الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بكتريا الازاحة

أحمد حيدر

2004 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لاشك آن خطورة هذه البكتريا – الفتاكة – تكمن في تأثيراتها على المحيط الخارجي للفرد : الاسرة ،القبيلة الطائفة ، الحزب ، الدولة ...الخ ، أي انها تتعدى إيذاء (الأنا ) الحاملة لهذه البكتريا ، الى إيذاء(الآخر) الضحية ، بسبب العلاقة المضطربة التي تنشأ بين ( الأنا ) و( الآخر ) وما ترافقها من سلوكيات مرضية قد تودي الى وقوع كارثة لاتحمد عقباها ! على النقيض من بقية الفيروسات المعروفة التي تنحصر انتهاكاتها داخل الجسد فقط ، حيث تلجأ الى محاصرة الأعضاء الأكثر فاعلية ، وسد جميع المنافذ الاستراتيجية أمامها ،للحد من ( ديناميكيتها ) بغية السيطرة التامة على بقية الأعضاء التي تنبض بالحياة ، حتى يعلن الجسد– دون أية مقاومة –استسلامه ، وهو ينز ندما ، وخيبة !!؟
يعود اكتشاف هذه البكتريا الى بدايات التكوين البشري ، وكانت محاولة قابيل إزاحة أخيه هابيل من مسرح الحياة بمثابة ألف باء التأسيس للا زاحة ، وبعد وفاة الرسول محمد (ص) وجدت هذه البكتريا ، التربة الصالحة لنموها في الدولة الإسلامية ، فشهدت العديد من الصراعات المريرة ، والاغتيالات السياسية – التي طالت الخلفاء الراشدين – والحروب الضارية ، التي بدأت بمعركة الجمل عام 26 هجرية بين الخليفة علي بن ابي طالب ، وحلف عائشة ، ثم تلتها معركة صفين عام 37 هجرية بين جيش علي، وجيش معاوية ، الذي تمكن من بسط سيطرته عل السلطة بالسيف ( والمال، والعصبية القبلية ، والدهاء ) وبعد محاولة عبد الله بن الزبير في مكة إزاحة معاوية ، حاصر الجيش الأموي مدينة مكة ، وضرب الكعبة الشريفة ( بيت الله ) بالمنجنيق!! وألقي القبض على عبد الله ببن الزبير ، وصلب عل أبواب الكعبة سنة 73 هجرية ، بلغت هذه المآسي ذروتها أثناء الخلافة الاموية ، التي عبرعنها الخليفة عمر بن عبد العزيز فقال : الحجاج في العراق ، والوليد في الشام ، وقرة بمصر ، وعثمان بالمدينة ، وخالد بمكة ، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا !! واللافت ان دول منطقة ( شرق المتوسط ) ، كانت أكثر عرضة لهذه البكتريا ( لأسباب معرفة ) من دول المناطق الأخرى، سواء في الشمال أم في الجنوب ، لأن تلك الدول أدركت خطورتها ، و(وضعت الإصبع على الجرح ) في الوقت المناسب ، و اتبعت سياسات وقائية – منذ نشأتها – للحيلولة دون انتشار هذه الآفة الخبيثة ، عملا بالمقولة المعروفة : الوقاية خير من العلاج !!!
يطلق علماء النفس التحليليون على الازاحة ( العدوان المزاح ) ، أي استبدال موضوع بموضوع آخر كمصدر للإشباع ، كما هو حال الموظف الذي يعاني من وطأة الظروف المعاشية الصعبة ، ويتعرض للإهانة من مروؤسيه لأبسط خطأ يرتكبه ، فيكتم غضبه ، حتى يعود الى البيت ، ليصب جام غضبه على أفراد أسرته ، لسبب، أو دون سببب ،( أي انه أزاح غضبه من فوق رأس المدير ونقله الى البيت )،و الطفل الصغير الذي يتعرض للإحباط ، تراه يوجه غضبه نحو لعبته ، فيحطمها !! كذلك حال القبيلة ، أو الجماعة (الأغلبية ) في المجتمع ، التي تتعرض للضغوطات ( داخلية كانت أم خارجية ) ولا تستطيع الرد عليها ، أو الخوف من مواجهتها ، فانها تحاول الانتقام من القبيلة ، أو الجماعة ( الأقلية ) في المجتمع ، وان كانت بريئة ، ولا علاقة لها بالحدث ، وهو مايعرف أيضا ب(كبش الفداء ) وكان الكرد على مر العصور الغابرة كبش الفداء ، في جميع أماكن تواجدها ، فالرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ، الذي أزاح عددا من الشخصيات السياسية ، والعسكرية من طريقه للوصول الى السلطة ، ( قيل انه قتل في بغداد وحدها - بشكل مباشر أو غير مباشر – ما يصل الى ( 41 ) ألفا ، كان يحسم خلافاته مع خصومه بطلقة واحدة من مسدسه ، أشهر هؤلاء الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر، الذي أعلن عن وفاته في ظروف غامضة ، والقائمة تطول !!
أثناء الحرب العر اقية الإيرانية كانت كردستان العراق مركزا( للتفريغ الانفعالي) بالنسبة اليه ، كلما تعرضت قواته لخسارة جسيمة على جبهات القتال ، أمر بتوجيه قواته صوب مدن ، وقرى كردستان الآمنة ، وكانت قصف مدينة ( حلبجة ) بالأسلحة الكيماوية ، والجرثومية المحرمة دوليا ، من أبشع مظاهر هذا التفريغ الجنوني، وعندما فرضت دول الحلف الأطلسي الحصار الاقتصادي على العراق ، فرض صدام حسين حصاره على كردستان ، فعانى الكرد من الحصارين ( الأمرين ) !!؟؟
ولم تجد المؤسسة العسكرية الحاكمة في أنقرة حرجا في تصدير أزماتها الداخلية إلى العراق ، وتتغلغل الى عمق أراضيها – أمام مرأى ومسمع الجميع – دون أن تلتهب حمية ( القومجية ) للدفاع عن أمنها ، أو تعلن الجهاد ضد الغزاة !! - بحجة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني pkk ، إلا انها كانت ترمي من وراء ذلك إلى زعزعة الاستقرار ، التي تنعم بها كردستان في ظل الحكومة الديمقراطية ، ولتعلن عن موقفها الرافض لاقامة أي كيان كردي مستقل ليس في المنطقة فحسب – كما جاء على لسان أحد قادتها - بل حتى في الأرجنتين !!وبعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق ، حاولت أن تعيد الكرة مرة أخرى ، بحجة حفظ النظام ، بالرغم من وقوفها إلى جانب النظام المخلوع ، ورفضها استخدام القواعد العسكرية المتواجدة في أراضيها ، وعدم مشاركتها في ( تحرير العراق ) ، لكنها اصطدمت بموقف الجماهير الكردية الرافضة لأي تدخل من دول الجوار في شؤون العراق الداخلية ، وعبر عنها قادة الكرد بجرأة ، في أكثر من مناسبة ، جعلتها تعيد النظر في حساباتها !! أثناء نشوب فتنة القامشلي 11 - 12 آذار 2004 ، فشلت جميع المحاولات البائسة ، من قبل بعض الأقلام المدسوسة ، والمأجورة ،التي اتكأت على مرجعيات غارقة في ( طوباويتها ) لإزاحة الكرد عن (الزمكان ) ويبقى السؤال المطروح : الإصلاحات التي تفرضها الظروف الجديدة في المنطقة ، هل ستجد علاجا ناجعا لهذه البكتريا الخبيثة ( الإزاحة ) ؟؟؟؟؟ هذا ما ستجيب عنه – حتما - الأيا م القليلة القادمة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة نجاح علي طيفور: كيف تغيرت حياته وتحقق أحلامه في عالم صن


.. عودة المعارك إلى شمال ووسط قطاع غزة.. خلافات جديدة في إسرائي




.. القاهرة نفد صبرها.. وتعتزم الالتحاق بجنوب إفريقيا في دعواها


.. ما هي استراتيجية إسرائيل العسكرية بعد عودة المعارك إلى شمال




.. هل خسرت روسيا حرب الطاقة مع الغرب؟ #عالم_الطاقة