الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .

حامد حمودي عباس

2010 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


خلال ندوة تلفزيونية عرضت على إحدى القنوات الفضائية ، إبان الفترة التي كان العالم يتوسل فيها لصدام حسين بان يعدل عن امر احتلاله لدولة الكويت .. وكانت مجموعة من المعارضة العراقية يحضرون تلك الندوه ، وهم يحاورون بعضهم البعض في ايجاد تقييم للوضع المضطرب في المنطقة ، أتى ذكر أن العراق أصبح يهدد جيرانه ومن هم ابعد منهم ، ولابد من كبح جماح هذا التهديد بالطرق العاجله . في نفس الفترة إنتشرت اخبار تفيد بأن المملكة المتحده قد حذرت مواطنيها من ان صدام قد يقدم على حماقة مهاجمة بريطانيا في أية لحظه ، وبناء عليه فان على عموم الشعب البريطاني أن يتخذ من الحيطة اسلوبا كي يمنع عنه الضرر القادم من بغداد .

في تلك الندوة بالذات ، كان أحد الحاضرين قد مسك الحديث من طرفه الصحيح ، حين نبه الى أن العراقيين أصبحوا ضحية هذا التهويل المبالغ فيه ، وقال بان الشعب العراقي هو كغيره من الشعوب العربية لا زال يحبو باتجاه امتلاك عوامل الرقي ، وليس بمقدوره والحال هذه أن يضرب لا بريطانيا ولا أندونيسيا .. وذهب الى ان العراقيين شأنهم شأن بقية شعوب المنطقه ، هم ضحايا تفاخر ليس بمحله ، لا يعكس حقيقة ماهم فيه من مستوى معيشي واجتماعي ، وعليهم الان ان يختاروا سلوك سبل المنطق في معرفة موقعهم من خارطة العالم ، وان تتوقف هذه الخزعبلات المنطلقة من خيال حكامهم المهووسين والذين لا يريدون لبلادهم غير الدمار .

حينذاك ، هب الحاضرون وبصخب يشوبه الافتعال ، ليوقفوا الرجل عن الكلام ، وابتدأت مراجل الغيرة العربية تغلي بما فيها من معلقات ارتجاز الحماسه ، وجيء بالتاريخ ليحكي قصص حضارة وادي الرافدين ، ونشرت على الفور صفحات المجد البابلي العتيد ومكامن الدرر في النظام السومري والاكدي واعجوبة حدائق بابل المعلقه .. لينتهي الهرج بالاكتفاء عند حقيقة ان العراقيين الان يمتلكون الفضل على العالم برمته ، كونهم قد اخترعوا الحرف ووضعوا النقاط عليه ، وكانوا بلا منازع موطنا للعلم والعلماء . وأن الرجل كان مذنبا حينما ذهب لاهانة شعب العراق وعليه ان يعتذر .

تذكرت ذلك الحوار وأنا في مدينة الحيره عاصمة المناذره ، حينما بدت طلائع الجنود العراقيين الهاربين من حمم القاذفات الامريكيه تصل الى المدينه ، وقد تركتهم قياداتهم في عراء المعركة بلا غطاء جوي ولا حماية تقيهم نار العدو المسلط عليهم من فوق ، يمزق صفوفهم ودروعهم كيف يشاء .. كانوا شبابا يافعين ، يحملون بنادقهم بايديهم وأغلبهم حفاة يشعرون بالهوان والخذلان ، وقد اجتمعت عليهم كل قوى الدنيا بما فيها ابناء عمومتهم ليردوهم على أعقابهم في يوم وليله .. لقد فعل الواقع فعلته ، وعملت قوانين الطبيعة بما تريد ، ولم يخرج البابليون في حينها ولا السومريون ولا من صمم حدائق بابل المعلقة لنصرة الضعفاء في معركة غير متكافئة .. إنها أبشع معركة راح ضحيتها أبناء بررة من الشعب العراقي لا لشيء ، إلا كانعكاس لذلك الهوس المجنون في محاكاة فصول التاريخ والتبجح به ، واستحضار صفحاته لاستنهاض همم هي ليست بمستوى المواجهة ، فكانت الكارثه .

لقد كنا نغني للقعقاع والرصاص ينهش اجساد ابنائنا بلا رحمه ، وننشد لمن قتل القائد رستم وجنازير الدبابات يهشم عظام ابنائنا وينثرهم على امتداد ارض الصحراء ، وسكنت اخيرا حناجرنا وشهدائنا لم تزل ضائعة اجسادهم في الارض الحرام .

لم يكن العراق وحده ضحية تاريخه الحافل بالرفعه ، وانما بقية بلداننا العربية هي الاخرى نثرت هذا التاريخ على أطلال مدنها ، لتنال ما تنال اخيرا من أمر إغفالها لحقيقة واحده ، وهي أن الواقع وحده هو من يقرر نهايات الاشياء .

المؤسف ، بل والمتسم بشديد الاسف ، هو أننا لا زلنا ولحد الان ، وضمن جوانب عديدة من كتاباتنا ، وأغانينا ، ومعارضنا التشكيلية ، وما يقدم لنا من فن مختلف ، نعرض ذات الوجوه من الاحتفاء بالماضي العريق ، ولم نتعض باننا علينا الانتباه لما نحن فيه من تردي ، جعلنا نستورد الدبابيس وأبر الخياطة من خارج الحدود .. لا زلنا نمسك باطراف عنتره العبسي ، ونبتسم لخيال المأمون الخليفة العباسي العظيم .. لا زلنا نفتخر بملاحم طارق بن زياد .. ولا زال غبار سنابك الخيل في معركة القادسية مع الفرس تزكم انوفنا ، فلا نقوى على التفكير بالقادم من الاحداث .

وإلى أن نفيق .. ستكون لنا مراحل تلو المراحل ، من السقطات وحالات الهروب الى أمام ، الى أن يلتحق التاريخ هو الاخر بنا ، ليبدو مهزوما كهزيمتنا ، وحينها يموت كل شيء .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أبكيتني يا رجل
محمد حسين يونس ( 2010 / 1 / 14 - 04:35 )
هذا تماما ما حدث في سيناء مرتين .. بل ثلاثة..ولكن أسبابه لا تعود الي البابليين أو الفراعنة انما تعود للبعث والناصريه أو القوميين العرب أو للجامعة الأسلاميه اختار ما تريد منهم ..الا الأجداد الذين كانو فخرا في زمنهم ..هذا ليس شوفونية انما كل البشر يحتفلون بهم ويعتبرونهم أجدادهم ما عدا نحن الذين يبدأ تاريخنا مع غزو العرب لنا


2 - من نلوم؟
عبد القادر أنيس ( 2010 / 1 / 14 - 17:27 )
-عندما تقول، يا سيد حامد -إنها أبشع معركة راح ضحيتها أبناء بررة من الشعب العراقي أشعر وكأن الشعب العراقي وغيره من شعوبنا لا تتحمل مسؤولية ما. يا أخي مادامت الشعوب مغفلة تنساق بسهولة وراء المغامرين والمرضى والانتهازيين فهي تتحمل مسؤولية كبيرة عما يلحقها من دمار. شعوبنا أيضا تخترقها معتقدات وأفكار وعادات وتقاليد في غاية العنصرية والهمجية. وخطأ مناضلينا ومثقفينا أنهم كانوا دائما يصورونها بريئة ويحملون صدام وأمثال صدام كل المآسي.
في الجزائر، وإلى اليوم، ما زال صدام يحظى بإعجاب الغالبية من الناس البسطاء أو البررة كما قلت وكثيرا ما تجد صوره في المحلات والبيوت باعتباره زعيما تحدى الطاغوت. يشارك في تغذية هذه الأوهام (مثقفون) قوميون ويساريون باسم الدفاع عن هوية الأمة وأمجادها ويجدون في أوساط الجماهير من يستهلك بضاعتهم النتنة.
الحكام عموما هم صورة أمينة لشعوبهم إن سلبا أم إيجابا. وعندما ينجح الحكام في تعبئة الناس باسم أمجاد الماضي مثل التاريخ الإسلامي الحافل بالغزو والنهب، فمن نلوم؟
لا حرية، لا كرامة، لا حياة لشعوب مثل شعوبنا مازال أداؤها الفكري والفني والعملي في الحضيض.
تحياتي


3 - عين الصواب
حامد حمودي عباس ( 2010 / 1 / 14 - 19:33 )
الاخ والاستاذ عبد القادر أنيس .. كل ما ورد في تعليقك لم يخرج عن دائرة الصواب ، وبامكاني أن أضيف ، ، بأن صدام حسين قد ساهم العراقيون بصنعه الى الحد الذي أضحى فيه الالاف من بسطاء الناس يقلدونه حتى في طريقة مشيه وفي زمن ما شاعت لدينا عادة لبس العباءة العربية لدى الشباب كما كان يفعل ، وبدت طرق جديدة عند العامه يؤدون من خلالها تحياتهم لبعضهم وبنفس الحركات التي كان يتبعها الرئيس خلال مراسيمه الخاصه .. كل ذلك صحيح .. غير ان شرائح واسعه من ابنائنا الجنود والذين كانت غالبيتهم من الشباب في عمر المراهقه ، ضحايا لحروب لم يكن لهم رأي فيها بل ولم يكن غالبيتهم يفهم معنى ان تقوم حرب ما اساسا .. لذا فان الجنود الفارين من ارض المعارك حملوا السلاح وهاجموا مقرات الحكومه بعد تراجعهم من ارض الكويت ، وكانت اكبر انتفاضة شعبية حدثت في البلاد لولا تدخل القوات الامريكيه وانقاذ النظام من النهاية المحتومه .. مرحبا باطلالتك القيمه ، واشكرك مع فائق الاحترام

اخر الافلام

.. جنوب أفريقيا: حزب المؤتمر الوطني ينوي إجراء مشاورات لتشكيل ح


.. يديعوت أحرنوت: ليبرمان يفضل انتظار خوض الانتخابات المقبلة |




.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص


.. انهيار مبنى سكني في #إسطنبول #سوشال_سكاي




.. وول ستريت جورنال: إسرائيل أعادت النظر في خطتها في رفح لتفادي