الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي بابا كان أبي

عبد العزيز محمد المعموري

2010 / 1 / 19
سيرة ذاتية



الكاتب والمعلم المتقاعد عبد العزيز محمد المعموري - ناحية العبارة - بعقوبة - محافظة ديالى
في اواخر العشرينات من القرن الماضي كان والدي في عنفوان شبابه اعزب , تتألف عائلته منه ومن اخته , ولم يكونا يملكان من حطام الدنيا سوى كوخ طين لا يحميهما من زمهرير الشتاء او من زخات المطر .. يحدثني والدي انه كان (ملا) يعلم الصبيان قراءة القرآن وكان يمارس بناء البيوت الطينية ,كل ذلك كان في النهار , اما في الليل فكانت لديه مهنة اخرى هي قطع الطرق والسطو على القرى البعيدة عن قريته , وكان من العار على الحرامي (الشريف) ان يسطو على قريته , وكان حين يخرج بمهمة (سطو) يتوجه الى ربه قائلاً : ( ربي لا تسلطني على ارملة ولا على عطاء خبز أي صاحب مضيف , ربي دلني على حارم عياله لتكون سرقته نوعاً من الانتقام الالهي !!) .
كان ابي متديناً لا يفوته موعد صلاة وكان يصوم رمضان , وياما كان سحوره الذي لا يزيد على رغيف خبز وبضع تمرات في جيبه , حتى اذا ازمن موعد السحور تناوله في طريق عودته الى داره .
وقال : ( كنا اذا وصلنا الى الدار المقصودة نرفع رؤوسنا الى السماء ونطلب من الله الستر فأصحاب الدار ليسوا اعدائنا ولكنه رزقنا وماذا نفعل ان لم نسرقه ؟ !
كان فريقنا يتألف من اربعة شبان وكنت الوحيد الذي احمل بندقية تركية , اما اصحابي فلهم عصيهم وعباءات الصوف التي تنفعنا بحمل الغنائم . كنا اقرباء تجمعنا رابطة القرابة والمهنة , يوصي احدنا على الاخر بأن لا نقسو على صاحب الدار اذا احس بنا بل تكفينا النجاة بانفسنا , وكثيراً ما كنت اقلع رصاصة الاطلاقة خشية ان تسبب قتل صاحب الدار ويكفي الصوت لأرهابه وردعه عن مطاردتنا !
وفي احدى الليالي المظلمة , كنت متكئاً على حصيرة في داري و افكر بمصيري ومصير اختي الشابة التي لم يتقدم احد لخطبتها رغم جمالها وسمو اخلاقها لأن احداً لا يملك تكاليف المهر وكان اكثر حالات الزواج تتم عن طريق المبادلة , وقد سبق لي ان أخبرت الكثير من معارفي في القرى المجاورة بأن لي اختاً اريد مبادلتها بزوجة ولكن لحـد الان لـــم تحصل ( القسمة ) .
لم يكن التفكير والتدبير ينفعان في مثل حالتنا وكانت البطالة عامة شاملة ولم تكن الزراعة ذات جدوى , فالحاصلات الزراعية لا تباع لانعدام القدرة الشرائية وانعدام وسائط النقل سوى الحمير والبغال و وكثيراً ما كانت الفواكه ترسل الى بغداد ويكون عائدها صفراً فلماذا يعمل الفلاح ؟
في تلك الليلة الظلماء التي كنت فيها متكئاً على ما يشبه الفراش وكنت غارقاً في احلام الزواج متمنياً ان يمن الله علي بمن تذهب عني وحشة الوحدة , داهمني رفاقي يتضاحكون ويهزؤون بكسلي وكيف لم افكر بمثل هذا الظلام الحلو المناسب للغزو ؟
حاولت ان اثنيهم عن مهمتهم هذه الليلة لأني لم اكن مستقراً نفسياً . ولكنهم نهروني واحتجوا بأن اضاعة هذه الفرصة خسارة لا تعوض !!
وحملت بندقيتي وشددت حزامي وتوكلت على الله .. وسرنا تلك الليلة الى قرية تبعد عن قريتنا بحوالي كيلومترين كنت انا (الجعيدة) أي قوة الحماية , وبدأ اصحابي يتعاقبون على حفر سياج الدار الطيني بآلة حديدية تسمى (المزرافة) . بعد انجاز المهمة كلف اثنان منهم بدخول الدار , واما الثالث فيظل مراقباً لهما قبالة (الزرف) لحماية الجميع !
ما ان وصل الاول أي اقرب نعجة حتى اطبقت على يديه يدا صاحب الدار الذي كان قد احس بصوت (المزرافة) وهي تنهش الجدار وصرخ بأعلى صوته : ((حرامي.. حرامي .. روحولهم)) . وافلت صاحبنا بشق الانفس من صاحب الدار وعاد وصاحبه بسرعة الطلق هاربين من صاحب الدار الذي تجمع حوله العديد من عياله وجيرانه , فما كان مني الا ان اطلقت تجاههم اكثر من اطلاقة لأهيئ لرفاقي سبيل الهرب , وبعد ان تراجع صاحب الدار وجماعتهم انسحبت من مكمني راكضاً باتجاه اصحابي , لكن أيـن هم الان من هذا الظلام البهيم ؟
بعد لحظات تجمعت القرية بكاملها تطلبنا والصراخ يتعالى : (( الحقوهم .. هؤلاء هم .. اتبعوهم الى بيوتهم لا تدعوهم يفلتون )) !!
وكنت كل بضع ثواني اعود الى المجاميع المهاجمة واطلق عليهم بضع اطلاقات , فيتراجعون او يختبئون وراء النخيل او الحيطان !
وبعد حوالى ساعة من الركض الشديد وصلت قريتي ولكن اين اصحابي ؟ لعل احدهم الان بايدي المهاجمين فماذا سأقول في النهار اذا علم الناس بأني لم استطع حماية مجموعتي ؟ ومن التي سترضى ان تتزوج الجبان الذي يفشل في حماية (الربع) ؟



