الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق الأوسط والاستثناء الديمقراطي

محمد سيد رصاص

2004 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


مثّلت منطقة الشرق الأوسط استثناءً واضحاً من حيث عدم شمولها بالموجة الديموقراطية العالمية التي بدأت قبل ثلث قرن انطلاقاً من منطقة جنوب أوروبا (البرتغال واليونان: 1974، اسبانيا: 1975)، لتمتد إلى أميركا الجنوبية في الثمانينات (الأرجنتين: 1983، البرازيل: 1985، تشيلي: 1990)، وصولاً إلى آسيا الشرقية (الفليبين: 1986، كوريا الجنوبية: 1987)، وانتهاءً بالكتلة السوفياتية السابقة (1989-1991).
كانت التحولات الديموقراطية إما ناتجة عن ثورة اجتماعية على السلطة الحاكمة (البرتغال)، أو عن وجود قوى مرموقة في المجتمع أجبرت الحاكمين على التخلي عن السلطة بعد هزيمة عسكرية (اليونان+الأرجنتين) أو بعد موت الديكتاتور (اسبانيا)، أو إما عن تغير المناخ الدولي الذي كان يدفع إحدى القوتين العظيمتين إلى اعتماد أنظمة ديكتاتورية لمواجهة اضطرابات داخلية أو أخطار إقليمية (أميركا اللاتينية +آسيا الشرقية)، فيما نجد أن تضعضع أو قرب تلاشي القوة الدولية الحامية أو الراعية لأنظمة معينة (أوروبا الشرقية والوسطى) كان يدفع إلى الديموقراطية، بينما أدى انهيار أحد القطبين إلى تحقق ذلك (جمهوريات الاتحاد السوفياتي).
لم توجد أي من العوامل المذكورة في الشرق الأوسط.
أتت الديكتاتوريات، في خمسينات وستينات الشرق الأوسط، على خلفية الهزيمة العسكرية أمام دولة اسرائيل الناشئة في عام 1948 وعلى أرضية اجتماعية متمثلة في فشل الأنظمة السابقة في إقامة الإصلاح الزراعي وفي تضييق الفجوات بين الريف والبلدات الصغيرة وبين العاصمة والمدن الكبرى: أدى ذلك إلى أن يقود الريف (أو البلدات الصغيرة) عملية التحديث، بخلاف لندن 1688 وباريس 1789 وبتروغراد وموسكو 1917، فيما كانت المواجهة العسكرية مع اسرائيل والغرب مؤدية إلى تحالف مع الكتلة السوفياتية وما جلبته من أدلجة لأشكال مثل (الحزب الواحد) و(القطاع العام) لتقدم نوعاً من (المشروعية الثورية) للأنظمة، مُضافاً إلى عامل وجود الصراع العربي الإسرائيلي وما ولّده من أوضاع أتاحت للأنظمة ربط نفسها بـ (المشروعية القومية).
استفادت هذه الأنظمة من مناخ الحرب الباردة ولعب بعضها على تناقض القوتين العظميين لعويم نفسه أو لتحرير سياسات ما كانت ممكنة من دون ذلك، فيما استطاعت التكيف مع عملية انهيار نظام القطبين ونشوء (القطب الواحد) في عام 1989: بعضها، عندما نقل شراعه من الشرق إلى الغرب منذ السبعينات، قدم نوعاً من الليبرالية الاقتصادية مخلوطة بديموقراطية محدودة مع تغيرات كبرى في السياسة الخارجية دولياً وإقليمياً، وبعضها الآخر قدم تغيرات في السياسة الخارجية عقب انتهاء الحرب الباردة، في المواضيع الإقليمية الكبرى (حرب الخليج الثانية+التسوية) من دون تغييرات تذكر في الاقتصاد والسياسة على الصعيد الداخلي، بينما آخرون، مثل عسكر الجزائر بعد انقلاب 1992، قدموا سياسة تبتعد عن باريس باتجاه واشنطن ممزوجة مع ليبرالية اقتصادية وتلاقيات مع الهم الغربي تجاه ظاهرة الأصولية الإسلامية، فيما لم يستطع خاتمي والإصلاحيون الإيرانيون تحويل القوة الانتخابية، منذ عام 1997، إلى حقائق سياسية على صعيد السلطة في طهران وتكييف إيران مع الجو الدولي الجديد، في صورة معاكسة للحالات السابقة.
لم يكن العامل الدولي، في العقد الفاصل بين (مؤتمر مدريد) و (11أيلول)، مؤدياً إلى تشكيل قوة ضاغطة باتجاه الديموقراطية، بخلاف ما جرى في أميركا اللاتينية وآسيا الشرقية بعد انتهاء الخطرين الكوبي والسوفياتي، بل اكتفت الولايات المتحدة بسياسات إقليمية ملائمة من الأنظمة المعنية مع السكوت على الأوضاع الداخلية، وخاصة إثر ابتعاد واشنطن، بعد عام 1989، عن حلفها مع الإسلاميين ضد السوفيات، في ظل أوضاع داخلية كان من الواضح صعود الإسلاميين إلى مرتبة القوة الأبرز بمعظم مجتمعات المنطقة.
من جهة أخرى ، نجد أن تحول السلطة إلى رب العمل الأكبر مع (قطاع الدولة)، وخاصة عبر وجود النفط، قد جعل هناك انعداماً للتوازن الاقتصادي بين السلطة والمجتمع، وأتاح مجالاً لإنشاء قاعدة اقتصادية للاستبداد السياسي وللشمولية، والتي تمثل بشكل "ما" استقلالاً للسلطة عن المجتمع. إضافة إلى أن نشوء الرأسمالية الجديدة، التي تربت وترعرت في حضن أنظمة من هذا النوع وعبر سيطرة (السياسي) على (الاقتصادي)، لم يكن مؤدياً بها للاستقلال عن السلطة السياسية، بل أتى مرتبطاً بشكل عضوي بها، ولم يؤد، من جهة أخرى، إلى تفضيلها الليبرالية الاقتصادية، بل امتزجت العملية الاقتصادية عندها مع بقاء القمع والاستبداد السياسيين، ولم تنشأ عندها ميول إلى المنافسة والسوق الحرة، لا أمام قوى داخلية ولا خارجية، مفضلة ترك السوق مُقيّدة وغير مفتوحة، إضافة إلى من وجد من مؤيدين لبقاء (قطاع الدولة) في أنظمة من هذا النوع، والذي كان إطاراً واسعاً للفساد وسوء الإنتاجية.
لم توجد، حتى الآن في الشرق الأوسط، طبقة بورجوازية مستقلة عن السلطة السياسية اقتصادياً، ولا فئات وسطى (تجار صغار، أكاديميون، خريجو جامعات، تكنوقراط .. الخ ) تملك القوة أو المصلحة في التغيير الليبرالي، بمعنييه الاقتصادي والسياسي، وهو ما شكل القوة الاجتماعية للتحولات الديموقراطية في أوروبا الجنوبية وأميركا اللاتينية وآسيا الشرقية، فيما لم تحصل تحولات ثقافية باتجاه الفكر الديموقراطي توازي ما جرى في العقدين الماضيين من مطالبات سياسية بالديموقراطية، حيث يوجد بقايا أحزاب ومثقفون يعيشون حالة شيزوفرينيا فكرية بين الليبرالية الاقتصادية والديموقراطية السياسية، ولم يستطيعوا إيجاد قاعدة ضمن الفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في التغيير الديموقراطي (أو ملاقاتها ببرنامج اقتصادي – سياسي في حالة تبلورها ووجودها)، فيما تمتزج عندهم بقايا التفكير الستاليني أو القومي، المحمولة من التجارب السابقة، مع طروحاتهم الديموقراطية الراهنة، ولم يستطع هؤلاء أن يدركوا، حتى الآن، الآلية التي جعلت شخصاً مثل كارل ماركس يطرح برنامجاً ليبرالياً، في الاقتصاد والسياسة، ضد بسمارك ولاسال في ألمانيا 1864.
في مرحلة ( مابعد 11 أيلول) و (ما بعد بغداد)، من الواضح أن هناك مشهداً جديداً في الشرق الأوسط: هناك قوى نافذة (المحافظون الجديد) في واشنطن نجحت في إسقاط أحد الأنظمة- الأعمدة في المنطقة، وهذه القوى، التي تمتزج عندها النزعة إلى إحداث تغييرات استراتيجية كبرى لصالح ديمومة (القطب الواحد) مع نزعة تبشيرية بالديموقراطية بخلاف "الاتجاه الواقعي" في وزارة الخارجية الأميركية الذي لا يميل إلى التعامل مع النظم من خلال بنيتها بل من خلال سياساتها الإقليمية والدولية، تتجه إلى التعامل مع أنظمة المنطقة عبر اتجاه مغاير لما كان عليه بوش الأب وكلينتون.
ولكن المشكلة التي سيواجهها الأميركان في المنطقة، أنه لا يوجد (فاكلاف هافل) أو (كورازون أكينو)، بل أن البديل الأرجح لصدام حسين، إن حصلت الديمقراطية في العراق، سيكون إما (مقتدى الصدر) أو (عبد العزيز الحكيم)، وكذلك فإن السلفية الوهابية المتشددة، وربما أنصار ابن لادن، هم البديل المحتمل لآل سعود، فيما يمكن أن يكون مرشد الإخوان في هذا الموقع، وعبر صندوق الاقتراع، تجاه الرئيس المصري.
لم يقدم إسلامي معتدل إلى الحدود القصوى، مثل رجب أردوغان، تجربة مشجعة لواشنطن أثناء حربها الأخيرة على العراق، وعلى الأرجح فإنها ستقوم بإجراء القياس، على طريقة (الشافعي) تجاه الإسلاميين الآخرين، وتزن مصالحها تجاه العملية الديموقراطية في حال تركها صندوق الاقتراع متكلماً وحيداً بالعملية السياسية العراقية، أو شجعت قيام ذلك في بلدان الأنظمة الحليفة لها.
بالتأكيد، فإن واشنطن تميل إلى قول (دينغ سياوبينغ): "ليس المهم لون القطط، بل المهم أنها تأكل الفيران"، وهذا ما سيجعلها براغماتية قصوى في التعامل مع ال الديموقراطية، وعلى الأغلب فإن عدم وجود قوى موالية لواشنطن يمكن أن يجعلها (صندوق الاقتراع) متصدرة في منطقة الشرق الأوسط، وبخلاف ما هو موجود في أوروبا الشرقية والوسطى، سيؤدي بالأميركان إلى وضع تبشيريتهم الديموقراطية الراهنة جانباً وإلى طي صفحتها، أو إلى التعامل بانتقائية شديدة تجاه ذلك، أو ربما الالتجاء إلى أشكال من الديموقراطية التوافقية ذات السقوف المحدودة، مثل إنشاء (طائف عراقي) لمجتمع فسيفسائي تتحدد فيه (كوتا) لكل طائفة وإثنية من مكوناته القائمة.
من غير المحتمل أن تؤدي العوامل الداخلية في بلدان المنطقة إلى إحداث تحول ديموقراطي في المدى المنظور، وخاصة في ظل التوازنات القائمة بين المجتمعات والسلطات، حتى مع تكشف عورات النظام العربي الرسمي أمام المجتمعات العربية ووجود هوة كبيرة الحدود بين الأخيرة والأنظمة.
في ظل فقدان للعوامل الموضوعية للتغيير، كهذا، مع فقدان مشابه للعوامل الذاتية، هل من الممكن أن توجد مبادرات من قمة السلطات العربية نحو الانفتاح على مجتمعاتها، لتفادي رياح الخارج (والتي بيّنت التجربة البغدادية مدى قدرتها على النفاذ ضمن أوضاع انفصامية بين السلطة والمجتمع) ولتجنب هزات داخلية قادمة ستؤدي إليها الأوضاع غير التمثيلية من السلطات تجاه مجتمعاتها؟... هل ستتكرر أمثلة الشاذلي بن جديد في عام 1988، والملك حسين في 1989، والملك الحسن في 1990 ؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حُرم من حلمه والنتيجة صادمة ونهاية حب مأساوية بسبب الغيرة! ت


.. إيران تلغي جميع الرحلات الجوية.. هل اقتربت الضربة الإسرائيلي




.. ميقاتي لسكاي نيوز عربية: نطالب بتطبيق القرار 1701 وأتعهد بتع


.. نشرة إيجاز - مقتل شرطية إسرائيلية وإصابات في بئر السبع




.. اللواء فايز الدويري والعميد إلياس حنا يحللان المعارك الضارية