الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب العمل يستعيد الهستدروت

اساف اديب

2004 / 6 / 29
الحركة العمالية والنقابية


وحدة حزب الهستدروت، "عام احاد"، مع حزب العمل، تشير الى تبنيه السياسة النيوليرالية للاقصاد الحر المعادية للطبقة العاملة؛ اختفاء هذا الحزب يبقي المجال مفتوحا لبناء حزب عمالي اممي، يتخذ نهجا معاكسا لنهج الهستدروت، يعتمد على الشرائح العمالية الفقيرة، يوحد بين الطبقة العاملة العربية واليهودية، ويناصر حق العمال الفلسطينيين بالتحرر.

اساف اديب

أقر مؤتمر حزب العمل يوم الخميس 20 ايار (مايو) بالاجماع الوحدة بين حزب العمل وحزب "عام احاد" (حزب الهستدروت بزعامة عمير بيرتس). واعتبرت الوحدة انتصارا لزعيم حزب العمل التاريخي شمعون بيرس، ونقطة انعطاف هامة في تاريخ الهستدروت، التي عادت لحزبها الاصلي بعد عشر سنوات من الانقلاب عليه، بقيادة حاييم رامون وعمير بيرتس في عام 1994.

انضمام حزب "عام احاد" الى كتلة العمل لا يغير كثيرا في قوة العمل البرلمانية التي بقيت صغيرة، ولكنه استرجاع حزب العمل سيطرته على جهاز الهستدروت اعتبر مكسبا هاما. فقد كان انفصال الهستدروت عن العمل عام 1994، خطوة موجهة تحديدا لاضعاف نفوذ بيرس في جهاز الحزب الذي شكلت الهستدروت احد اهم اركانه.

حزب العمل بنى نفسه منذ عهد الانتداب على جهاز الهستدروت النقابي والاجتماعي، وعلى عضوية مئات آلاف العمال فيه. لهذا السبب كان فقدان حزب العمل سيطرته على هذا الجهاز، ضربة قاضية لانه افقده قاعدته التنظيمية. الا ان المشكلة الاكبر كانت فقدان حزب العمل قاعدته الاجتماعية والشعبية في صفوف العمال. فالعمال العرب لم يكونوا ابدا متحمسين لحزب العمل، كما اتضح انه فقد نفوذه في صفوف العمال اليهود الذين توجهوا لليكود وشاس.

عودة عمير بيرتس والهستدروت الى حزب العمل، ليست علامة على قوة الطرفين، بل اشارة الى الازمة العميقة التي يعاني منها كل منهما. التراجع في نفوذ حزب العمل في الشارع الاسرائيلي تجلى بوضوح في حصوله بالانتخابات الاخيرة على 19 مقعدا فقط. المشكلة الرئيسية التي تواجه العمل، هي ازمة قيادية وصعوبة في الاجماع على رئيسه القادم. انتخاب بيرس كزعيم مؤقت للحزب كان مثابة الاعتراف بان الجيل الثاني في العمل، عاجز عن طرح مرشح مقبول.

اما بيرتس فيرى في الوحدة مع العمل فرصة لبناء رافعة سياسية للهستدروت، المستهدفة اليوم من قبل وزير المالية بنيامين نتانياهو، وكذلك ضمانة لمكانته الشخصية كمرشح لزعامة حزب العمل بعد بيرس. بانضمامه لحزب العمل يعترف بيرتس ضمنا بفشل المناورة التي بدأت عند تشكيل "الهستدروت الجديدة"، والتي انبثق عنها حزب عام احاد.

اعتبر بيرتس الوحدة بين الحزبين مثابة "اهم حدث في تاريخ دولة اسرائيل، اذ تم تأسيس حزب اشتراكي ديمقراطي حقيقي". واضاف انه "ينوي الوصول الى كل انحاء البلاد، وتحديدا الى الجمهور الذي يرى في معسكر السلام مجموعة متفوقة ومعزولة عنه، على اساس استئناف المعركة بحماسة من اجل بناء البديل". (هآرتس 21 ايار)



هروبا من نتانياهو

ولكن الحقائق بعيدة عن هذه الرؤية الحماسية. ان انضمام بيرتس الى حزب العمل ينهي المحاولة لبناء اطار نقابي مستقل عن حزب العمل. حزب العمل لا يعتبر معقلا للدفاع عن حقوق العمال او عن الخدمات الاجتماعية، اذ انه ملتزم منذ عشرين عاما ببرنامج اقتصاد السوق الحرة والخصخصة وضرب دولة الرفاه. اضافة الى ذلك، يثبت استعداد بيرس الدخول الى حكومة وحدة مع شارون استهتاره الكامل بحقوق العمال، علما ان سياسة نتانياهو الاجتماعية والاقتصادية لم تُطرح ابدا كعقبة امام امكانية تشكيل حكومة وحدة.

ويدرك بيرتس تماما ان الراعي الكبير لعودته الى حزب العمل هو بيرس الذي يسعى بشكل حثيث لتشكيل حكومة وحدة. موافقته على الوحدة في هذه الظروف، تدل على ضعفه السياسي وفشل محاولته لبناء قوة نقابية وسياسية مستقلة عن العمل. زعيم الهستدروت اعلن في خطابه انه سيعارض الانضمام للحكومة طالما تواصل الحكومة سياستها الاقتصادية والاجتماعية، لكنه يعرف تماما انه استقل القطار الذي يسافر باتجاه حكومة الوحدة.

يصرح بيرتس صبح مساء انه ممثل الشرائح الفقيرة والعمال. خلال عشر سنوات اعتمد خطابا معارضا، وشارك رامون في تشكيل قائمة جديدة عشية الانتخابات في الهستدروت عام 1994، ثم شكل حزب "عام احاد". ولكن تبين اليوم ان هذا الادعاء لا رصيد له. بيرتس يعود الى حزب العمل ليس من موقع القوة بل هروبا من الضربات المتواصلة التي الحقها نتانياهو بالهستدروت في السنة الاخيرة.

تأسيس حزب عام احاد كان المحاولة الاخيرة لانقاذ مكانة لجان العمال الكبيرة التي بدأت تشعر بانها مهددة من الخصخصة. التوجه نحو ضمان مكانة الشريحة العليا دون التفات لما يحدث لسائر العمال، تجسد في الانضمام لحكومة الوحدة برئاسة شارون عام 2001، بهدف تحقيق بعض المكاسب المباشرة لنفسها، وضمان عدم المس بمراكز قوتها، مثل صناديق التقاعد والموانئ.

نقابات العمال الفلسطينية التي اتفقت في عهد اوسلو على صيغة للتعاون مع الهستدروت، رأت كيف قطعت الهستدروت علاقتها بها، وغضت الطرف عن معاناة العمال الفلسطينيين على الحواجز. حتى المحامين الاربعة الذين التزمت الهستدروت بتمويلهم لحماية حقوق العمال الفلسطينيين امام المحاكم الاسرائيلية، اوقفوا عن عملهم بعد الانتفاضة بامر من الهستدروت.

ولكن تنازلات الهستدروت لم تشفع لها امام الازمة الاقتصادية الخانقة التي دخلت اليها اسرائيل. فقد تبنت الحكومة ابتداء من عام 2002 سياسة صارمة تجاه كل مرافق الخدمات الاجتماعية، وتوجه من خلال خطة نتانياهو ضربات للشركات الحكومية الكبيرة وصناديق التقاعد، الامر الذي شكل هجوما مباشرا على مكانة وقاعدة الهستدروت.



الهستدروت دون مصداقية

محاولة الهستدروت التصدي لهجمة نتانياهو بدت عديمة المصداقية اجتماعيا، وعديمة التأثير على مراكز صنع القرار. فقد وجد بيرتس نفسه امام لجان عمالية تبحث لنفسها عن مكان في اطار عملية الخصخصة في كل شركة وشركة.

كما اسلفنا، كانت لجان العمال الكبيرة وجهاز الهستدروت تاريخيا مركز قوة انتخابي لحزب العمل. ولكن المحاولة لتغيير طبيعة الهستدروت من خلال تشكيل الهستدروت الجديدة، لم تخلق نهضة في القاعدة العمالية التي كانت ولا تزال مهمشة تماما في الهستدروت وفي حزب العمل على حد سواء. في كل مناورات بيرتس ورامون خلال عشر سنوات بقي مركز القوة بيد جهاز الحزب، ولم يتم ابدا بناء قاعدة اجتماعية حقيقية في صفوف الشرائح العمالية.

الخبير بشؤون الهستدروت، د. ليف غرينبرغ، كتب في مقال حول انضمام عمير بيرتس الى حزب العمل ان "الهستدروت القديمة هي التي رسخت قوة اللجان العمالية الكبيرة على حساب اغلبية العمال الضعفاء غير المنظمين: عمال القوة البشرية والعمال الاجانب والعاطلين عن العمل. هذا كان مصدر الاستياء من الهستدروت الذي انتقل فيما بعد الى الهستدروت الجديدة-القديمة ولحزبها "عام احاد". عمير بيرتس لم يستطع ابدا التغلب على نشيطي الاحزاب ومجالس العمال ورؤساء لجان العمال الكبيرة الذين يسعون لتثبيت قوتهم". (هآرتس 27 ايار)

تجربة عمير بيرتس جاءت لتعبئ فراغا كبيرا يتعلق بالتمثيل السياسي للطبقة العاملة، خاصة بعد ان ترك حزب العمل العمال وتبنى السياسة النيوليرالية للاقصاد الحر، مما همّش سياسيا الشرائح العمالية الفقيرة. بانضمام حزب "عام احاد" لحزب العمل يكون قد اصبح جزءا لا يتجزأ من البرنامج المعادي للطبقة العاملة. وقد كانت لهذه الخطوة مقدمات في تأسيس الحزب نفسه الذي بنى على عناصر من الليكود والعمل معًا، وكانت على استعداد للدخول في حكومة وحدة بغض النظر من يكون في الرئاسة من احد الحزبين.

اختفاء هذا الحزب لا يعني انه لم تعد هناك حاجة لبناء حزب عمالي، بل بالعكس، يثير اختفاؤه الحاجة الماسة لبناء حزب عمالي اممي، يتخذ نهجا معاكسا لنهج الهستدروت، ويعتمد على الشرائح العمالية الفقيرة، يوحد بين الطبقة العاملة العربية واليهودية، ويتخذ موقفا صارما من النضال التحرري للعمال الفلسطينيين، ويواجه بكل القوة السياسة التي يتبناها حزب العمل والليكود معا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين تعديل نظام الكفالة وتحديات المناخ.. ما وضع العمالة الأجن


.. الرئيس السيسي يجري جولة تفقدية داخل مجمع هاير الصناعي خلال ا




.. الرئيس السيسي يشهد احتفالية عيد العمال | الخميس 2 مايو 2024


.. الرئيس السيسي يكرم عددا من النماذج العمالية المتميزة خلال اح




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الرئيس السيسي يشهد احتفالية عيد ا