ظللت حائراً افكر بهذه الكارثة التي لم احسب حسابها .. بعد دقائق سمعت فوق سطح احد رفاقي لفظاً غريباً , كان صاحبي (حسون) (الحادورة) الذي امسك بيده صاحب الدار يهدر فوق السطح بلغة غريبة (( هاش .. باش .. هام .. مام .. كوكو)) ماذا جرى له ؟ قالوا : انعم الله عليه واصبح مجذوباً .. ومنذ ذلك اليوم صار اسمه درويش حسون , وظل طيلة عمره طبيباً للقرية يوم لم يكن في القرى مستوصفات او اطباء , يكفي ان يضع يده على رأس المريض حتى يذهب الصداع , وياتون اليه بالمجانين ليقرأ عليهم كلاماً هو ليس بالكلام وانما اصوات مبهمة ومع ذلك يقولون ان درويش حسون يقرأ بالهندي .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ذكريات تحمل الكثير
حامد حمودي عباس ( 2010 / 1 / 19 - 11:08 )
نحن الان بامس الحاجة لسرد صادق لحال مجتمعاتنا ايام زمان ... سرد يفسر لنا أصول العديد مما يحاول البعض طلائه بطلاء الدين ويهبه قدسية التنزيل .. نعم هكذا هم آباؤنا .. ومن هذه الاصول نشأنا ..وهذه هي منابع ما نضعه الان غطاء للكثير من معتقداتنا الحاملة لمضامين الخرافه .. والمؤسف المبكي في آن .. هو انه لا زال من بيننا من يحمل شهادة الدكتوراه ، وهو يرطن برطانة الدرويش حسون .. بل ويعتقد بان ( ابو بريص هو المسؤول عن موت نبي الله ابراهيم ) .. ما قمت به استاذي العزيز هو ارتداد واقعي جميل للماضي .. تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة