الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيميائية العنوان في مجموعة لمن هذه الحرب

مثنى كاظم صادق

2010 / 1 / 14
الادب والفن


قلما نجد ـــ والعالم يتجه نحو ثقافة الاختصاص الدقيق ـــ مبدعا باختصاصين يعدان من أصعب الفنون الإنسانية وهما فن القص وفن التصوير الفوتوغرافي , ذلكم المبدع هو( كفاح الأمين ) الذي ينماز بأنه قاص في صوره ومصور في قصصه , فمنجزه على الصعيدين القصصي والصوري يقربنا كثيرا من ( كفاح ) الإنسانية ضمن صور مشهدية مكثفة ومختزلة لمحمول فعلي يغير من صيرورة الفضاء ( الأمين ) على معاناة البشر وهسهسات آلامهم المكبوتة خوفا وطمعا, يؤكد المبدع في قصصه التي وسمها بــ ( لمن هذه الحرب ؟ ) على الفكرة أكثر من غيرها من العناصر كالشخصية والحدث , مما يشي بفهم ( خاص ) عنده لوظيفة الأدب النفعية أكثر من وظيفته الأمتاعية , وبالتالي فهو يبذل ما في جهده لإيصال فكره إلى المتلقي .
ولما كان ألأدب نشاط علامي محكوم بالواقع الأيقوني , فقد جاء النسيج القصصي لنصوص المبدع ( كفاح الأمين ) ذا حمولات رمزية ثقيلة معقدة التوليف ؛ لكثافة الأفكار المطروحة , مستخدما لغته الشعرية والتي ابتعدت عن ( درجة الصفر للكتابة ) بانزياحاتها الكثيرة موظفا الفنون البلاغية من تشبيه واستعارة وكناية وغيرها مما أدى إلى توفير بنية داعمة للتأويل السيميائي وتأسيسا على ذلك يمكننا القول إن النصوص لا تستلم بسهولة من المعاشرة الأولى لها ؛ لما تحمله من ثيمات مدمجة مع بعضها البعض ولاسيما رمزية الهدهد المتكررة في قصصه والمفروشة في متنها. تقترح هذه الورقة النقدية قراءة سيميائية لعنوانات هذه المجموعة القصصية ؛ لأن هذه العنوانات المحطة السيميائية الأولى للنص , ولمتصوراته الذهنية للموجود العيني للكلمة , فالعنوان منارة النص وأول لقاء إشاري مادي مع النص ومع المتلقي بيد أنه إشارة مختزلة ذات بعد سيميائي , فهو لبنة لـتأسيس الوعي لدى المتلقي ومن الضرورة بمكان ألإشارة إلى أن العنوان ــ كلازمة نصية ــ لا يأتي اعتباطا بل ينتجه المبدع ببذل جهد ذهني مضن , لما يمثله من حقل دلالي عام للنص المنتج , فهو محطة الاستيعاب الأولى للمتلقي .. جاءت المجموعة موسومة بــ ( لمن هذه الحرب ؟) بنسق الاستفهام وهو طلب يراد به الجواب موجه إلى مخاطب ؛ لذا فالمستفهم ينتظر جوابا عن هذا السؤال المهم بدلالة اسم الإشارة (هذه) الدال على القرب المكاني أو الزماني للحرب فضلا عن تخصيصها لحرب معينة مخصصة لدى الكاتب , وقد اختير هذا العنوان من قصة (الأساور ) إذ مثل جملة النهاية في هذه القصة فقد جمع المبدع في هذا العنوان خيوط جميع القصص , لما لرمزية ودلالة هذا العنوان بما ورد في بقية القصص التي تمظهرت موضوعة الحرب فيها , ومن الملاحظ ورود جميع عنوانات هذه القصص من النوع الملفوظ ( أي من جملة واردة في النسيج القصصي ) وجاءت بالصيغ التركيبية الآتية : ( أربع قصص ذات عنوان مفرد معرفة وهي :الأساور / الانتظار / القناع / الصياد ) و( خمس قصص ذات عنوان مركب إسنادي وهي : شاي مهيل / صيف ليس هو الأخير / كلام فوق الورق / نسخة أخيرة / مطر بطعم النعناع ) و( وتسع قصص ذات عنوان مركب إضافي وهي : رائحة غريب / فانوس الرغبات / ضلع جبلي / شجرة مادلين / مشط البدوي / ملاك الليل / حديقة الماء الأسود / آخر الفصول / دورة الرمان ) و ( وقصة واحدة ذات عنوان مركب وصفي وهي : التفاحات الثلاث ) و( وقصة واحدة ذات عنوان مركب عطفي وهي : أنا وظلي وحماري ) ومن الملاحظ أن العنوانات ذات المركب الإضافي هي الأكثر ورودا في هذه المجموعة مما أضفت على النصوص قوة وسيطرة على هيكلية القص فقد أقفل المضاف إليه دلالة المضاف مما أعطاه خصوصية التعريف والإيضاح الاشاري , فلو أخذنا نماذج معينة من الصيغ التركيبية للعنوانات سنجدها كالاتي : (الصياد : معطى مادي وهي كلمة مفردة معرفة متعلقة بطرفين الأول الصياد والثاني المصطاد والصياد هنا هو من يلتقط جثث الموتى من الماء . ) , ( شاي مهيل : معطى مادي لشراب اجتماعي متعارف عليه يشربه الناس عادة في المقاهي كي يرتاحوا ويتنفسوا الصعداء , وقد مزج بحبة الهال ذات الرائحة الزكية التي تثير التأمل والاستذكار لأشياء معينة ) , ( رائحة غريب : معطى معنوي في جزئه الأول أضيف إلى معطى مادي إلى الثاني لتمييز هذه الرائحة وتعريفها بأنها لشخص مجهول الهوية ) , ( التفاحات الثلاث : معطى مادي معدود يرمز إلى الطبيعة والخطيئة والمكافأة ) , ( أنا وظلي وحماري : معطى مادي معطوف على معطى معنوي وعطف بدوره على معطى مادي فالضمير دل على الذات والظل دل على الانتماء والحمار علامة على الصبر والتبعية والصحبة ) إن مجمل العنوانات جاءت مرشدة إلى التأويل بالتلميح أو التصريح بصورة محايدة أو محيرة حيث أحالها المبدع إلى فضاءات مفتوحة قيدت في انفتاحها متن النص من أجل إيصال رسالته بالتزامه النهج الواقعي بتعامله مع النص الحجاجي الذي يهتم بالهم الجماعي والذي يعكس موقف الكاتب الفكري والاجتماعي . أكثر العنوانات زادت عن المفردة الواحدة , بغية الترميز والإيحاء . وختاما أقتبس وأقول : إن ( هذه القصص القصيرة محاولة لاستدراج الحرب إلى الإفصاح عن مكنونها الداخلي المخيف والمؤلم فالخراب الذي يلقي بظله الأسود الثقيل على الإنسان وعالمه بعد عواصف الحرب المدمرة ليس إلا القشرة الخارجية للخراب الحقيقي الذي يمس كالنار الهائجة كل التفاصيل الصغيرة لحياة الإنسان الداخلية ......) (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لمن هذه الحرب ؟ (قصص قصيرة ): كفاح الأمين , مطبعة الطيف , ط 1 , بغداد 2008م ( الغلاف الأخير) .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??