الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفسير التآمري وضعف دور المجتمع السياسي

محمد سيد رصاص

2004 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تعني الديموقراطية قوةً للفرد العادي في المجتمع تخضع لها النخب السياسية، بخلاف نظرية "الطليعة"، التي لم تكتف بتلك النظرة للمواطن بوصفه غير قادر على إنتاج الوعي السياسي بنفسه وإنما "يحتاج" إلى استيراده من "طليعة" أو "نخبة"، وإنما امتدت إلى تشكيل وصاية على المجتمع عبر الديكتاتوريات التي أقامتها بعد وصولها إلى السلطة، وربما كانت الحالة الأولى تفسر الثانية على الصعيد النظري، أو تقدم التبرير الأيديولوجي لها.
في هذا الإطار، يلاحظ أن المجتمعات الديموقراطية، باعتبارها تعبر عن فعالية سياسية قوية يمارسها أفرادها تجاه ذواتهم والساسة والخارج، لا يسود فيها التفسير التآمري للأحداث السياسية، وإنما تميل للنظر إلى الأمور الداخلية والخارجية عبر سياقات يختفي فيها شبح المؤامرة من التفسير السياسي، حتى ولو عانت من هزائم كبرى، كما جرى في فرنسا، بعد هزيمة 1870 أمام الألمان، حيث لم يصب بعارض تلك النزعة سوى من كان ذو نزعة غير ديموقراطية، بعكس الليبراليين والراديكاليين واليساريين، الشيء الذي أظهرته (قضية دريفوس) في تسعينيات القرن التاسع عشر، فيما يلاحظ أن صعود هتلر الانتخابي للسلطة في ألمانيا، على خلفية هزيمة 1918 وأزمة 1929 الاقتصادية الطاحنة للفئات الوسطى والفقراء، قد عنى تسليماً لمقدرات المجتمع السياسية إلى ديكتاتور فرد، كان تفسيره للهزائم ثم الأزمات، كما يظهر من كتاب "كفاحي" بالعشرينيات، مبنياً على نظرية "المؤامرة" التي "حاكها" اليهود والبلاشفة ضد الألمان.
منذ عام 1918، الذي سيطرت فيه بريطانيا وفرنسا على المشرق العربي وما ترافق مع ذلك من بداية تمدد الصهاينة في فلسطين، انتشرت عند العرب، وبالذات عند الإسلاميين، تفسيرات تآمرية لانقلاب عام 1908 ضد السلطان عبد الحميد وما أعقبه من سقوط الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة وانتصار علمانية أتاتورك، تعزوا ذلك إلى رفض السلطان لعرض هرتزل، وتربط ذلك الانقلاب بيهود الدونمة الذين تحاول إعطائهم دوراً رئيسياً في جماعة (الاتحاد والترقي)، وبعد ذلك تحاول إقامة نسب "ما" لمصطفى كمال مع الدونمة.
يلاحظ تزامن ذلك مع هزيمة العرب أمام الغرب، ومع عجزهم أمام الصهيونية التي نجحت في إقامة دولتها عام 1948: لم تغب "المؤامرة" عن تفسيرات العرب لهزيمة 1948، عبر ربط ذلك بترومان وستالين والأسلحة التشيكية، وبالذات بعد الهدنة الأولى في تلك الحرب. في هذا الإطار، يلاحظ ترافق ذلك عند مجتمع هشّ الحياة الحزبية، كان يحبو نحو ديموقراطية "ما" أو تسوده المحسوبيات والفساد، مع اتجاه نما منذ ذلك الوقت عنده إلى تسليم مقدراته إلى العسكر من أجل مواجهة مجتمع أسّس ديموقراطية متقدمة تحت حصار المحيط وأخضع الجيش وقبله المنظمات المسلحة (الهاغانا – الإرغون – شترن) لسيطرة المدنيين المنتخبين، فيما يلفت النظر أن هذا الأخير المنتصر لا تجتمع عنده المعرفة التفصيلية بأحوال عدوه مع التفسير التآمري، في صورة معاكسة للعربي المهزوم الذي لم يطبق شيئاً، منذ 1948، من مقولة (اعرف عدوك)، مكتفياً بالوسادة المريحة للتفسير التآمري.
كلما ازدادت هزائم العرب كلما ازداد استشراء وقوة التفسيرات التآمرية عندهم: يلاحظ ذلك عبر تحليلاتهم لظاهرة (اللولبي اليهودي) في الولايات المتحدة، وعبر تلك "التأويلات" لـ/11/أيلول التي سادت لأشهر في الكتابات العربية، وصولاً إلى التفسيرات التي لا تحاول الاقتراب من الأسباب الحقيقية لحدث مفصلي، يفوق ما حصل في 1918 و1948 و1967، مثل الذي جرى مع سقوط بغداد.
لا يقتصر ذلك على موضوعي (الغرب) و(إسرائيل)، وإنما يلاحظ امتداد هذا الميل إلى عملية تفسير الأوضاع الداخلية في تلك المجتمعات العربية التي عانت من ظلم العسكر وديكتاتوريتهم أيضاً: نرى ذلك الآن في الجزائر، حيث تميل المعارضة المهزومة، الإسلامية وغيرها، إلى نظرية "الواجهة" المدنية، والمنظمة العسكرية السرية "ذات الارتباط بالخارج" التي تحرك الخيوط من الوراء، فيما لوحظ ميل الشيوعيين والإخوان المسلمين، المضروبين والمهزومين أمام عبد الناصر، إلى نظرية كتاب "لعبة الأمم" حول اعتباره "عميلاً" أميركياً لضرب النفوذ البريطاني في المشرق العربي.
كيف يمكن إخراج العقل العربي من هذه الحلقة العنكبوتية المفرغة؟..
_________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حُرم من حلمه والنتيجة صادمة ونهاية حب مأساوية بسبب الغيرة! ت


.. إيران تلغي جميع الرحلات الجوية.. هل اقتربت الضربة الإسرائيلي




.. ميقاتي لسكاي نيوز عربية: نطالب بتطبيق القرار 1701 وأتعهد بتع


.. نشرة إيجاز - مقتل شرطية إسرائيلية وإصابات في بئر السبع




.. اللواء فايز الدويري والعميد إلياس حنا يحللان المعارك الضارية