الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى أخي و صديقي الفلسطيني في المنفى د. نضال الصالح

زهير قوطرش

2010 / 1 / 19
سيرة ذاتية


رسالة إلى أخي و صديقي الفلسطيني في المنفى د. نضال الصالح
اتصلت به البارحة تلفونياً وأخبرته بعزمي على تكريمه بمقال وهو على قيد الحياة. لأنني أكره عادة تكريم المبدعين بعد وفاتهم، ولكنه ضحك ضحكة عالية، وكأنه أراد أن يقول لي الموت حق، ولكنني لست مستعجلاً عليه. وكل يوم نعيشه زيادة نكيد به قوى الشر مئة عام. الدكتور نضال من عائلة عريقة في وضعها الاجتماعي والنضالي، سامي الأصل، عربي الانتماء، فلسطيني الهوية، إسلامي الثقافة. تعرفت عليه من خلال التماثل الفكري، حيث جمعتنا الأقدار في بلد أوروبي واحد، عاصرنا فيه النظام الاشتراكي، وعاصرنا التحولات الديمقراطية وسيطرة قوى العولمة على القرار السياسي في دول أوروبا الشرقية. عاصرنا موجة الكره من خلال الإعلام الموجه ضد كل شيء عربي أو مسلم. كنا نجتمع ونحاول السباحة ضد التيار، ضد هذه الأمواج العاتية. ولم نكن نعلم أن علينا أن نبدأ بالنضال الداخلي، لإحداث حالة الوعي عند جاليتنا العربية والإسلامية التي هي مثلها مثل أية جالية في الغرب تحمل معها تناقضاتها، وتحمل مع كل أسف جهلها السياسي والفكري, وتحمل تحجرها العقائدي المميت. ومرت السنين وتبلورت مواقفنا التي فرضتها علينا الأوضاع المستجدة والمتغيرة بسرعة. وكان همنا الوحيد وشاغلنا الأول والأخير القضية المحورية لنضال أمتنا ألا وهي القضية الفلسطينية. لا نملك مالاً ولا دعماً من أحد. كل ما نملكه مخزون ثقافي وسياسي وتجربة نضالية متنوعة سياسية ونقابية. وأذكر مرة ونحن نرى قوى الشر وقد سيطرت على الإعلام وسيطرت على نشاط المجتمعات المدنية من خلال إغراقها بالأموال لتقوم بنشاطها المعادي لكل ما هو حق في قضايانا وقضايا شعوبهمز ونحن لا حول ولا قوة, وكما يقال الحاجة أم الاختراع، اتفقنا على أن نستخدم منابرهم لنشر أفكارنا ولإيصال صوتنا إلى الجماهير المتعطشة لمعرفة الحقيقة. وأعتقد أننا نجحنا نسبياً. لكن النجاح الأكثر أهمية هو تناول الأخ نضال من خلال كتبه التي تم نشرها باللغة السلوفاكية والتشيكية والعربية، والمقالات المتعددة التي تنشرها له بعض الصحف والتي عالجت أخطر القضايا التي يمكن طرحها في أوروبا وخاصة في دول أوروبا الشرقية، ألا وهي الدراسة التاريخية للمسألة اليهودية وخاصة اليهود الأوروبيين المنحدرين من أصل خزري ولا يمتون بصلة إلى اليهود ذوي الأصول السامية. وكان لكتابه الأول (لماذا يُقتل في إسرائيل، وقع قوي جداً في أوساط الفئة المثقفة في دولتي التشيك والسلوفاك، تناول فيه بجرأة أعقد الأمور الملحة في الصراع العربي الإسرائيلي، مما دعا بعض المنظمات الصهيونية العالمية ممارسة الضغط على الحكومة السلوفاكية لسحب الكتاب ومحاكمة الدكتور نضال كونه نشر كتاباً يُعتبر في عرفهم هجوماً على السامية وهو في مجمله حسب اعتقادهم عنصري التوجه. وفعلاً صدرت بحقه مذكرة توقيف أو تحقيق، لكنه آنذاك كان في زيارة أهله في مدينة نابلس حيث استشهدت أخته العزيزة على قلبه على يد قوات الاحتلال، قتلوها بدم بارد وهي في منزلها. عاد إلى سلوفاكيا، وبعد فترة من الزمن تم استدعاؤه للتحقيق من قبل السلطة الأمنية وكانت المفارقة العجيبة حيث دافع الدكتور نضال عن كتابه بشكل ذكي جداً ليخرج من التحقيق أكثر عزماً وتصميماً على متابعة الطريق. لقد حُكم عليه بالبراءة من التهم. لأن الكتاب بمجمله يحوي على شهادة اليهود أنفسهم على أنفسهم، وشهادة الأوروبيين الموثقة ضد السياسة الإسرائيلية وتفنيدهم لحقها التاريخي . لكن قوى الشر لم تستسلم إلى نتائج التحقيق، فبدأت برفع دعاوى قضائية ضده تجاوزت على زعم رئيس الجالية اليهودية في سلوفاكيا إلى ما يقارب العشرة دعاوى , وهم ينتظرون بفارغ الصبر البدء بمحاكمته والحكم عليه. والحمد لله حقق الكتاب رقماً قياسياً في المبيعات، وأحدث حالة من الوعي الوجداني عند الشعبين، مما دفع الدكتور نضال، إلى نشر كتابين على نفس المستوى، تناول فيهما أيضاً تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وتناول أيضاً نظرته النقدية للأساطير الدينية التي خلقت حالة الوهم وابتعدت بالإنسان المعاصر أينما كان عن الحقيقة ومقاصد الدين الأساسية. أبا داود أخي وصديقي في الغربة الدكتور نضال. أنظر إليه دائماً عندما يقف أمام الحضور من أهل البلد الأصلين في لقاء ما... أو محاضرة ، ليعلن بصوته الجهور (اسمي نضال بن عبد القادر ابن..... وهكذا تتسلسل الأسماء من شفتيه، يستحضرها ليصل بها إلى جذوره المغروزة في تربة فلسطين، ليقول لهم أنا الفلسطيني صاحب الحق التاريخي بأرضي. عبثاً تحاولون قطع الأغصان وقطع ساق الأشجار، فالجذور مازالت تمتد في أعماق الأرض الفلسطينية وحتى لو اُقتلعت فذرات التراب الفلسطيني سترفض أية جذور تغرس فيها كما يرفض جسم الإنسان العضو الغريب. وحتى أكون منصفاً بحق أخي الدكتور نضال، لابد لي من أن أنقل لقراء الموقع بعضاً من أفكاره. وخاصة في كتابة (الأمور التي لا تمس) من الفقرة الأخيرة من خاتمة الكتاب حيث يقول: «في الختام أتوجه إلى كل من يقرأ كتابي هذا ويحدث لديه انطباع بأنني أكره اليهود ولا أستطيع تصورهم، هو في الحقيقة مخطئ جداً. مع أنني أقر بأنه لدي مئات الأسباب لكرههم! لكن الواقع ليس كذلك:
@ اليهود سلبوني أعز ما يملك الإنسان. بيتي، ووطني، من أجل ذلك أصبحت مشرداً بدون بيت وبدون وطن.
@ سلبوني طفولتي البريئة وأحلام الأطفال وسعادة اللعب مع الأصدقاء من أطفال الحي بالكرة، أو لعبة التخفي الطفولية، حرموني متعة التسلق على أشجار حديقتنا في نابلس.
@ سرقوا مني رائحة شجر الزيتون، رائحة شجر الليمون والبرتقال تلك الشجرات التي كنت قد زرعتها أنا ووالدي في حديقة بيتنا بمدينة نابلس.
@ دمروا بيوتنا، واستولوا على أراضينا، ليبنوا بيوتاً للغرباء من يهود أوروبا ومن يهود روسيا.
@ سجنوا أختي التي لم تبلغ السادسة عشر من عمرها وسجنوا أخي الذي لم يحصل على الثانوية. وعذبوهما في السجن. وضعوا على رأس أخي كيساً من النايلون وعلقوه لساعات ورأسه إلى الأسفل وذلك في برد الشتاء القارس. ومنذ ذلك الحدث وهو يعاني من ألم نفسي أصابه، يوقظه باستمرار من نومه أنه كابوس العذاب.
@ قتلوا العشرات من أبناء أقربائي والمئات من أصدقائي بغير سبب وبدم بارد. قتلوا أختي التي تكبرني.
@ ومع ذلك ليس في قلبي حقد اتجاه اليهود، لدي الكثير من الأصدقاء منهم والذين أحترمهم، أحترم الآلاف من اليهود العلماء، والأطباء، والفنانين، والموسيقيين، والذين يساهمون بإبداعهم في اغناء الحضارة الإنسانية. وكثيراً ما أحترم وأقدر بعض اليهود من أمثال الفرد ليلنتهال، إسرائيل شاحاك، ليوفيتش، جاك بريستن، غادا غيلادي، فيكتور استروفسكي، وغيرهم الكثير الكثير الذين وبكل شجاعة وقفوا ليقولوا كلمة الحق ضد قوى الشر. والذين لم يستخدموا اليهودي العادي ليجروه إلى وحل سياستهم العنصرية. هؤلاء اليهود توصلوا إلى أن الطريق الذي يسلكه يهود اليوم العنصريون هو في النهاية خسارة وانتحار لليهود أنفسهم.
@ لقد آن الأوان أن ينظر اليهود بشكل نقدي لكل معتقداتهم القديمة والمتحجرة وأن يعيدوا تقيم إيديولوجيتهم المبنية على التطرف والشوفينية والمبنية على تدمير الآخر. وهكذا...
في الختام أتمنى لك يا أبا داود طول العمر, وغزارة العطاء.وشيئاً من آلام المفاصل التي ترافقنا وأصبحت جزءاً من وجودنا. ونحن بفارغ الصبر ننتظر الجديد والجديد، ليس فقط في محاربة قوى الشر، ولكن في تجديد الفكر الديني في عالمنا الإسلامي والأصلاح السياسي، وليس لنا خيار إما أن نكون مع الحق أو نكون مع الباطل.
ودمت يا دكتور نضال الصالح
أخوك الذي لم تلده أمك زهير قوطرش









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق على تعليق زهير قطرش
د.نضال الصالح ( 2010 / 1 / 19 - 15:57 )
لقد أثقلت علي يا صديقي وحملتني حملا لست بقادر عليه. سامحك الله.
أخوك نضال .

اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف