الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بين جدران أقليمية آيلة للسقوط-قراءة سريعة لمعادلة بدأت صورتها تتضح

هفال زاخويي

2010 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


مازال النزف العراقي مستمراً ، ومازال التوافق الوطني تباعداً وخلافاً ناحراً ، ومازالت المصالحة والحوار الوطني ووزارتها ولجنتها البرلمانية ومؤتمراتها العقيمة محض شعار فضفاض وأداة بأيدي الساسة للإستهلاك الإعلامي ، ولم تزل الإرادة التي يسمونها(وطنية) هي غير وطنية تتجاذبها وتتقاسمها الإرادات الوطنية لدول الجوار الأقليمي ومؤسساتها الحاكمة التي تتربص بالعراق وتريد اجهاض تجربته الديمقراطية وتريد به شراً كإجراء إحترازي لتوفير الأوكسجين لها قدر المستطاع والحيلولة دون إصابتها بعدوى الديمقراطية التي تشق طريقها في العراق بشق الأنفس .

رغم النزف العراقي وحجم ونوع التضحيات والتحديات التي تواجه التحول الديمقراطي لا تظهر في الأفق أية معطيات تشير الى تراجع وخنوع لدى المجتمع او تنازل عن تحقيق الديمقراطية الفتية للوصول بها الى حدود تقترب من طموح الفرد العراقي نحو الانعتاق والعيش بحرية وكرامة...لا يمكن بعد كل ما حصل وبعد كل التضحيات الجسيمة أن تعود الديمقراطية في العراق بخفي حنين من حيث أتت ، ولا يمكن أن يتحمل الانسان العراقي العودة الى عهود الظلام والتخلف والإستبداد والشمولية والأدلجة وحكم الديكتاتورية الفردية ، ورغم طغيان الطابع الثيوقراطي وتجلياته في الحكم الحالي والذي لايقل تأثيره السلبي وخطورته عن تأثيرات الحكم التوتاليتاري الديكتاتوري ،والذي قد لايظل ساكتاً إزاء التحولات الحاصلة نحو الديمقراطية والتي هي مستهدفة أصلاً من قبل الثيوقراطية نتيجة تصادمهما في الجوهر والعرض وأنماط التفكير وآليات الحكم ، لكن تبقى الديمقراطية تخوض معركتها والتي هي بمثابة صراع الحياة والموت بالنسبة للانسان العراقي ، صراع بين الجمود وبين آلة التطور، وستنتصر لا محالة رغم الرتابة والملل الذي يريد ان يفرض نفسه على نفسية المواطن نتيجة العنف الدائر وتلكوء تقديم الخدمات وظاهرة الفساد المالي وبروز طبقة جديدة منتعشة وهي اقلية اقطاعية سياسية على حساب معاناة جموع الأهالي ... رغم ذلك تبقى الديمقراطية هدفاً منشوداً وتبدو الآن بوادر تحققها مشهودة وغير طوباوية.

الجدران الساخنة المحيطة بالعراق والتي تشهد حرائق ما وراءها ، تتجه نحو الانهيار حسب المعطيات الحالية وكذلك بسبب من التهريء والفساد الذي بدأ ومنذ فترة ينخر في الأحشاء القابعة وراء الجدران الأقليمية ، إذ لايمكن بعد الآن وقف الحريق الذي يلتهب وتتسع دائرته في جمهورية إيران الإسلامية ، فجموع المتظاهرين والساخطين والمنادين بالإصلاح مصممة على التغيير وهي تمتلك الإرادة الفعلية لذلك وهي تذكرنا بتلك الجموع الشابة التي لم تقف في شوارع طهران في الأعوام 1978 و1979 وصممت على انهاء حكم الشاه محمد رضا بهلوي ومن ثم استمرت في دك قلاع الطغيان الشاهنشاهي بعد دخول الراحل آية الله الخميني لإيران واسقاط حكومة شاهبور بختيار التي عاندت في البقاء وصمدت ايام معدودة أمام العناد الإيراني المعروف ، والجموع الحالية التي تدير الحريق ضد حكومة السيد محمود أحمدي نجاد هم من أبناء وبنات جموع الأهالي في نهاية سبعينيات القرن الماضي الذين كانوا أهم وأكبر أداة لانتصار الثورة الاسلامية التي تتجه حالياً نحو منعطف خطير قد يودي بها ويجعلها في ملفات الأرشفة التاريخية.
أية هزة تتعرض لها ايران الإسلامية ستلقي بظلالها على العراق ، ولا يمكن ان لا تكون هناك هزة هائلة، ما دامت إرادة الإصلاح غائبة عن قائمة أولويات السلطة في إيران سواء على مستوى المرجعية السياسية والدينية والتي هي على رأس هرم السلطة، وهنا يجب أن لايغيب عن بالنا الحتمية التاريخية وكذلك دخول النظام في طهران سن الشيخوخة والتآكل من الداخل .

المملكة العربية السعودية سائرة –رغم الدعم الغربي- نحو منعطف لايقل خطورة عن المنعطف الإيراني الذي بدا واضحاً في الأفق، فالسعودية ونظام الحكم بالأخص فيه يعاني من صراع مرير بين برنامجه المنشود في الإصلاح وبين المؤسسة الدينية التي يتغلب عليها الجمود الذي يدفعها للتدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤون وحياة الأفراد بدعوى الدعوة – للدين القويم – وذلك بحد ذاته التفاف على الدين وركوب عليه وتشويه له ، ولابد ان الفتاوى التي تصدر بين الفينة والأخرى من أرض نجد والحجاز والتي تكفر الآخرين دون وجه حق ستقلب على أرض نجد والحجاز لتشعل فيها الحريق الذي يلتهم الأخضر واليابس , فأئمة الفتاوى التكفيرية والداعية للغزو والجهاد إنما يرتكبون أكبر الآثام لتحقيق برنامجهم الظلامي تحت يافطة الدين موظفين الآيات القرانية والأحاديث النبوية تبعاً لأهوائهم ومصالحهم والذين اغرقوا العراق في بحر من الدماء بأسم الجهاد والدفاع عن الإسلام ، وعلى مستوى الداخل – إن لم يكن هناك تحرك جدي للسلطات في إجراء التغيير كتدشين للإصلاحات التي هو شرط اميريكي وغربي لدعم النظام في السعودية– فستكون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمثابة الأداة القاصمة لظهر الدولة حين يثور الغضب الشعبي ، هذه الهيئة التي شوهت وجه الدين وجعلت من نفسها القائمة على امور المؤمنين ، وتتوهم وتوهم الآخرين بانها وكالة لله على وجه الأرض ، وما انزل الله بها من سلطان ,اضف الى ذلك ان السعودية بحاجة الى تطهير المؤسسة التربوية التعليمية وأجهزة الإعلام من رجال الدين المتطرفين الغارقين في الجمود والحائلين دون تحقق التطور وعلى جميع الأصعدة خاصة في جانب حقوق الانسان...

التنمية والعدالة الاسلامي الحاكم في تركيا العلمانية ، أكثر تعقلاً من الجار الشرقي وكذلك الجار الجنوبي لنا ، فتركيا المحكومة بالدستور العلماني البحت الذي وضعه أتاتورك والذي يحافظ عليه العسكر ، تدرك تماماً كيف تلعب الدور المحوري في المنطقة وكيف تلقي بظلال ذلك الدور على العراق ، كما ان التنمية والعدالة الاسلامي ذلك الحزب الديمقراطي المنفتح والذي يحقق تجربة رائدة يدرك تماماً خطورة التجاوز على الدستور الأتاتوركي ولو قيد شعرة، لكن تبقى المؤسسة العسكرية هي الحاكمة الفعلية وتبقى الأجهزة الأمنية هي التي بأيديها زمام الأمور ، ولن يكون من الغريب ولا من المستبعد أن تكون المؤسسة العسكرية التركية أداة للقضاء بنفسها على نفسها وعلى الدولة ، إذ لايمكن لمؤسسات عسكرية في شرقنا الأوسطي ان تعيش وتستديم دون حروب وعندما تنتهي اسباب الحروب تقوم هذه المؤسسات بألتهام نفسها بنفسها ، تركيا رغم ديمقراطيتها وعلمانيتها والتنمية الجارية فيها تغرق في وحل مشاكلها الداخلية بخاصة ما تعانيه في معالجة الوضع المزري والمعقد للغاية في جنوب شرق الأناضول المتاخمة للعراق حيث النار المستديمة للحركة المسلحة لحزب العمال الكردستاني والتي هي نتيجة طبيعية لغياب فكر الإصلاح عن ذهنية الجنرالات والقوميين الأتراك لإيجاد حل سلمي ديمقراطي للمعضلة الكردية ، الوضع شبيه بعراق الستينيات والسبعينيات ، إذ لايمكن للحركات المسلحة كالحركة الكردية أن تقف بسهولة ، هذه الحركة كفيلة بقلب الموازين في تركيا إن لم تكن هناك عملية تنمية وانعاش اقتصادي واطلاق للحريات الديمقراطية في الأناضول .

الجارة الغربية ، المنهمكة في المواجهة العريقة مع إسرائيل والخلافات التاريخية مع العراق ،والمتأزمة في علاقاتها الدولية بخاصة مع الولايات المتحدة الأميريكية ، نظام الحكم في سوريا وبسبب من وهم الحفاظ على الأمن القومي وبضغط من التيار الشوفيني الذي يحيط كالطوق بقيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد ، وبعض المنتفعين، تحولت سوريا الى مؤسسة أمنية رهيبة ، فالأمن السياسي والعسكري ينتشر في طول وعرض البلاد وحتى في الأزقة الضيقة والمنتجعات والمطاعم والنوادي والأسواق، هذه الدولة تتآكل من الداخل ، والضغط الممارس عليها دولياً يضيق الخناق عليها، ولا مجال أمام النظام الحالي في سوريا سوى الشروع في الإصلاحات السياسية واعادة النظر في الكثير من المظالم التي وقعت بحق المواطنين وابرزها حق اعادة الجنسية الى مواطنيها الكرد والذي حرموا منه بقرار عسكري مجحف لزمرة عسكرية انقلابية في اواسط الستينيات بالإضافة الى اطلاق العنان لإعلام حر ليبرالي ورفع القيود عن حرية الرأي والتعبير والالتزام بالمادة 19 من لائحة حقوق الإنسان ، لكن يبقى البديل في سوريا مرعباً إن حدث أي تغيير ، فالأخوان المسلمون يتحينون الفرص ويحلمون دائماً بكرسي السلطة ...الوضع هناك عصيب وخطير فعلاً!

هذه الجدران المحيطة بالعراق الديمقراطي والتي تخفي وراءها أنظمة حكم متهرئة من الداخل تتوزع بين ( الثيوقراطية الايرانية ،والقبلية السعودية المحكومة بسطوة أئمة الفتاوى التكفيرية ،والديمقراطية العلمانية التركية المحكومة بالمؤسسة العسكرية ، والقومية العربية المحكومة بالمنهاج والنظام الداخلي لحزب البعث والمؤسسة الأمنية في سوريا) كلها تهتز وهي آيلة للانهيار بسبب من نفاذ فعالية إسمنتها ، فهي لم ترمم منذ عقود ، وفشلت كل عمليات الترقيع واعادة صبغها بالألوان البراقة في الحفاظ على تماسكها .
أضف الى ذلك ان التجربة الديمقراطية العراقية التي تنتعش يوماً بعد يوم رغم نزيف الدم والنهر الهادر للآم والمعاناة بدأت منذ التغيير تدك قلاع الأنظمة الراديكالية المحيطة بها بإعصار تشتد قوته يوماً بعد يوم دون استخدام الاسلحة الفتاكة والجيوش الجرارة ...لكن تبقى الديمقراطية العراقية نفسها بحاجة الى الاصلاحات وهي في بداية تكونها ، وتبقى الأحزاب العراقية الدينية والقومية وحتى الليبرالية بحاجة الى مراجعة للذات ومراجعة برامجها- ان كانت هناك برامج مدنية أصلاً- ومراجعة خطابها السياسي المغلف بالوطنية لكن الغارق في بركة الصراعات المذهبية والقومية والسياسية ، بالإضافة الى حاجتنا جميعاً لإعادة قراءة تاريخنا بعقلية نقدية ، وغسل انفسنا بمساحيق الديمقراطية الحقيقية من أدران الماضي الظلامي المتخلف المؤلم ...وسيكون لنا آنذاك السبق في تحقيق ما عجزت عنه الأنظمة الأقليمية المحيطة بنا القابعة وراء جدران الجمود والتخلف والظلام التي بدأت تتصدع لتتهاوى كحتمية تاريخية.
• لم يصمد العملاق السوفيتي المستبد أمام مد الديمقراطية الجارف وثقافة حقوق الإنسان والحريات الفردية ، فانهارت قلاعه وتهاوت جدرانه وذهبت تلك الإيديولوجية التي غدت ديناً ومعتقداً أدراج الرياح.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من