الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زهاء حديد: الامر لا يتعلق في مكسب مادي، انه شأن ثقافي!

خالد السلطاني

2010 / 1 / 17
الادب والفن


لا نضيف كثيرا اذا قلنا بان منجز "زهاء حديد" يمثل الآن ظاهرة، ظاهرة مهنية مميزة في المشهد المعماري مابعد الحداثي . انها الآن "نجمة" العمارة المعاصرة، ومع "نجوم" آخرين تسعى وراء تشكيل ذائقتنا المعمارية، وتحرص على تكريس خطاب ما بعد الحداثة في الفضاء المعماري. ان منجزها التصميمي، كما اشرنا في دراسة أخيرة لنا، يغوي "دور النشر في اماكن عديدة لاصدار كتب مختلفة عنها. فهي المعمارة "الانثى" المشهورة عالمياً، وهي الوحيدة من الجنس اللطيف الحائزة على جائزة "بريتزكر" المرموقة (2004)‘ هذا فضلا بالطبع عن فرادة منجزها المعماري واستثنائيته في الخطاب. ويضفي اصلها غير الاوربي قدرا كبيرا من حب استطلاع عارم نحوها، هي المولودة في بغداد (1950)، وفيها اكملت دراستها الاولية، قبل ان تدرس الرياضيات لاحقا في الجامعة الامريكية في بيروت، ثم لتلتحق بعد ذلك عام 1972، في مدرسة "الجمعية المعمارية" {AA} بلندن. ومنذ تخرجها عام 1977، اختطت زهاء لنفسها مقاربة معمارية خاصة بها، لتضحى اليوم احدى اعمدة عمارة ما بعد الحداثة المهميين، إن كان في المجال المهني ام على الصعيد الاكاديمي". لكن المهم في كل هذا، هو التأكيد على امتلاك زهاء، لمقاربة معمارية مميزة تنشد بها اجتراح اضافات تصميمية غير عادية وغير مسبوقة. ان تصاميمها الان منتشرة في جميع انحاء العالم من الصين وحتى الولايات المتحدة الامريكية، مرورا بالطبع في اوربا، وبلدان الشرق الاوسط.
ومع ان زهاء حديد مولودة في المنطقة العربية وترعرت فيها، (فهي اذن "بنتها"، طبقا للاعراف العربية!)، ولها تصاميم عديدة في بلدانها، فان القراء العرب وبضمنهم عدد كبير من المهنيين، لم يطلعوا بصورة واسعة على نتاجها المعماري، كما ان مقاربتها التصميمية لم تدرك بعمق حتى من قبل معماريين عرب كثر. ولم يصدر عنها لحين الوقت الحاضر اي كتاب بالعربي. وثمة صمت، غير مفهوم وغير مبرر، ازاء نتاجها ومقاربتها، يرخي بظلاله على الاوساط الاكاديمية العربية. فلم نقرأ في الفترة الاخيرة وما قبلها دراسات او اطاريح جادة تتعاطي مع منجزها المميز. ولا نفهم، حقاً، عزوف الاكاديميين العرب عن متابعة ما تحقق (وما سوف يتحقق!) في الورشة المعمارية ما بعد الحداثية العالمية، وبضمنها بالطبع ما تبدعه زهاء حديد نتاجها الذي يعتبر احد تمثيلات نتاج تلك الورشة الغزير، والمتنوع .. والصاخب دوماً!

تتيح المقابلات "الشخصية" مع زهاء، امكانية فهم نوعية الذهنية التى من خلالها يمكن التعرف على طبيعة المعارف والخبر والاهتمامات ..وحتى المصاعب والمعوقات التى تواجها المصممة وهي تشتغل على تصاميمها. فالاسئلة المباشرة، وتقصي طرائق التصميم وكيفية انجازها، اضافة الى تساؤلات عن نوعية الخلفيات الثقافية، وطبيعة الاهتمامات، وخصوصية الذائقة الفنية. كل هذا يمكن ان يطرح عليها، ومن ثم يمكن "سماع" اجاباتها عليها. لكن "قراءة" كل ذلك يبقي بالطبع رهناً في كيفية تعاطي المتلقيين (والنقاد من ضمنهم) لتلك التصاريح التى تسهم في اضاءة خصوصية مقاربتها التصميمية. ولئن كانت اطروحة "موت المؤلف" البنيوية، تتغاضى عمداً عن مقولات مبدع "النص" وتشكك بقيمتها، وترتاب في مصداقيتها، جاعلة من النص الابداعي المجترح وحده، مركز الاهتام النقدي وموضوع مساءلاته؛ فان "الاصغاء" الى ما يقوله المبدع، لا يمكن اعتباره نافلة بالمطلق دوماً.
لم اطلع (واتمنى ان اطلاعي غير كامل)، على مقابلات مع زهاء حديد، منشورة في الميديا العربية، عدا لقائين اجرتهما جريدة "الشرق الاوسط" اللندنية (الاول كان في 4 سبتمبر 2004 ، والثاني في 24 ابريل 2008)، مضافاً اليهما ما ترجمه صديقي المعمار ظافر معن لحوار نشر في حينها في صحيفة دانمركية ، وتم نشره لاحقا في "ايلاف" قبل سنين. وهذه الشحة المعلوماتية الخاصة في هذا الجانب، هي في الواقع تعبير عن نقص ابستمولوجي فادح، لايمكن له ان يسهم في اثراء معلوماتنا عن ما يجري حولنا، وخصوصا اذا كان ذلك الامر يتعلق باحد ابناء و"بنات" منطقتنا الافذاذ، الذين بهم نفتخر ومنهم نتعلم. من هنا تطلعت الى ترجمة مقابلة سريعة، لكنها اراها مهمة، لجهة اظهار نوعية المصاعب التى تواجه المبدع، وهو يسعى الى تحقيق "حلمه" التصميمي، حتى وان كان ذلك المبدع قامة هامة ومعروفة، كقامة زهاء حديد. ومنها ايضا يمكن للمرء ان يتعرف على اهتمامتها الفنية وهمومها التصميمية. والمقابلة حظيت باهتمام واسع في الاوساط المهنية الروسية في حينها. بالنسبة اليّ (الدارس سابقا في المعاهد الروسية)، فان موضوع المقابلة قريب جدا ومفهوم جداً، اذ سبق وان كنت ضيفا دائما على "صاحب" الدار: قنسطنطين ميلنيكوف (1890-1974) التى تتحدث زهاء عنه وعن "دارته" باحترام جم.
اجرى اللقاء "غريغوري ريفزين" وهو ناقد فني روسي معروف، ولد في موسكو 1964، وتخرج من كلية التاريخ بجامعة موسكو، اصدر عدة كتب في الفن والعمارة، وهو كاتب دائم في الصحف المعمارية المتخصصة، وشغل في عام 2001 قوميسار الجناح الروسي في بينالي البندقية المعماري. ويشغل الان منصب رئيس تحرير مجلة" المشروع الكلاسيكي". والمقابلة اجريت بعيد تقليد زهاء حديد جائزة "بريتزكر" الامريكية عام 2004، في قصر الارميتاج بمدينة سانكت- بطرسبورغ (لينيغراد سابقا) في روسيا. تمت الترجمة عن الروسية مباشرة.

غريغوري ريفزين (غ. ر) - اسمحي، اولا، ان اهنئك بمناسبة تقليدك جائزة العمارة العالمية المرموقة، هل انت راضية عن مراسيم التقليد؟
زهاء حديد (ز.ح) - نعم، شكرا. ان سانكت- بطرسبورغ: مدينة رائعة، ومسرح الارميتاج، المكان الذي تم به تقليد الجائزة، كان مكاناً احتفاليا ومهيبا.
(غ. ر) - هل تم تكليفك لبناء شيئا ما في سانكت- بطرسبورغ؟
(ز.ح) - لا، لم يحدث هذا.
(غ. ر)- اذن ستكون موسكو وليس سانكت-بطرسبورغ، اول مدينة روسية يظهر عمل لك فيها. هل اطلعت على نماذج العمارة المعاصرة في موسكو؟ وما هو الشئ الذي يبدو لك مثيرا في موسكو؟
(ز.ح) - ان موسكو مدينة رائعة، وهي مدينة بمقياس مذهل، وتتمتع بطاقة عظيمة. لقد زرتها مرارا، لكن ذلك كان منذ زمن بعيد. المرة الاخيرة التى زرتها كان في عام 1992. وقد تغيرت بالطبع كثيرا منذ ذاك التاريخ. لم يكن لدي وقت محدد وكافٍ للتعرف على العمارة الموسكوفية المعاصرة بصورة جدية. واجمالا، ما يثيرني في المقام الاول، هو مباني "الكونستروكتيفزم" الروسي في العشرينات والثلاثينات: امثال اعمال ميلنيكوف، وغينزبورغ. لقد تولد لدي انطباعا بانكم لا تقدروا تلك الاعمال بما فيه الكفاية.
(غ. ر) - لماذا؟، هل يتراءى لك بان ثمة نقصاً في الاحساس بوجود تقاليد الكونستروكتفيزم في عمارتنا؟
(ز.ح) - كلا، ليس هذا ما قصدته. انما ما عنيته هي الحالة التى عليها اعمال ميلنيكوف ولاسيما "دارته" الشخصية، وكذلك عمل غنيزبورغ: مبنى موظفي وزارة المالية. انها حالة مزرية، لا احد يهتم في صيانة تلك الاعمال. ولا اجد جوابا شافيا لذلك. كما لا اعرف لماذا يحدث ذلك.
(غ. ر) - من الصعب تقديم دراسة لمخطط عملي، يمكن بواسطته جعل تلك الاعمال تبدو اكثر نفعية.
(ز.ح) - ليس الامر متعلقاً في مكسب مادي، انه شأن يخص الثقافة. في سنة 1992 عندما زرت موسكو ، كان بالامكان وقتها اجراء الصيانة بمبلغ زهيد، فيما اذا كنتم فعلا جادين في ابداء الاهتمام بتلك المباني. كان من السهولة بمكان تحصيل مثل ذلك المبلغ. واعتقد ان هذا الامر يمكن تحقيقه اليوم ايضاً. لكن عدم التقدير المناسب لاعمال "الطليعة الروسية" كان وراء ذلك الاهمال. انه اهمالا غير مبرر يحسه المرء ،مع الاسف، اينما وجد. خذ مثلا مبنى "المتحف المعماري"؛ انه يحتوي على روائع لتخطيطات معمارية لم اشاهد نظيرا لها في اي متحف آخر؛ لكن البناية في وضع مريع. لا يوجد، حتى مكان مناسب للعرض، واحد اقسامها آيل للسقوط. انه لامر معيب. ان هذا الوضع يرتقي الى فضيحة!
(غ. ر) - نأمل بان ذلك سيتغير، فالتغييرات المتسارعة الحاصلة في موسكو ستصوّب من دون شك هذه الحالة. ثمة ادراك بدء يظهر في المدينة يتعاطي بتقدير واع لنماذج طليعية الفن الغربي المعاصر. ونطمح بان ذلك سينعكس على تقدير وتثمين ما هو خاص بنا. حدثيني رجاءا عن مشروعك الجديد.
(ز.ح) - انه تكليف الشركة الموسكوفيه " كابيتال غروب" والعمل لايزال في مراحله الاولية. ما تم انجازه الآن فقط المخطط الاولي. لقد مرّ على عملنا المشترك سوى شهرين. انه عمل ليس في مركز المدينة، وانما في ضاحية "خوروشيفو" ؛ وهو مبنى سكني.
(غ. ر) - ان رب العمل لهذا المشروع ، معروف عنه عنايته الشديدة في دعوة نجوم العمارة العالمية اليوم للعمل في موسكو. بيد ان الواقعة التى حصلت مع : "ايرك فان ايغيرات" ( معمار هولندي معروف عالميا. ولد في امستردام عام 1956، وتخرج من الجامعة التقنية في دلفت سنة 1984، المترجم)، افضت الى تعليق ذلك التعاون الآن. فمشروعه مجمع "الطليعية الروسية" قد رفض من قبل عمدة المدينة، رغم انه حاز على اعجاب المعنيين ونال اهتمام المهنيين. الا يساورك وجل بان عمارتك تبدو راديكالية الى موسكو.
(ز.ح) - من الصعب عليّ ان احكم، فتلك مسألة تعود الى رب العمل. لقد اتخذ رئيس مجلس ادارة "كبيتال غروب" السيد فيجسلاف دوبرين، قراراً بعدم اطلاع الجميع على المشروع اياه. ويبدو ان قراره ذلك كان من وحي تلك الواقعة التى تتحدث عنها. ما اود ان اقوله، بان المعمار الرئيس لمدينة موسكو السيد كوزمين قد وعد بمعاضدتي. ففي رأيه ان موسكو تمثل الان حاضرة كبرى، وهي عاصمة غربية معاصرة، ومن هنا في رايه يتعين حضور اعمال المعماريين الغربيين المشهوريين فيها.
(غ. ر) - اجل، هذا يمكن اعتباره برنامجا خاصا بالسيد كوزمين. لقد تحدث لنا عن ذلك في لقاء خاص قبل نصف سنة. انه يتوق الى تكوين مجموعة من اعمل نجوم العمارة الغربية في موسكو. لكن عليّ ايضا الاشارة، بان مثل هذه الطموحات لا تتحقق بسهولة. ففي واقعة "ايغيرت" كان رأيه و رأي عمدة المدينة على نقيض. وفي نهاية الامر فان العمدة هو الذي يقرر.
(ز.ح)- لقد قدمني السيد دوبرين الى السيد لوشكوف (عمدة المدينة، المترجم)، وقد اهديته كتابي. حينها قال العمدة بانه سيكون امرا ممتعا ومثيرا للاهتمام لو تسنى لنا ان نعمل شيئا ما للمدينة بمشاركتي. لقد كان ذلك بالطبع ايماءة شكلية، لكنى اعتقد بان ثمة بداية جرى ارساؤها. □□

د. خالد السلطاني
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بناء الأمجاد
صبحي حسين ( 2010 / 1 / 17 - 21:08 )
مالذي يعني للعراق ، ان تبني سيدة عراقية مجدها خارج حدود وطنها ؟ هل يستطيع احد ان يقنعني ان هذه المعمارية الموهوبة ، لديها الوقت الكافي لتتذكر انها من اصول عراقية
مالذي يعني لها بلد اسمه العراق ؟
هل لها القدرة ان تتخلى ولو لدقيقة واحدة عن مشاريعا وثروتها الثابتة والمتحولة لتنشغل بوطن الكوابيس والأشباح
.لا نعتب ولا نعول عليها

اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل