الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف كنا نكرم ضيوفنا في الثلاثينيات من القرن الماضي

عبد العزيز محمد المعموري

2010 / 1 / 17
سيرة ذاتية


(( كيف كنا نكرم ضيوفنا في الثلاثينيات من القرن الماضي ! ))
الكاتب والمعلم المتقاعد عبد العزيز محمد المعموري -ناحية العبارة -بعقوبة- محافظة ديالى
في المجتمع الريفي لم يكن للوقت قيمة , فكان الفلاح ينثر بذوره وينتظر رحمة السماء لسقي البذور فأن انقطع المطر فهلاك الزرع والضرع ومصير حياة الفلاحين تحت الخطر .
وكان الفلاح بعد الشهرين العاشر والحادي عشر يعاني من بطالة قاتلة ، فيلجأ لزيارة اقاربه مهما بعدت ديارهم , وافضل زيارة ماطال امدها وحسن ثريدها . اما نحن في القرى المحيطة بمدينة بعقوبة في محافظة ديالى فكانت احوالنا بين الفقر الشامل او القاتل او الفقر القابل للاحتمال ! كان هذا في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي وكانت البطالة في قرانا شاملة ايضاً ، كانت قرانا تختص بالبستنة ، ولم تكن هذه المهنة مجزية لأن الحاصلات الزراعية لم يكن لها مشترون لضعف القدرة الشرائية وبدائية التسويق ، فكانت الحاصلات الزراعية تنقل الى بغداد على ظهور الحمير والبغال وكان (المكاري) هو المتحكم بأسعار الحاصلات ومن بعده (العلوجي) في بغداد وكثيراً " ما يكون مردود الفلاح صفراً" اذ يتقاسم مجهوده (المكاري) و (العلوجي) وعليه يصدق قول الصافي النجفي :
رفقـاً بنــفسك ايها الفلاح تسعى وسعيك ليــس فيه فلاح
اتذكر في طفولتي ان اقاربنا الاقربين والابعدين كانوا لا يتركون بيتنا الطيني يوماً بلا ضيوف , وكانت والدتي رحمها الله توصينا الا نأكل الا بعد ان يكتفي الضيوف وكانت الوجبات الاعتيادية التي تقدم للضيف اما ( الخميعة ) وهي حليب يذاب فيه قليل من الدهن الحر , ويثرد به خبز الشعير عادة وربما خبز الحنطة في احسن الحالات ويقدم معه التمر الزهدي , ولم يكن الشاي معروفاً آنذاك .
او ان يقدم للضيوف الدبس وعليه قليل من الدهن الحر وهي الاكلة المفضلة عند الضيوف والتي يظلون يتحدثون عنها طويلاً كدليل على كرم المضيف وفي احيان اخرى نقدم لضيوفنا الاعزاء التمر الخستاوي بعد نزع النوى عنه ونذيب عليه قليلا من الدهن الحر .
وبعض الضيوف المهمين كنا نطبخ لهم ( التمن ) من نوع الحويزاوي وهو أردأ انواع الرز , اما ( النعيمة ) او ( العنبر ) فنسمع بهما دون ان نراهما .. وكان التمن يقدم للضيوف بدون مرق بل توضع فوق ماعون التمن بضع بيضات بعد خفقها وخلطها بقليل من الطحين وتحويلها الى قرص فوق ماعون التمن . وتعويضاً عن المرق تعصر امهاتنا بضع حبات من النارنج وتخلط معها الماء والدبس وتصنع منها نوعاً من العصير يسمى (خوشاب) وهي مفردة فارسية كما اظن .

اما طعام الافطار فيتكون عادة من ( الشوربة ) والتمر الزهدي , والشوربة على عدة انواع :
شوربة الهرطمان , شوربة العدس , شوربة التمن والتي يسمونها (ام سنون) وبعض هذه الانواع يوضع عليها (الكشك) وهو يصنع من الجريش واللبن ويوضع في الشمس على شكل اقراص حتى يختمر ويجف ويكتسب حموضة تحمض بها انواع من الشوربة ، وكذلك مرق الباميا .
وهناك نوع من ( العصيدة ) تصنع من الطحين والدهن والدبس تسمى (عصيدة حلوة) تمييزاً لها عن العصيدة الخالية من الدبس .
لم يكن اللحم يرد على بال احــد رغم رخص اثمانـه وقد كان كيلو اللحم يباع بـ( 20 فلساً) اما ( المعلاك ) فيباع بـ(4 فلوس) فقط ولم يكن احد يعرف قدر (المعلاك) وكان الرجال يخجلون من شرائه ولا اعرف السر في ذلك !! كما كانوا يخجلون من شراء البيض والدجاج , وكان بيعه وشراؤه خاصاً باليهود فقط وكأن التخلف كان قدراً لنا منذ القدم ! بعض الضيوف لم يكونوا في عجلة من امر السفر الى اهلهم فلا عمل لهم هناك , واذا كان الطعام جيداً لدى ( المعزب ) فلماذا العجلة في مغادرة المعازيب ؟ يقال ان احدهم ركب فرسه مغادراً اهله وفي الطريق طلبت الفحل فلقحها , وظل يتنقل بين اقاربه حتى ولدت فرسه في الطريق , وحين رأى معالم قريته , صفق يداً بيد قائلاً : لقد رجعنا (لمهجمات اهلنا) البارحة غادرنا الديرة ... ناسياً ان فترة حمل الفرس حتى ولادتها لا تقل عن اثني عشر شهراً وهي مدة قصيرة برأي صاحبنا الذي لم يتعود ان يأكل في بيته !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا