الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاط وفواصل 4

خيري حمدان

2010 / 1 / 16
الادب والفن


كاتب
صبّ روحه في نصٍّ طويل في عدد صفحاته، قصير في الطريق نحو قمّة الإبداع الإنسانيّ، وكان يتمنّى من كلّ قلبه أن يلقى كتابه مصيرًا شبيهًا بمصير رباعيات الخيّام، حتى وإن أدّى ذلك إلى اختفاء عمله في غياهب النسيان دهرًا من الزمن!

كتب بشهد الروح وكانت النقاط تتوالى تترى، والفواصل كشظايا القذائف ملأت نهاره المُثْقَلْ بهموم الإنسانيّة. كتابٌ أمضى في إنشائه ووضعه العمر كلّه، وكان يحمل عنوان ((تلك الحكاية)).

تمكّن أخيرًا من نشره، وكان يتوقّع نجاحًا ساحقًا وقراءة منقطعة النظير، وبعد مضيّ شهرٍ من عمر الأبديّة، ذهب ليتفحّص مستوى المبيعات، وتفاجأ حين أخبروه بأنّ مجمل المبيعات تجاوز خمسة نسخ! بعد ذلك ازدادت دهشته لتتحوّل إلى صدمة كادت تودي بحياته، ولولا رحمة الله لأصبح عبئًا على أهله وعائلته. اضطرّ بعد ذلك إلى خفض ثمن الكتاب حتّى النصف بل وأكثر، ليستردّ على الأقل رأس ماله، وفي نهاية المطاف بيع الكتابُ لمحلات الفلافل، واستفاد منه الكثيرون في لفّ الفلافل ومسح المؤخّرات العربية القارئة للطالع وأخبار النجوم في المراحيض! أمّا هو فقد تمكّن من فتح دكّان صغير لبيع الفلافل، وساعد بدوره زملائه الكتّاب، إذ اشترى مئات الكتب وأخذ يمزّق صفحاتها بدوره للفّ الفلافل والقضامة والترمس!

مستشرق
حضر إلى منطقة الشرق الأوسط، وكان يسعى للاستفادة من عطاءه وكرمه. كان قد تعلّم العربية لدى أساتذة متخصّصين، وكان هذا الشاب واعدًا وطموحًا. سرعان ما اندسّ بين الجموع ولم يتردّد لحظة واحدة في تبادل الآراء وزيارة أصدقاءه الجدد. وكان ذات الوقت يزور الجامعة، ويتابع المحاضرات ويتّبع نصائح أساتذته وزملاءه. دعاه صديقٌ عربيّ لزيارة مكتبة لبيع الكتب، قرأ هناك الكثير من العناوين البرّاقة، لكنّ صاحبنا كان يبحث عن شيءٍ آخر، كان يبحث عن عنوانٍ ساحر مختلف، ولم تعجبه الأعمال التي بدت في عناوينها مشابهة للأدب العالمي المعاصر، فالقتل والعشق والعربات السريعة وحياة البذخ لا تجذبه ولا تشبع فضوله. تعب صاحب المكتبة من هذا الزبون ثقيل الظلّ، وعرض عليه أخيرًا بعض الكتب الرخيصة، بل والرخيصة جدًّا. عرض عليه علبة كبيرة تحتوي على ثلاثين كتابًا لا يتجاوز ثمنها عشرة دنانير فقط! فرح المستشرق بهذا الصيد الثمين واشتراه على الفور، ولو طلب البائع مائة دينار لدفعها دون تردّد. ذهب إلى بيته الصغير في أحد أحياء المدينة الفقيرة، وأخذ يطالع الكتب بشغف، أخيرًا وقعت عينيه على كتابٍ يحمل عنوان ((تلك الحكاية))، قرأ الصفحات الأولى منه، وسرعان ما غرق في القراءة، ولم يترك الكتاب حتى أنهى الصفحة الأخيرة.

كانت الدموع تملأ عينيه، هزّ الكتابُ كيانَه، وأثّر به إلى حدٍّ بعيد. عندها أمسك المستشرق قلمه وبدأ يخطّ كتابًا أهداه إلى زميله، الأديب الذي كان يبيع الفلافل ليس بعيدًا عن مكان إقامته، نشر المستشرق مؤلّفه بعد عام في وطنه، وتمكن من بيع ما يقارب نصف مليون نسخة خلال العام الأوّل، وأخذت الصحف تتحدث عن مؤلفه وأجرت معه أحاديث مطوّلة. لم ينسَ المستشرق بالطبع ذلك الكتاب الذي لم يتجاوز ثمنه ملاليم معدودة، وبقي وفيًّا حتى الثمالة لزميله الشرقيّ.

سبق صحفيّ
بعد سنوات، قرأ صحفيّ جريء الإهداء الغريب الذي زيّن الصفحة الأولى من كتاب صديقه. اتّصل به ورجاه أن يخبره شيئًا عن الكاتب الشرقيّ، لكنّ المعلومات المتوفّرة لم تتجاوز اسم الكاتب وعنوان كتابه بالعربية ((تلك الحكاية)). شدّ الصحفي الرحال إلى بلاد المشرق، وبدأ يسأل ويستفسر عن الكاتب المغمور الذي كان السبب في ثراء وشهرة صديقه، ولكن دون جدوى.

صدفة كان يجلس في محلّ لبيع الفلافل في قاع المدينة، وكان قد حفظ عنوان الكتاب عن ظهر قلب بالعربية، نظر الصحفيّ إلى الفلافليّ وقال ضاحكًا "تلك الحكاية!" كان قد أصيب باليأس، وكان على وشك أن يغادر المشرق لاعنًا حظّه، فقد كلّفته الرحلة الكثير من المال دون أن يحقّق غايته. أجاب الفلافليّ بآلية "نعم .. تلك الحكاية!"

لجمت الدهشة لسان الصحفيّ، وهمس على الفور اسمَ الكاتب، بعد لحظات أجابه الفلافليّ: ومن يهمّه أمر فلافليّ؟ أجاب الصحفيّ: أنا .. أنا. كاد أن يقول له الفلافليّ بأنّ صاحب كتاب "تلك الحكاية" قد مات منذ زمنٍ بعيد! أراد أن يقول له بأنّ الكتّاب يحتضرون في الشرق، لكنّ كرامته شفعت له في تلك اللحظة.

ذاك الكاتب، صاحب "تلك الحكاية" كان محظوظًا حين اهتدى الغرباء إلى عمله، على عكس مئات الأعمال للكتّاب والمبدعين العرب، التي ذوت كالورود دون أن يتمكّن أحد من شمّ عبيرها ورحيقها.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية