الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نتحول نحن السوريين من رعايا إلى مواطنين ؟

كامل عباس

2004 / 6 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بعد خروجي من السجن منتصف التسعينات, بأيام , توجهت الى شعبة تجنيد جبلة من أجل الاجراءات القانونية اللاذمه للحصول على الهوية الشخصية , وعندما فتح الموظف المسؤول دفتره على صفحتي جحظت عيناه , ترك الكرسي حالا وعاد بعد برهة ومعه رئيس الشعبة وكتيبة من الشرطة ,
- ما الخطب يا سادة .
- أنت متخلف عن آداء الخدمة العسكرية .
- أنا كنت سجينا وهناك قرار من حكومتكم يعفي من الخدمة كل من دخل السجن لمدة تزيد عن سبعة أعوام .
- صحيح. ولكن لادليل عندنا أنك كنت في السجن وسجلاتنا تقول : هربت الى بريطانبا كي لا تؤدي خدمة العلم .
لم تشفع توسلاتي عندهم, قيدوني وأخذوني الى السجن المجاور ,
- هات ما عندك من نقود لنسجلها لك في الأمانات فأنت ستكون بين مجموعة من اللصوص .
- لا أملك منها الا القليل وستبقى معي
- ذنبك على جنبك
عندما علم السجناء أنني سجين سابق لمدة أربعة عشر عاما جمعوا كل ما عندهم من أغطية ووسائد ونصبوني عليها أميرا وجلسوا حولي وكل منهم يريد أن أكتب له رسالة ( كوني مثقفا ) لعشيقته أو أهله أو مجموعته في الخارج .
بقيت على هذا الحال حتي ظهيرة اليوم التالي عندما نادوا علي من جديد
قيدوني وطلبوا مني خمس وعشرين ليرة أجرة تاكسي الى الشعبة
- الشعبة قريبة !!
- هناك شارع سنعبره ولا نريد أن يراك العالم هكذا , عيب
- العيب عليكم ولن أدفع مليما
عبرنا الشارع باتجاه الشعبة, كان بانتظاري مساعدا ذو كرش بدين خلف مكتب في غرفة كتب على بابها بالقلم العريض ( جاهز للسوق )
بوابة هذا المقال – جاهز للسوق وهي عبارة استعملها العثمانيون أيام سفر برلك لجر السوريين الى الجندرما .
الغريب أن هذه العبارة ماتزال تستعمل من قبل دولتنا الوطنية في كل شعب سوريا المختصة بالخدمة العسكرية , والسوق عبارة تستعمل للحيوان حيث يساق بالعصا , أما الإنسان فهو يملك عقلا يمكن مخاطبته به .
وليت الأمر اقتصر على شعب التجنيد فلها بعض العذر, إذ أنها تعبر عن واقع الحال اليوم حيث يساق الشباب الى أداء الخدمه العسكرية مكرهين . لكن ما هو مبرر العمل بقانون الأحوال الشخصية العائد الى تلك المرحلة أو في السجلات العقارية حيث يحتاج المرء الى تسع وتسعين توقيعا على الأقل من اجل انجاذ معاملته ؟
بالطبع نحن نشترك مع العثمانيين في دين واحد هو الاسلام, كان له الفضل في استمرار الكثير من هذه القوانين , ومع ان قناعتي ان الاسلام كان في حينه ثورة فاقت في أثرها التقدمي على العالم الثورة الفرنسية والروسية . الا ان الأغنياء ركبوه من الداخل وسيطروا عليه من أيام الخليفة عثمان وما زال تشريعه مناسب لهذه الأيام إذا كان يخدم مصالحهم
ظننا ان الفرج سيكون على يد ثورة آذار , ومع قناعتي أيضا أنها دفعت سوريا في البداية الى الأمام الا انها كانت خطوة الى الوراء في مجال المواطنية وحقوق الانسان لأنها اتكأت على الديمقراطية الشعبية وقرآنه اللينيني ما العمل .
القرآن في الاسلام يقول: وأمرهم شوري فيما بينهم .
والقرآن في الديمقراطية الشعبية (ما العمل) يقول : (( يتعذر في المجتمع الراهن على كل طبقة من الطبقات أن تناضل بثبات بدون دسته من الزعماء والنوابغ . والنوابغ لا يولدون بالمئات . المجربين والمتفقين في الرأي أروع اتفاق والمخضرمين مهنيا والذين حنكتهم تجارب الأيام )) ص 155
معاوية باني الدولة العربية يقول :
- لن أحول بيني وبين الناس ما لم يحولوا بيني وبين ملكي
- لن أستعمل السيف على شخص لم يستعمل علي سوى لسانه .
أما ستالين باني الدولة السوفياتية فقد اعدم الكثير من رفاقه لمجرد الشبهه او الشك بهم !!
والنتيجة التي وصلنا اليها في ظل دستور الديمقراطية الشعبية . قائد ملهم يصنع المعجزات وهو ساهر على مصلحة الرعية ويفهمها أكثر منها وكل ما يصدر منه نحوها عطاءات يجب أن تشكره عليها, زيادة الرواتب , قانون العاملين الموحد , حتى التنفس في السجن الذي لم ينتظم يوما هو عطاء من القائد !! وشعار المرحلة قائدنا الى الأبد , يردده الطلاب في المدارس بعد تحية العلم .
أسوا ما في هذه المرحلة تحول سوريا بلد الحضارة والثقافة والتاريخ العريق الى بلد النفاق والمنافقين والانتهازيين والوصوليين من كل حدب وصوب وفي المقدمة أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي لم تعترض حتى هذه اللحظة على هذا الشعار وهي تؤدلج له بحجة وقوف المجتمع صفا واحدا وراء القائد بوجه الامبريالية والصهيونية , من أجل مكاسب شخصية وحزبية ضيقة . أبدع في هذا المجال وزيرة ثقافتنا المشهورة نجاح العطار, لم يتفوق عليها احد سوى صفوان قدسي والدكتور اسكندر لوقا الذي رأى في صحيفة الثورة أن ابتسامة الرئيس ضرورية لفعل الرؤيا والتنفس , أما ام عمار فقد كانت في منزلة بين المنزلتين وهي تتهيب كيف تخاطب رب السيف والقلم .
والنتيجة مجتمعنا الحالي راع ورعية
أما كيف يمكن تفكيك الوضع القائم باتجاه الانتقال الى دولة مواطنين فهو حديث آخر له شجون وشؤون .
كامل عباس
اللاذقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت