الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نطفة الجهوية في رحم الدمقرطة

أحمد الخمسي

2010 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


أسمعني الصديق العربي السعدي نقدا ضمنيا للمقال السابق. ولست أدري ما إذا كان موجها أيضا للملف الذي أعده الزميل مخلص الصغير في أسبوعية الحياة. مركزا على نوعية النظام السياسي من حيث الاختصاصات الدستورية وتوزيعها بين السلط واقتسامها بالتوازن/ المرآة العاكسة لتوازن أصلي ما بين المجتمع والدولة وما بين الملك والطبقة السياسية.
سبق أن وضعت في الميزان جرأة الملك مع احتمال خذلان النخبة المكلفة بصياغة البرنامج والآليات للجهوية، بناء على التصور المفصل التوجهات في الخطاب الملكي. ومن الاحتمالات التي ينزع نحوها أعضاء اللجنة الاستشارية المعينة، تغليب الدور التقنوقراطي وحياد الخبراء، على الدور السياسي والتزام الوطنيين. فيمكن القول إن الفصل بين الوطنيين والخونة يمر الآن داخل ضمير كل عضو من أعضاء اللجنة. بل تغليب سلامة موجز السيرة الذاتية على الرأي مقتضيات الحل المؤلم الصعب، بما فيها إصلاحات السلطة العليا. إن المزاجية والبرتوكول والتقاليد المرعية تقف عثرة بموجب الذهنيات الأنانية عن قول الحق عندما تدق ساعة الحقيقة. فعندما نراجع تجارب الأمم والشعوب، نجد لحظات مثل الستة أشهر التي نحن بصدد البدء في شهرها الأول، من أعقد لحظات خصوبتها التاريخية. ولقد سبق للراحل الحسن الثاني أن استعمل الخيال لتقريب صورة السياسة من ذهن المتتبع العادي عندما قارنها بالفلاحة، وكيف يقتضي الأمر تقليب التربة ومراجعتها لتجديدها وتخصيبها. وقد مرت على الحلحلة السابقة للأطروحة الاستفتائية الميتة بصدد الاستقلال التام أو الإدماج التام البسيطين، عشر سنوات.
ولنقرأ المقارنة بين عشرية التسعينات التي قتلت نهائيا التناقض بين الثنائية المذكورة، كإحدى النتائج التي خلفتها الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر الشقيقة. و بين ظرفية اليوم وقد تجاوب المغرب مع الرغبة المزدوج الداخلية والدولية، لتجاوز أطروحة الإدماج البسيط، نجد أنفسنا أمام تصلب اليعاقبة العسكر المركزوي الجزائري مع مطالب القبايل الثقافية، في مقابل انتفاخ بطن المنطقة الصحراوية الكبرى بجنين مخيف لا يمكن تخيل رعبه المقبل سوى عبر كائنات الأفلام المخيفة.
لذلك، تتحمل اللجنة الاستشارية للجهوية مسؤولية استثنائية بحجم منتصف السبعينات الذي عرف صياغة تكتيكات دولية مثل المسيرة واتفاقية مدريد وانتهاء بمعركة 14 غشت 1979، التي استكملت الوحدة ميدانيا بعدما انهارت جبهة سياسية اقليمية مضادة في الجزائر وموريطانيا ساعتها. فاليوم، لم تنهر جبهة اقليمية، ولكن تحسنت أوضاع المغرب دوليا، بالنظر إلى الحالة الاستثنائية التي أصبح يتمتع بها مع الاتحاد الأوربي (أكثر من شريك، أقل من عضو) ومع الحلف الأطلسي (مراقف). ومع ذلك، يقتضي تقوية السند الدولي بعملية سياسية بنيوية داخلية لها مكونات عضوية دولية، توفر للمغرب وضعية نموذج كيان سياسي لأوضاع مشابهة على الصعيدين العربي والإفريقي.
إن المادة الخام الناتجة عن المسلسل السياسي الأممي، وعن التعامل الدولي لكل قوة على حدة، ثنائيا مع المغرب، مع تحليل الظرفية، واستباق الأوضاع في مختلف رقعة الشطرنج العالمية كما سماها سابقا زبنغيو برجنسكي. ثم وضع آفاق الحلول المحتملة في كل نقط النزاع الساخنة والكامنة. واحتمال حظوظ المغرب في الحدين الأمثل والأسوأ. مع مراعاة التوابث في سياسة الغرب والعالم المعولم، للتمرن على اندماج المغرب في العصر بأكبر قسط ممكن.
إن اللجنة الاستشارية تتحمل مهام مفصلية لحكومة مسؤولة في بلد ديمقراطي. لذلك، فالإعلان عنها صراحة وأمام الرأي العام الداخلي والأطراف الدولية خطوة متقدمة من سلوك المسؤوية. فهي بمثابة لجنة تحضيرية لمؤتمر استثنائي لكيان سياسي اسمه المغرب برمته. لذا، بعد المسؤولية الإجرائية والقانونية أمام الملك، فالمسؤولية تاريخية أمام الشعب. ولم يعد أمام الأعضاء أن يخفوا مقتضيات الحق في ساعة الحقيقة.
لكن الثقل المنزل على كاهل اللجنة، من المفروض أن يسند بدعم الأحزاب عبر تنوير موضوعاتي وسياسي وتعبوي. وبدعم إعلامي عبر تنزيل الركام المتوفر من المعلومات والخبرة، فيما يتعلق بأنظمة الجهوية والحكم الذاتي، مثل الأمثلة المعروفة. وهنا، يمكن وضع أسئلة. لماذا تستنكف المملكة المتحدة عن إعلان نفسها نظاما فيدراليا أو جهويا في الوقت الذي عرف نظامها السياسي تحولا حاسما في فترة طوني بلير بصدد اسكوتلندا؟ لماذا حرصت النخبة الإسبانية والإيطالية على التوقف على إبقاء الطابع الواحدي البسيط للدولة، بينما تصل اختصاصات الجهات إلى مستوى النظام الفيدرالي؟ لماذا ينص الدستور صراحة في ثلاث دول أوربية فقط (ألمانيا، بلجيكا، النمسا) على طابعها الفيدرالي، هل للتدخل الدولي دور في ذلك، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية والقضاء على هتلر؟ إن دراسات البحث العلمي بصدد دولة الجهات وبصدد الحكم الذاتي موضوعة في رفوف المكتبات وعلى الانترنت، لذلك يمكن تخصيب السياسة بكروموزومات العلم، وكذلك تفعل البلدان المتقدمة لحظات صناعة القرار الكبير.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، نأتي بمثالين لا غير، بكيفية خاطفة لإثارة انتباه القراء بهذا الصدد.
محمد بوبوش وهو باحث في العلاقات الدولية – جامعة محمد الخامس- الرباط: أنجز بحثا موجزا بعنوان: مشكلات الحكم الذاتي في التطبيق: دراسة تطبيقية لحالة الصحراء(30/03/2007)، فصلها في النقط التالية: صراع المصالح، مشكلة الشخصية الدولية، استغلال الموارد الطبيعية، مشكلة توزيع الصلاحيات، مشكلة الإقليم، المسائل الأمنية، السياسة الاقتصادية والمالية العامة، أصل السلطة في الوحدة المتمتعة بالحكم الذاتي. كما ميز الحكم الذاتي عن المركز الدولي للإقليم موضوع/محل النزاع، عن المركز الدولي للإقليم الذي يرتكز على أربعة عناصر: 1- المسؤولية الدولية 2-الأهلية للعضوية في الأمم المتحدة -3- العلاقات الدولية العامة 4-الدفاع عن الوطن . وأشار إلى أن هناك المراحل التي تشملها المعالجة للمشاكل الإقليمية. المرحلة السياسية، المرحلة القانونية، مرحلة المتابعة وفق الأطراف التي وافقت المرحلة السياسية على جعلهم فرقاء شرعيين، ووفق المرحلة القانونية التي أدرجت مؤسسات قضائية أو سياسية للبحث عن الحلول المستجدة.
كما أنجز الكاتب عبد العلي حامي الدين بحثا بعنوان "قضية الصحراء المغربية: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية من خلال "اتفاق الإطار". يعيد التذكير بأهم ما انبثقت عنه ظرفية التحول من التسعينات نحو الألفية الثالثة وتهيئة الجو الأممي للعمل بحل ثالث. إذ شكلت سنة 2000 تحولا نوعيا في طريقة تعامل الأمم المتحدة مع ملف الصحراء
في عهد الأمين العام كوفي عنان
وممثله في الصحراء السياسي والخبير ورجل الأعمال، جميس بيكر. والذي استخلص ما استنفد في السنوات التسع الماضية (1991-2000). لتستخلص اجتماعات لندن في ربيع وصيف سنة 2000، على أن آفاق تنظيم الاستفتاء أصبحت أكثر بعدا من أي وقت مضى". وفتح إمكانية التطرق إلى مناقشة سيناريوهات أخرى للحل تتجاوز "الاستقلال التام", وكذلك "الإدماج البسيط". في حين دعا اجتماع برلين، وفي ضوء قرار مجلس الأمن 1309، إلى استكشاف حلول سياسية جديدة. وفقه تقدم المغرب بتقرير اعتبر نفسه معني بالتقدم عبر الديموقراطية واللامركزية اللذين يريد أن يطورهما ويطبقهما بدءا بمنطقة الصحراء" (تقرير 25 أكتوبر 2000). كانت الأجواء التي هيأت للحل الثالث (صيف 2001). لكن السياق الدولي يقتضي التكييف الخلاصات مع البنيات السياسية الداخلية. ففي إطار اللامركزية الإدارية، تظل الجماعات المحلية خاضعة للدولة المركزية, وللقوانين التي سنت في البرلمان, وللقواعد التي تقرها السلطة التنفيذية. ولذلك فإن من مهام المشرع الدستوري المغربي أن يوضح الوضعية الاستثنائية لسكان الصحراء, ويبرز الصلاحيات التي يحظى بها إقليم الصحراء من الناحية الدستورية.

فاللجنة بصدد صناعة وثائق أولية لتهيئة الجو للإرادة السياسية في قضية الجهوية. لذلك، من المطلوب، تفحص القضية، وتتبع المستجدات، للتمعن في التحول الذي يستتبع إقرار نظام الجهات في المغرب. خصوصا إذا استرعت الأنواع الثلاثة من الحقائق الجهوية من حيث درجة الاندماج في بنيات الاستقلال السياسي لسنة 1956. إذ المهمة هي نوع من إقرار عدالة انتقالية ذات صبغة وطنية سيادية بامتدادات دولية وانعكاسات بنفس المستوى. وهي بالتالي بمثابة وضع نطفة في رحم الدمقرطة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى