الناخبين، ومؤشرات ذلك واضحة، من خلال مايشاهده المواطن العادي من ظواهر، اخذت تتناسل سريعا، وتصنع امرا واقعا يتناغم مع رغبات دول وقوى مجاورة، بالشكل الذي يتمكن من التأثير على قناعات (الناخب المتردد) الذي فقد الامل بمن يدير الدفة حاليا، وقبل ذلك تقوم وسائل الاعلام بصنع الكثير من المترددين، من خلال حرب نفسية قائمة على برامج ودعايات مخطط لها بعناية.
وتلعب قوة المال دورا كبيرا في ايهام هذا النوع من الناخبين بان الحل يكمن في تغيير النخب الحالية، واسقاطها، وطرح بديل واقعي ربما يكون مستعدا للدفع نقدا !! قبل التصويت، ويتم ذلك بمساعدة وسائل اعلام متنفذة، او تسخير بعض من رجال الصحافة، والفن، وبعض النخب المثقفة، التي يتم التاثير عليها وشرائها بالمال.
وتاكيدا لذلك ظهرت خلال الاسابيع الماضية تحذيرات من قبل دولة رئيس الوزراء، وعدد من السياسيين العراقيين، من ان هناك مخطط ترسمه دول مجاورة، للتاثير على نتائج الانتخابات المقبلة باستخدام المال السياسي.
ونحن على يقين ان مايقال هو صحيح جدا، وان المخطط قد ابتدا منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكن المؤسسات الرسمية العراقية، لم تعمل بما فيه الكفاية، لمنع مثل هكذا تاثيرات، فلم يعمد البرلمان مثلا الى سن قانون يتخصص بتفحص تمويل الحملات الانتخابية، وتحديد مصادر التمويل.
ولم تعمد الكتل السياسية الكبرى الى كشف مصادر تمويلها، ليطلع الراي العام عليها، ويكون الحكم له بالنهاية، (حسنا فعلت دولة القانون بفتح باب التبرعات بشكل علني)، ولم تقم اجهزتنا الاستخبارية بكشف التحويلات المالية لشخصيات وقوى سياسية عراقية تلقت المال من دول وقوى خارجية، بهدف التاثير على نتائج الانتخابات، فلا يكفي ان نحذر بالكلام عبر وسائل الاعلام، ونترك المواطن العراقي يعيش القلق، والارتباك، و(لايعرف راسه... من رجليه) على حد تعبير المثل العراقي.
واذا كان البرلمان الذي امتلك القدرة على ان يهجم بقوة على الاجهزة الامنية العراقية قبل مدة، وكذلك العمل على تعطيل وتقنين صلاحيات الحكومة، بمحاولة سن قانون (السلوك الانتخابي) لايمتلك القوة على فضح منابع وروافد ومصبات المال السياسي ومن يتلقونه، فكيف له ان يقنع الناس بان يصوتوا له بالبقاء دورة انتخابية جديدة.
فعلى البرلمان ان يقرن الاقوال بالافعال، وعلى المفوضية، والحكومة، والاجهزة ذات العلاقة، ان تكون اكثر حزما في مواجهة الخطر القادم على جناحي الدولار؟؟ لان الامر هنا يدعو للغرابة والتامل، قبل ان يدعونا للعمل الفاعل، فلربما ان كشف الحسابات يغير معادلات كثيرة ويطيح برؤوس كبيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!