الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدة الموت وعشاق الحياة

كريم اعا

2010 / 1 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ارتبط الزمن بالحركة ولا يزال. لكن المحدد في هذه العلاقة هو التغير والتحول المرتبط بالحركة. إن الوعي بهذا التغير، وبسمات الحياة بصفة عامة؛ بما تحمله معها من موت ومن نهايات، جعلت العقل البشري ينتج آلة جهنمية تقيس درجة الانحدار نحو الموت.
الطبيعي بالنسبة للكائنات الحية هو الموت. أما الحياة فهي العارض، والزائل الذي إن لم يحسن الواحد منا استغلاله وجعله بوابة لقهر الموت، فإنه لن يكون إلا الموت الذي يركب الحياة ويمنعها من تحدي جبروته.
ما معنى أن يتحكم سؤال الموت في نقيضه؟ أليس ذلك إلغاء لقانون صراع المتناقضات؟ أليس ذلك استلاما لقانون طبيعي يجرنا إلى عالم الكائنات غير المفكرة؟ أليس ذلك تحريفا لمسار العقل البشري ورسالته؟
كل من يشغله سؤال الموت الطبيعي ويؤرقه غير جدير بحمل صفة الكائن المفكر، وغير جدير بالتمتع بموهبة العقل المبدع، وغير جدير بالعيش في عالم الإنسان.
كل من جعله الموت يرمي بالأحلام خلف ظهره، ويرتد عن ثمار الحضارة الإنسانية، ويكفر بالحاضر ويلغيه لينعم بمستقبل موعود غير جدير بملكة النطق.
كل من حوله الموت أداة طيعة في أيدي محترفي الخرافات والكرامات، وفي أيدي الكافرين بالنقد، وفي أيدي دعاة التسليم والتصديق، عدو للإنسان، للحياة وللموت.
أن تكون ندا للموت يعني التشبث بالحياة والعمل على قهر الموت وتحدي جبروته، لا الركوع أمام قانونه.
أن تكون ندا للموت يفرض عليك استغلال كل لحظة وحين لتخدم الإنسان وتكرس مبادئ الحياة.
إن أفضل درس تقدمه لنا الكائنات غير المفكرة هو تضحيتها من أجل بنات جنسها. النحلة تموت خدمة لخليتها، والنملة تتسلق الصعاب من أجل صغار مجتمعها...الخ، أما الإنسان المفكر العاقل فقد استعبده الموت وأنساه فضائل الحياة.
السمة المميزة للزمن الرديء هي انتشار عبدة الموت، الموت الذي يصول ويجول في فضاءاتنا اليومية، الاندحار الذي تعاني منه الحياة، الجراح المثخنة التي تصيب جسد الحياة والتي لم تسببها إلا يد الواعين بالموت وبالخراب الذي يعضده.
إذا كان من البديهي القول أن لعن الظلام لا يكفي ولا بد من إيقاد شمعة، فإن الأكثر بداهة القول أن لعن الموت لا يكفي بل لا بد من تقدير الحياة، ومن إعطائها مكانتها اللائقة نقيضا للموت.
إن الواحد منا، كي يكون أهلا لحمل صفات الحياة، ملزم بمقارعة الموت وتحدي جبروته، وتسخير كل لحظة من عمره الذي لا يعتبر محدودا زمنيا بل طبيعيا، لخدمة الآخرين وإبداع ما أمكن من الفكر النقدي الثائر والتعامل الإنساني الراقي والنبيل.
ما جعلنا نخرج من مملكة الحيوان هي هذه القدرة على التفكير والإبداع، ونتاجها هو الذي يستطيع أن يجعلنا نقهر الموت وقانونه الطبيعي.
قد يستطيع الموت الظفر بما هو طبيعي فينا، لكن ليس بمقدوره أن ينتزع ما هو إنساني فينا: عقلنا وقدرتنا على الخلق والابتكار.
سر معركة الحياة البشرية والموت في هذه النقطة بالذات. إن استطعنا تفجير الإنساني فينا، نكون قد ربحنا التحدي وجعلنا الموت يخسر إحدى معاركه ضدنا. الحرب ليست بالهينة ولن تعرف طريقها إلى الحل عما قريب، لكن رفاهية بني جلدتنا، وسمو علاقاتهم عما هو طبيعي، وانتقالها إلى ما هو إنساني حقيقي، قمين بجعلنا الموت يركع أمام الحياة.
لا حياة بدون عقل مفكر.
لا حياة بدون إنسان يحمل قضية بني جنسه.
لا حياة بدون إنسان قادر على مجاراة النملة في سعيها.
لا حياة بدون إنسان قادر على مجابهة الموت وقانونه الطبيعي.
نحن جزء من الطبيعة، لكننا استطعنا أن ننتج طبيعتنا الأخرى التي لا يستطيع الموت إليها سبيلا: الطبيعة البشرية المحبة للحرية والمساواة، والمعادية للاستغلال والاضطهاد والقهر.
وكل موت والحياة بألف خير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف