الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطة أوباما الأمنية الجديدةهل هي بداية انتصار المقاربة الجمهورية في العهد الديمقراطي؟

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


فاجأ الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) في خروجه الأخير كل المتتبعين؛ حينما أعلن عن خطته الأمنية الجديدة؛ التي تعتبر خطة جمهورية؛ أكثر مما هي خطة الحزب الديمقراطي؛ وخطة الرئيس باراك أوباما على وجه الخصوص .
لنفترض أن الشاب النيجيري؛ أقدم حقيقة على تنفيذ خطة القاعدة؛ لإعادة مشهد التفجيرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية ( و هذا في الحقيقة ما لم يثبته بعد التحقيق القضائي؛ المخول له البث في حيثيات هذه المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة ركاب). لنفترض أن هذا الشاب أقدم على محاولته بتوجيه من تنظيم القاعدة ؛ هل هذا كاف لتبرير الإعلان عن هذه الخطة الأمنية المتشددة؛ التي لا يمكن فهمها إلا على أساس ممارسة تمييز عرقي بغيض؛ لا يتلاءم و القيم الأمريكية؛ في حق كل العرب و المسلمين؛ الذين لم يتعافوا بعد من الآثار الكارثية التي خلفتها تفجيرات الحادي عشر من شتنبر؛ و الذين تلصق بهم تهم ظالمة بالإرهاب؛ باعتبارهم –خلافا للقاعدة القضائية- مجرمين بالفطرة؛ و ما عليهم سوى إثبات براءتهم و ليس العكس .
و هذا انتهاك شنيع لحقوق هؤلاء الذين تشكل الـأغلبية الساحقة منهم دعامة حقيقية للمجتمع الأمريكي في مختلف المجالات. فهل من المنطقي اتهام مواطنين أمريكيين ذوي الانتماء العربي/الإسلامي بتهم ظالمة من دون تمييز؛ و في غياب أية أدلة مادية؛ تثبت قضائيا تورطهم في أعمال يجرمها القانون الأمريكي ؟
ما معنى أن تصبح الملامح الشرق-أوسطية- و الآن بعد المحاولة الأخيرة- الإفريقية تهمة في حد ذاتها؛ على صاحبها إثبات براءته؛ و إلا فهو إرهابي بالفطرة؛ يجب أن تمارس عليه مراقبة مشددة؛ تمنعه من الحفاظ على أبسط خصوصياته؟
لماذا لا يطبق القانون على المجرم؛ الذي يقترف أعمالا إجرامية؛ بغض النظر عن عرقه أو دينه أو ملامحه؛ و كذلك من دون تعميم على الجماعة التي ينتمي إليها؛ لـأنه ببساطة المسؤول الوحيد أمام القانون عما اقترفه من أعمال إجرامية ؟
إن المساواة أمام القانون مبدأ أساسي في الدستور الأمريكي؛ فلماذا يتم تجاوز هذا المبدأ كلما تعلق الأمر بالعرب و المسلمين؛ حتى و لو كانوا أمريكيين كاملي المواطنة ؟!
كل هذه الأسئلة تدفعنا إلى مناقشة القرار الأخير الصادر عن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما)؛ و الداعي إلى تشديد المراقبة في المطارات-بشكل خاص- و هو يحيل بذلك على تشديد المراقبة على العرب و المسلمين؛ الذين يلجون المطارات الأمريكية؛ باعتبارهم اقترفوا بشكل جماعي محاولة التفجير الأخيرة؛ كما اقترفوا جميعا من قبل تفجيرات الحادي عشر من شتنبر !!!
و الرئيس أوباما بقراره هذا يعطي الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية و المخابراتية؛ التي ما زالت تسير على نهج المقاربة البوشية؛ يعطيها الضوء الأخضر لانتهاك حقوق العرب و المسلمين بدون استثناء؛ و من دون أية تهم ثابتة؛ و الأسوأ من كل هذا هو تجييش الرأي العام الأمريكي ضد نسبة كبيرة من المجتمع الأمريكي؛ ذات الأصول العربية/الإسلامية .
إن (باراك أوباما؛ و من خلال الإعلان عن مقاربته الأمنية الضيقة هذه؛ يكون أخيرا قد سقط في شرك الحزب الجمهوري؛ و ذلك ضدا على كل الشعارات التي روج لها خلال حملته الانتخابية؛ و كذلك ضدا على مقاربة حزبه الديمقراطي؛ الذي بنى مشروعيته أمام ناخبيه على انتقاده الشديد لمقاربة جورج بوش الأمنية؛ التي لا تخدم سوى فكر القاعدة؛ الذي ينتعش وسط هذه الأجواء النتنة؛ و يروج أيديولوجيته؛ عبر ترسيخ نظرية المؤامرة لدى قسم كبير من المسلمين عبر العالم؛ الذين قد يتحول بعضهم إلى وقود لإشعال نيران قادمة؛ ستأتي لا محالة على الأخضر و اليابس .
إن الأمر الواضح هو أن (باراك أوباما) قد بنى قراراه المتسرع هذا على رؤية سياسوية ضيقة؛ ترتبط بانتخابات تجديد ثلث أعضاء الكونغرس؛ أكثر من التركيز على مقاربة عميقة و عقلانية؛ تنطلق من دراسة الظاهرة بشكل علمي؛ و معالجتها من دون أعراض جانبية؛ قد تكون أخطر من الظاهرة نفسها.
و لعل من بين الآثار الجانبية التي خلفها قرار أوباما الأخير؛ هو اقترابه أكثر من سياسات الحزب الجمهوري؛ عبر استخدام نفس أدوات سلفه جورج بوش؛ في مقاربة ما يسمى بالإرهاب مخابراتيا و أمنيا؛ في غياب تام لوعي عميق بالظاهرة .
و لعل هذا هو ما يبدو واضحا من خلال الإسراع بتحمل مسؤولية ما وقع شخصيا؛ و كأن الأمر لا يدخل ضمن سيرورة؛ بدأت مع سياسات الحزب الجمهوري؛ في مقاربته الإيديولوجية لمجموعة من القضايا الدولية؛ سواء تعلق الأمر بالدعم الأعمى للكيان الصهيوني ضدا على الشرعية الدولية؛ أو تعلق الأمر بغزو العراق و أفغانستان عسكريا؛ مع ما رافق ذلك من مجازر في حق المدنيين؛ و تخريب لكل المعالم الحضارية. و هذا أول فخ وقع فيه باراك أوباما؛ الشيء الذي فرض عليه مقاربة ما وقع من زاوية أمنية و مخابراتية؛ بادعاء سرعة تحقيق النتائج؛ و ذلك على شاكلة ما سار عليه جورج بوش تماما.
لقد صرح سيناتور جمهوري بأن اهتمام أوباما بالملفات الداخلية؛ وخصوصا ملف الرعاية الصحية؛ هو الذي شغله عن قضايا الأمن الداخلي؛ الذي يتهدده خطر الإرهاب. و جاء الجواب صريحا و مطمئنا للسناتور الجمهوري من طرف أوباما؛ بأنه جمهوري أكثر من الجمهوريين أنفسهم؛ و أنه لن يكون لقمة سائغة للجمهوريين في الانتخابات القادمة؛ لذلك فليطمئن هذا السيناتور و باقي الجمهوريين؛ بأن الرئيس (الديمقراطي) الجديد لا يختلف كثيرا عن سلفه الجمهوري جورج بوش؛ بل و إثباتا لجمهوريته سيعلن عن قرارات تتجاوز ما أعلن عنه جورج بوش حتى !!!
لنكن صرحاء؛ لقد خسر أوباما عبر هذه القرارات المتسرعة صورته لدى الحزبين؛ فهو حتى و إن صار أبعد من هذه المقاربة الأمنية الحديدية؛ لن ينجو من نقد الجمهوريين؛ الذين لا يمتلكون لحدود الآن مرشحا بديلا لجورج بوش؛ كما لا يمتلكون رؤية واضحة؛ سواء تعلق الأمر بالسياسة الخارجية أو الداخلية؛ و لذلك فإن مشروعهم الوحيد هو المزايدة على جميع القرارات الصادرة؛ حتى و إن وافقت رؤيتهم السياسية .
و في نفس الآن يبدو أن الرئيس أوباما بدأ يفقد صورته لدى الحزب الديمقراطي؛ الذي يبدو أنه يسعى إلى ممارسة سياسة خارجية؛ تميزه عن غريمه الجمهوري؛ خصوصا و أن سياسة محاربة الإرهاب وحدت رؤية الحزبين لما يقارب العقد من الزمن؛ و الآن قد حان الوقت ليعود الحزب الديمقراطي إلى بناء صورته بشكل مغاير للحزب الجمهوري . لكن ما يبدو هو أن باراك أوباما عبر قراراته المتسرعة هذه؛ يسبح ضد تيار الحزب؛ و بالتالي فهو يهدد مستقبله السياسي .
لقد صاغ باراك أوباما خلال حملته الانتخابية صورة جديدة لأمريكا؛ و هذه الصورة هي التي جعلت العالم يستقبله باحتفاء قل نظيره؛ توج مؤخرا بحصوله على جائزة نوبل للسلام؛ التي تتطلب الكثير من الإنجازات؛ على مستوى ترسيخ السلام و الحوار في العالم .
لذلك نخاف على كل هذا الرصيد السياسي الغني أن يضيع في جلبة الإيديولوجيا و المقاربة السياسوية الضيقة لقضية شائكة؛ تتطلب الكثير من الدراسة و التمحيص؛ لضبط أسبابها و التحكم فيها بشكل عقلاني؛ بعيدا عن الجيشان العاطفي؛ الذي لا يحل أبسط القضايا؛ فما بالك بأكثرها تعقيدا .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين


.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال




.. بعد فشل الوساطات.. استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل| #غ


.. المراكب تصبح وسيلة تنقل السكان في مناطق واسعة بالهند جراء ال




.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه