الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسلاميون أم مسلمون؟

مرح البقاعي

2010 / 1 / 15
السياسة والعلاقات الدولية



من أبرز ما يميّز تجربة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، والذي تبوأ سدة الحكم في العام 2002 في تركيا، أنه قدم نموذجا لإسلام حداثوي معتدل يمارس آلياته في ظل دولة علمانية المسار. أعني هنا أن تركيا العلمانية قبلت بتولي الإسلام المعتدل للحكم لأن العلمانية تضم تحت مظلتها الأديان والاتجاهات السياسية كافة ولا تقصي أو تلغي أحدا منها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن نموذج الإسلام ذي "المرجعية الثقافية"، وليس السياسية، هو ما أهّل حزب العدالة والتنمية للوصول إلى الحكم وإدارته بتوازن يفصل تماما بين السياسي الدنيوي والديني السماوي. وهذه التجربة لم يكن ليكتب لها النجاح إلا في دولة ذات صيغة سياسية علمانية تفصل الشأن السياسي عن الطقس الديني. فالوطن للجميع في تركيا المعاصرة والدين فيها لله. ولا ننسى أن الجيش ذا الثقل الفعلي في تركيا العلمانية يتمتع بثقة كبيرة من أطياف الشعب التركي كافة، وأن قوى الجيش دخلت مع الحزب الحاكم في حالة من التوافقية المتوازنة التي تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

لقد تمكّن الحزب الحاكم في تركيا من قراءة النص الإسلامي وتأويله في ضوء مجريات العالم المعاصر ومتغيراته، ونأى بنفسه عن قراءة فحوى العالم من خلال النص الديني بشكل مغلق وضيق، وهذا هو أحد أسرار نجاحه في حكم دولة هي أصلا علمانية حتى النخاع.

حزب العدالة والتنمية استلهم من التاريخ الإسلامي موارده الثقافية نائيا بنفسه عن النظرة الطوباوية الماورائية أو نظيرتها العصبية المتشنجة، بل تعامل بنهج أقرب إلى الاعتدال الجمعي الذي يقارب مختلف الأطياف السياسية دون أن يتماهى فيها أو أن يلغيها مبتعدا عن المغالاة التي تقع فريستها معظم الحركات الإسلامية الدينية التي تصل إلى سدة الحكم. فالأداء الإسلامي ارتبط بالقدرة على الفعل وهو حكم شرعي أراده الله نهجا لتطبيق العبادات والأحكام والشعائر.

ولعل أحد مفاتيح نجاح التجربة التركية اليوم هو استلهامها الفعلي لهذا المفهوم الفقهي في إسقاطاتها ومباشرتها للممكن والواقع في الشأن السياسي بعيدا عن الإيغال في متاهات التاريخ، والمغالاة في اقتباسات النوستالجيا والأحلام الشوفينية البائدة. فحزب العدالة والتنمية لا ينظر إلى تركيا ككيان فرداني معزول بل هو يراها تماما في موقعها السياسي والبشري ضمن خارطة العالم الذي لم تعد الحدود تعني فيه أكثر من ختم قانوني على جواز السفر لدحضها. وعرف رجال الدولة في تركيا أن الانفتاح السياسي والتكامل الاقتصادي هما مجتمعان الطريق الأقصر لتحقيق التوازنات مع الداخل الشعبي من جهة والخارج المعولم من جهة أخرى. وهكذا وجدت تركيا نفسها اليوم، أقرب من أي يوم مضى، للانضمام إلى منظومة الاتحاد الأوروبي كما صرح به وزير خارجية ألمانيا جيدو فيسترفيله مؤخرا خلال زيارته لأنقرة واجتماعه مع كبير المفاوضين الأتراك للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أكمان باجيش، حين قال:" أنا لست سائحا بسروال قصير، أنا هنا أمثل توجهات دولتي"! والمعروف أن ألمانيا كانت من أكثر الدول تشددا في الموافقة على طلب تركيا للانضمام إلى الاتحاد.

تركيا اليوم بقيادة "الديمقراطيين المسلمين" كما أراد أن يطلق عبد الله غول على أعضاء حزب العدالة والتنمية حين سأله أحد الصحافيين عن الأجندة الإسلامية الخفية للحزب فبادره قائلا:" نحن لسنا إسلاميين وحركتنا ليست بالحركة الدينية نحن حزب أوروبي محافظ وحديث. لا نعترض إذا وصفنا بأننا ديمقراطيون مسلمون، على غرار الديمقراطيين المسيحيين في الدول الأوروبية الأخرى".

وكان التقارب التركي الكردستاني هو من فواتح العام الجديد للمبادرات التصالحية مع الجوار الصعب المراس في الخاصرة التركية، وقد توجت هذه المساعي بزيارة قام بها مؤخرا وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى إقليم كردستان ولقائه برئيسه مسعود بارزاني. وقد صرح أوغلو إثر الزيارة قائلا: " أزور إقليم كردستان الذي اعتبره بيتي. العراق الجار كموطن متعدد الإثنيات مهم جدا بالنسبة للأمة التركية، ونحن ننظر بشكل متساو إلى جميع أفراد الشعب العراقي ولا نفرق بين مذاهبه". وأضاف:" نحن بوابتكم إلى أوروبا، وأنتم بوابتنا إلى الجنوب والبصرة والخليج". ومن جهته صرح بارزاني في المؤتمر الصحافي المشترك قائلا: "أعتقد أن السياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية هي سياسة صحيحة في معالجة المشكلة الكردية في تركيا وأعلن استعدادنا لتقديم الدعم لها"، منتقداً "التطرف وإراقة دماء الشباب من الأكراد والأتراك في تركيا".

النموذج التركي ذي المرجعية الثقافية للإسلام في صيغته التعددية، ونَفَسه الديمقراطي، وذي النهج السياسي البعيد عن أوهام العسكرتاريا الفجة وهواجس التسلط النووي، هو النموذج المعاصر للأحزاب المحافظة الذي صادف أن كانت هوية أعضائها وناشطيها إسلامية، النموذج الذي يفوت العديد من الدول الإسلامية حيث ردّ الإسلام ـ كليّاـ إلى حالة سياسية أوقعتها في مطب الربط "القصدي"، أو "غير المباشر" في أحسن الأحوال، بالراديكالية الإسلامية المستشرية في العالم.

سلام
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط