الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاصلة الزمنية

وليد الفضلي

2010 / 1 / 13
الصحافة والاعلام


حين اقتربت عقارب الساعة من الدقائق الأخيرة للعام 2009، مؤذنة ببدء عام جديد، اعتراني، ربما مثل كثيرين غيري، خليط من مشاعر الحزن، والخوف، والأمل.. فحقيقة الوعي بنهاية مرحلة، وبداية أخرى: هي حقيقة صادمة، ومزلزلة للعقل، على رغم الثبات الظاهري لحركة التعاقب الزمني.
فالزمن هو سجل وزعت في أيامه عناوين وتفاصيل أحلامنا ومشاريعنا وخططنا، وعندما يتلاشى ويتحول إلى ماض، فهو يعني زوال استقرار، أو ديمومة نمط العيش الحالي، خصوصا أن هذا القادم بحكم المجهول، ليس بذي علاقة حميمية مع الماضي، بقدر ما يشي فينا بخوف العاجز عن استيعاب حركة الزمن واستحقاقاتها، وإعادة إنتاج التطلعات وفق صيرورة التغيير.

من هنا تأتي أهمية «الفاصلة الزمنية» الواعية التي تسائل أضلاع المعادلة: الزمن المُدبر، الزمن المقبل، الذات المتطلعة، والظرف الخارجي، في استثمار وتجاوز لخليط المشاعر إلى مستوى بناء فعل جديد في الزمن المقبل متكئا على خبرة الماضي.

فإضافة رقم جديد إلى عدد السنوات هو: «إعلان لمرحلة جديدة» غير مشابهة للمسيرة السابقة، التي انتهت في اللحظات الأخيرة من العام الآفل، والتهنئة والدعاء في بداية السنة هي: «رغبة في التغيير» تأخذ شكل الأمنية والطموح على المستوى الفردي والجماعي، والاحتفال «مظهر لتجاوز» خيبات الماضي وكل سلبياته والإقبال بروح ايجابية ملؤها البهجة والتفاؤل كطبيعة إنسانية. والعطلة التي ينعم بها الكثيرون منا هي: «فترة استعداد للمقبل» مبنية على تخطيط وإرادة في صنع الجديد، لذا أصبح انقضاء عام، وبدء آخر «رمزا قيميا» له بعده الجمالي الخاص، لحدث متكرر ومنتظم، ومتعدد المعاني والقراءات.

كل ممارسة نقدية لأضلاع الفاصلة الزمنية تحيل بشكل من الأشكال إلى وجهة معينة، وتصبها في أطر وقوالب جاهزة، وبالتالي هي ليست قراءة موضوعية؛ بل ممارسة سلطوية منحازة، تتلاعب بأضلاع الفاصلة الزمنية؛ فتشوه جماليات الرمز القيمي ودلالاته. ونحن هنا لا نسلب أية قراءة حقها في الحضور، وإنما ندعو إلى عدم الاقتصار على القراءة الإعلامية الموجهة والعاجزة عن كشف المشهد، أو حتى جزء منه، بل إنها غير قادرة على فهم المستقبل وتحدياته الزمنية الجديدة.

كما أن هذه الفاصلة الزمنية، من حيث إنها بناء علاقة فاعلة بين الذاكرة، والفكرة، والذات في سياق موضوعي، ليس الفرد وحده المعني بها، بل هي أكثر أهمية وتعقيد إذا ما كانت على مستوى مراجعة مسارات الدولة والمجتمع.

وخير مثال على ذلك ما تشرع به العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية من تصميم «بانوراما الوداع» لأهم الأحداث والمحطات الساخنة في السنة الآفلة. فهذا التقليد الإعلامي يتجاوز التكثيف للأحداث والأخبار الصحافية في العام كأرض خصبة للتحليل والقراءة، ليكون ممارسة انتقائية للدمار، وإفراغ متعمد من الإيجابية والأمل، وهنا مكمن المرارة.. فقد تحولت وسائل الإعلام عن دورها ومهمتها الموضوعية إلى أداة تابعة من أدوات إثارة وإدارة الصراع والتوتر، يتركز دورها في تحشيد وإعادة إنتاج الأحداث برؤية سلبية منحازة لمنطقة يراد توجيه الذاكرة والوعي إليها.. ومن جهة أخرى نسيان وتجاهل مناطق أخرى، ما يزعزع وعي المتلقي فيها، وتصور بعدسات مكبرة «أن المجتمع والدولة على حافة الانهيار الأكيد». فالأحداث هنا ليست أرشيفا للوقائع، أو مجرد رصد صراع بين قوى المجتمع السياسي، بل هي عملية استبدال ذاكرة ووعي بغيرهما، لذا نجد عبارات التبرم والعجز عند الكثيرين من مثل «لا محالة.. القادم هو الأسوأ»، «هنالك مؤامرة كبيرة»، أو «ماكو فايدة».

لقد بُددت الكثير من اللحظات الزمنية لتخليق التوتر السياسي والاجتماعي؛ فإن كان هنالك من كلمة سحرية تختصر أحداث العام 2009 فهي «عام الإعلام السياسي» الذي أسهم في نقل قضايا التوتر، ما بين القوى السياسية إلى الجماهير، من دون أية مراعاة للأثر الاجتماعي الذي يخلفه هذا النقل على الذاكرة الجمعية، وفي الوقت ذاته من دون أن يُمارَس الدور الأصيل والأهم للمؤسسات الإعلامية، ألا وهو نقل هموم الجماهير إلى المجتمع السياسي.

من المؤسف أننا اليوم نعيش في عصر فيضان المعلومات والأحداث، من دون أي ناظم جمالي منبعث من سؤال ووعي وجودي لذواتنا التي تتطلع إلى تجسيد أحلامها في العام الجديد. فالاستحقاق الزمني الجديد يستدعي الضلوع في مهمة «الفاصلة الزمنية» النقدية التي يمارسها الإعلامي والمثقف والسياسي، كرافد أصيل في صنع الذاكرة والوعي الجماعيين. فالزمن المقبل هو فرصة أرحب للحضور والتغيير متى ما امتلكنا قراءة واعية وقادرة على الاقتراب من الحقيقة، من دون أن تنفي، طبعا، باقي القراءات، وإنما تبني علائق جديدة معها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت سخية للمنتخب العراقي بعد تأهله لأولمبياد باريس 2024|


.. عقاب غير متوقع من محمود لجلال بعد خسارة التحدي ????




.. مرسيليا تستقبل الشعلة الأولمبية لألعاب باريس 2024 قادمة من ا


.. الجيش الأمريكي يعلن إنجاز بناء الميناء العائم قبالة غزة.. وب




.. البرجوازية والبساطة في مجموعة ديور لخريف وشتاء 2024-2025