الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدها تحكي الحقيقة

هيفاء اسعد

2010 / 1 / 15
القضية الفلسطينية



على ابواب المدينة العتيقة وعلى مدار سورها القديم، ممرات ومدرجات بقواطع حديدية حديثة. اشجار نخيل، ’صفت على طول المشهد لمدخل المدينة، تخدعك بضخامتها متوهما قدمها لقدم المكان. حدائق،’مبالغ ما تمتلكه من ينعان وخضرة، تفترش الأرض بحزام حول سور المدينة لِتبلغ عن معادلة تناقض ما بين عشب حديث وسور عتيق. كلها ملامح على مداخل المدينة، مدينتنا، لا هي تمت بصلة لتلك المدينة العتيقة بتاريخ أصحابها الأصليين، ولا هي ’ترسخ، لزوارها، صورة لحقيقة المدينة، زوار هم ليسوا فقط من الجنسيات الأجنبية، بل ايضا من الأجيال التي تتعاقب على المدينة من ابناءها وابناءنا.
قصص وحكايات، تخبرنا عن مدينة يقال انها دمرت ما يقارب العشر مرات، لربما اقل ولربما اكثر. معلومات لمؤرخين، تقول لنا ان هذه المدينة بمساحتها الحالية داخل السور، هي ليست نفس المدينة التي كانت قديما. مناطق اوسع وامتداد اكبر ومن كل الإتجاهات كان داخل السور.
على الباب الرئيس للمدينة، باب العمود، قصة لعمود كان وتم انتزاعه. على بعد امتار من الباب، مكان’بلط بطريقة فنية اضيفت الى المسطح تؤكد ان في تلك البقعة كان هناك عمود، والذي بسببه ’سمي ذلك الباب "باب العمود".
ما حول السور وعلى المداخل، ايادي احتلال نافذة، تتسلل بسلطتها لتعبث بملامح ما حول المدينة، والى داخلها ما استطاعت. في اعماق المدينة العتيقة، حارة "الشرف" وما ’يعرف بحارة اليهود تتوسع كالأخطبوط بجميع الإتجاهات. استيلاء على بيوت وتشريد لسكان، بوسائل تتراوح ما بين النصب والإحتيال وفرض لقرارات عسكرية في اغلب الأحيان. اسواق وحارات بسكانها الصامدين من المقدسيين، ’سقفت بشِباك حديديه لتتيح لسكان حارة اليهود من المتعصبين والعنصريين ليواصلوا مضايقتهم، لسكان الحارات الفلسطينية من المسلمين والمسيحيين، بإلقاء حجاراتهم وقذاراتهم بإتجاههم.
قلاع ومتاحف و’مغر، يحرفون اسمائها ويعممون، او يحاولوا ما تيسر لهم، التعميم من خلالها لأجيالهم وللسواح، وحتى لأبناء البلد، عن نسب واحد ووحيد يخصهم في هذه المدينة. عبر مغارة "سليمان القانوني" التي يطلقون عليها اسم مغارة "الملك سليمان"، عبر متحف الملك داوود المملوء بأكاذيبهم وتزويراتهم لتاريخ المدينة.
اسواق تضيق بزحمة روادها، وحارات تفوح منها روائح الإهمال لتركها، عن عمد، بدون خدمات صحية لتفوح منها روائح تقول للزائرين بإن لا تعاودوا الزيارة.
وترعبك اللغة في الأسواق ما بين المارة، الذين تحسبهم مقدسيين يتسوقون مع اولادهم. في ايام رحلت، كانت حارة اليهود ما كان يسمى بحارة الشرف وحارة المغاربة والتي ’هجرت من اصحابها و’حولت لحارة لسكان اسرائيليين، استوطنوا القدس و’زرعوا ليشوهوا المدينة الأقرب الى السماء. تلك الحارة كانت بمثابة كنتون يعيشون فيه بعيدا عن السكان وخصوصيتهم. تحرسهم ابواب وثلة من الجنود تحيط بحارتهم ومداخلها. اليوم لم يعد هناك فواصل، فهم ما بين السكان في الأسواق والحارات، ينزهون اولادهم في عربات او مشاة بكل استرخاء وهدوء، دون ان يفكروا بإمكانية اعتراض او مكروه قد يصيبهم من استفزاز تواجدهم بين السكان. لهم كل الأمان بما ’زرع من كاميرات تصوير في كل زاوية من زوايا القدس القديمة. حارة اليهود اليوم في القدس تشكل ورم سرطاني ينمو ويكبر، ليمتص ليس فقط البيوت والحارات، بل ايضا لينشر في القدس العتيقة، طابعا غريبا عنها. باللغة وباللباس وبالثقافة. فاللغة العبرية في الغالب، للمارين من السوق، هي اللغة السائدة، في غياب حديث البائعين مع غير اليهود والأجانب، الا بما قل ودل، اذا حصل ووصلهم مشتري محلي. واللباس فهو لباس متدينينهم بعقصة النساء الخاصة بهم، واما الثقافة، فهي العنجهية والوقاحة لسكان يتصرفون وكأن شيئا لم يكن، وهذه المدينة ما هي الا جزء من املاكهم.
تشويه وتزوير، احتلالات واغتصابات وتشريد اصحاب البيوت، واقتناص الفرص للإستيلاء على تلك التي غاب اصحابها وما من مدافع عنها. تحريف لتاريخ ولأسماء شوارع ولطابع مدينة. حواجز وخنق وتسكير لمؤسسات يستبسل القائمين عليها، في ظل غياب قيادة وطنية محلية، للحفاظ على بقاءها من الإغلاقات المستمرة، وفي تقديم الخدمات والبرامج والملاحقة لحماية ما يمكن حمايته. حواجز وأمن وحصارات داخل الحصارات، لتضيق منافذ الحارات على سكان المدينة وعلى الزالفين اليها.
ذاك هي القدس بطابع مدينتها العتيقة وبسكانها الصامدين، فقر وتراجع وتعب للمشهد المقدسي، ونماء لمشهد المحتل الذي اصبح يسكن هناك بعائلته واولاده.
وفي آخر المطاف، وفقط في عمق الحارات في القدس العتيقة، عندما يأخذك المشوار الى حيث يسكن المقدسيين الأصليين، حيث المدارس القديمة بطلابها وبأسمائها، الى ابواب بيوتها بتيجانها واقواسها وصلبانها والكتابات القديمة، بالقرئانية واللانجيلية او حتى الأرمنية، والمحيطة بمداخلها. بروائح الطبخ العربي يرسل علاماته للأزقة، للراهبات تتحرك ما بين دير ومدرسة، لإسماء ما زالت ’تنبىء بالسر وبالحقيقة (ميدان عمر بن الخطاب، حارة السعدية، وباب السلسلة، وباب حطة، وحارة النصارى، والأرمن) كلها بتفاصيلها وعمدانها وخاناتها، هي ما تبقى لنا في تلك المدينة، والتي وحدها، تلك الحارات، وهي فقط من يقول الحقيقة عن القدس وعظمة اهلها الصامدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل