الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعادة الانتداب المصري

يعقوب بن افرات

2004 / 6 / 28
القضية الفلسطينية


بدل ان تعمل السلطة الفلسطينية على فضح خطة شارون الجهنمية، يدور النقاش اليوم حول "مبادرة" مصرية مزعومة، ليست الا غطاء لخطة شارون. حسب هذه الخطة سيتم تحويل قطاع غزة الى سجن كبير، يكون لمصر فيه دور مصلحة السجون وسيكون عليها مراقبة الترتيب الامني دون اكتراث بمصير الطبقة العاملة الفلسطينية.

يعقوب بن افرات

"رحّبت القيادة الفلسطينية بالمبادرة المصرية"، كان هذا عنوان صحف يوم الثلاثاء 8 حزيران (يونيو). وجاء الموقف الفلسطيني متزامنا مع زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي، سلفان شالوم، للقاهرة لإجراء مباحثات مع المصريين حول خطة شارون للانفصال عن غزة. وكان الرئيس المصري مبارك قد رحب بالخطة الاسرائيلية ووعد بدعمها سياسيا، هذا في حين لاقى شارون معارضة شديدة في حزبه منعته من عرقلت حصوله على اغلبية في الحكومة.

ورغم موافقة القيادة الفلسطينية على "المبادرة المصرية"، الا ان هذه "المبادرة" ليست سوى غطاء لخطة الانفصال الجهنمية التي ابتكرها شارون، والتي سبق للقيادة الفلسطينية ان رفضتها قطعيا غداة المؤتمر الصحفي الذي عقده بوش وشارون في البيت الأبيض في 14 نيسان (ابريل). ويأتي التدخل المصري على خلفية الضغوط الكبيرة التي تمارسها امريكا على النظام المصري للمشاركة في بناء الشرق الاوسط الجديد. الخدمة التي تسعى مصر لاسدائها للامريكان، تأتي على حساب الشعب الفلسطيني، وفق المعادلة التي تضع سلامة النظام فوق مصالح الشعوب.

موقف القيادة الفلسطينية الايجابي من المبادرة المصرية، عمّق البلبلة في صفوف الشعب الفلسطيني وتياراته السياسية. ففي قطاع غزة خرجت اللجنة الاسلامية والوطنية (بما فيها فتح) بموقف معارض تماما للمبادرة المصرية، وكان موقف حركة حماس واضحا في هذا الخصوص، علما ان جوهر المبادرة هو استعداد مصر لمساعدة السلطة في اعادة ترتيب قوات الامن الفلسطيني التي سيكون عليها حفظ الامن، او عمليا قمع المعارضة، في غزة بعد انسحاب اسرائيل منها. المشكلة ان مصر تشترط على عرفات نفس الشروط التي فشلت في فرضها امريكا واسرائيل عليه من خلال ابو مازن، وهي التنازل عن السيطرة على اجهزة الامن.

ان ما يحدث في الحقيقة هو نوع من المفاوضات بين اسرائيل والمصريين حول خطة شارون، في محاولة واضحة لتجنب السلطة الفلسطينية. فبعد ان حوّلت اسرائيل عرفات الى شخصية غير صالحة للتفاوض، وشطبت دور رئيس الحكومة الجديد، احمد قريع، اصبحت مصر المتحدثة والمفاوضة باسم الشعب الفلسطيني. ولم يعد للسلطة الفلسطينية الا ان "ترحب" بالدور المصري وابداء حسن النية تجاه اسرائيل من خلال المساهمة في انقاذ شارون من ورطته السياسية.

يأتي تدخل مصر في ظروف قدّرت انها باتت مواتية، وذلك بعد عدة محاولات فاشلة لإقناع الاطراف الفلسطينية بتقديم تنازلات جوهرية. فقد طلبت من عرفات التنازل عن السيطرة على اجهزة الامن، وبنقل صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة. ومن حماس طلبت وقف العمليات الانتحارية، للبدء بتنفيذ خريطة الطريق. وكما هو معلوم لم تثمر هذه المفاوضات عن النتيجة المرجوّة. من خلال اغتيال زعيمي حماس، الشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، ثم العملية المدمّرة في رفح، مهّدت اسرائيل الطريق امام مصر لاعادة الكرّة.

وبدل ان تعمل السلطة الفلسطينية على فضح خطة شارون الجهنمية، يدور النقاش اليوم حول "مبادرة" مصرية مزعومة، ليست الا غطاء لخطة شارون. حسب هذه الخطة سيتم تحويل قطاع غزة الى سجن كبير، يكون لمصر فيه دور مصلحة السجون وسيكون عليها مراقبة الترتيب الامني دون اكتراث بمصير الطبقة العاملة الفلسطينية، والتي بدأت تدفع الثمن الاغلى على هذه الخطة. ان اغلاق اسرائيل للمنطقة الصناعية في معبر ايرز، هو اول خطوة في مخطط تجويع الشعب وارساله لجحيم البطالة والفقر من جهة والقمع الشديد بيد القوات الاسرائيلية والفلسطينية والمصرية ايضا.



مأزق شارون

مع كل مخاطر الخطة، الا انها تبدو بعيدة جدا عن التطبيق. فبعد ان حصل شارون على الاغلبية المطلوبة في مجلس الوزراء، فقد شارون الاغلبية في البرلمان، حتى اصبح الائتلاف الحكومي مكوّنا من 59 مقعدا من اصل 120. ورغم كل وعوده بانه حتى نهاية عام 2005 لن يبقى يهودي واحد في غزة، الا ان القاعدة السياسية بدأت تتفكك، نظرا للصراعات داخل حزب الليكود نفسه. فقد اضطر شارون للتراجع عن خطته ازاء تهديدات واضحة من نتانياهو بالانشقاق. وكانت النتيجة ان اقرت الحكومة مشروع قرار مليء بالتناقضات، حسبه تمت الموافقة مبدئيا على الانفصال دون التزام بازالة المستوطنات، على ان يتم القرار بشأن ازالتها ام لا، الى آذار (مارس) 2005. وكان الهدف من التأجيل انقاذ الليكود من الانشقاق، وضمان بقاء حزب المستوطنين "المفدال" في الائتلاف الحكومي.

ولا يكمن الخلاف بين شارون ونتانياهو في مبدأ الانسحاب. فنتانياهو الذي يطمح للعودة الى رئاسة الحكومة بعد شارون، لا يستطيع تحدي ما اصبح موقفا امريكيا، من هنا يبدو موقفه غير مفهوما من ناحية المبدأ. من جهة اخرى يدرك نتانياهو ان ما يريده شارون هو استبدال الاحزاب اليمينية في الائتلاف، بحزب العمل. ولكن بينما يقيم شارون علاقات صداقة مع زعيم حزب العمل، شمعون بيرس، فان نتانياهو يعتبر شخصية مرفوضة من قبل كل احزاب اليسار، وهو بحاجة لليمين واليمين المتطرف اذا اراد تشكيل ائتلاف في حالة فوزه في الانتخابات المقبلة. لهذا السبب فانه يسعى لعرقلة مشاركة العمل في الحكومة.

ورغم اعتبار قرار الانسحاب من غزة "تاريخيا"، الا ان الحقيقة انه عقّد الوضع السياسي وأدخل اسرائيل لدوامة سياسية. فبعد ان فقد شارون الاغلبية البرلمانية، لم يبق امامه سوى الاعتماد على حزب العمل. ولكن اغلبية الليكود، كما اسلفنا، تعارض الخطة. وعلى رأس هؤلاء نتانياهو الذي يسعى اليوم لتجنب الانتقادات التي وُجّهت له من اليمين بعد موافقته على القرار الحكومي، وذلك من خلال عرقلة كل امكانية لتمريره في الكنيست.

على هذه الخلفية يتضح الدور المصري وكذلك موقف عرفات. فمصر تسعى لدعم حلف شارون-بيرس ضد نتانياهو الذي يمثّل قوى اليمين البغيض. اما عرفات الذي سعى دائما للعب دور في السياسة الاسرائيلية الداخلية دون نتيجة تذكر، فيعلّق آماله على ان تساعده مشاركته في هذه اللعبة على ان يتحرر اخيرا من سجنه في المقاطعة، والذي يبقى همّه الاساسي.

ولكن كل هذه المناورات تبقى محصورة في اطار المصلحة الاسرائيلية على حساب المصلحة الفلسطينية. فحتى لو دخل حزب العمل للحكومة، سيبقى جوهر الخطة الاسرائيلية شطب دور القيادة الفلسطينية وفرض حل مجحف على الفلسطينيين يحوّل اراضيهم الى سجن كبير.

ليس من شأن هذه الخطة وكل المساعي المرتبطة بها ان تلاقي النجاح، لانها لا تطرح حلا حقيقيا مرضيا للطرفين. انها بالعكس تماما، تكرّس الاحتلال وتعمّق الازمة والنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. مواصلة بناء الجدار الفاصل وإغلاق قطاع غزة وعزلها عن العالم، ستسبب معاناة غير محتملة للشعب الفلسطيني. في حالة من هذا النوع ستفقد السلطة الفلسطينية ما تبقى من سلطتها، مما يهدد بنشر الفوضى في المناطق المحتلة. وستؤدي محاولة اسرائيل التنصل من مسؤوليتها عن مصير المناطق الفلسطينية وسكانها، الى كارثة اكبر من الكارثة الراهنة.

ان الخلل السياسي الرئيسي الذي فكك الائتلاف الحكومي، هو عجز شارون بعد ثلاث سنوات من الحكم، عن تحقيق وعود بضمان الامن والسلام. ان عدم وجود شريك فلسطيني يطعن في مصداقية خطته الانفصالية، ويقوي ادعاءات المعارضة اليمينية التي تقول ان ازالة الاستيطان سيكون تنازلا مجانيا "للارهاب"، دون ان يكون هناك طرف فلسطيني يمكنه ضمان الامن للاسرائيليين من خلال تسوية شاملة. ومن هنا، فالاجماع الشعبي الاسرائيلي الجديد حول ضرورة الانسحاب من غزة، يفتقد الاساس السياسي اللازم للتطبيق، وذلك لانه معتمد على مخطط وهمي ومرفوض من قبل الشعب الفلسطيني الذي، باستثناء قيادته، يدرك خطورة المخطط ويرفضه بالاجماع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام