الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن : البوابة الجديدة للسيطرة على الشرق الأوسط

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر؛ يعيش العالم على وقع فوضى عارمة ؛ قلبت كل الموازين؛ بحيث أصبح الجميع مستهدفا من طرف الجميع؛ لكن حضور الولايات المتحدة الأمريكية كان مسيطرا إلى أبعد الحدود؛ باعتبارها البلد المستهدف أولا؛ و ثانيا باعتبارها القوة الجديدة المتحكمة في موازين القوى في العالم .
لقد استغلت الولايات المتحدة شعار "محاربة الإرهاب" بشكل بشع للغاية؛ و خاضت تحت هذا الشعار حروبا مدمرة؛ في غياب أية تبريرات واقعية ؛ ما دام هذا الشعار أصبح حمال أوجه؛ يصلح لجميع الاستعمالات؛ و في أية مرحلة؛ و لأية أغراض ...
فقد تم تخريب حضارة العراق؛ و تمت العودة به إلى العصور الحجرية؛ تحت شعار محاربة الإرهاب؛ و تمت محاصرة الدب الروسي من كل الجهات؛ تحت نفس الشعار؛ و تم إخضاع أوربا لإرادة السيد الأمريكي؛ من منظور إما معنا أو ضدنا.
و هكذا دشنت الولايات المتحدة الأمريكية لحقبة جديدة في السياسة الدولية؛ لا سابق لها إلا مع الإمبراطوريات القديمة؛ بحيث تحقق نظام القطبية الأحادية؛ الذي سمح للولايات المتحدة بشن الحروب الاستباقية على الدول؛ أو استغلال هذه الدول لتحقيق أجندة سياسية أمريكية؛ و ذلك في تجاوز مفضوح للقرارات الأممية؛ و دائما كان شعار محاربة الإرهاب حاضرا بقوة؛ و موجها للسياسة الخارجية الأمريكية .
و في هذا السياق الدولي المتسم باللا-توازن؛ كان نصيب منطقة الشرق الأوسط من الدمار و انتهاك السيادة هو الأوفر؛ فقد دخلت المنطقة عهدا جديدا؛ يقوم على أساس (الفوضى الخلاقة)؛ بتوجيه مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية؛ و بشراكة فريدة مع الكيان الصهيوني.
لقد تم تدجين الـأنظمة السياسية في المنطقة بشكل غير مسبوق؛ حتى تحولت إلى وزارات؛ تقوم بشؤون الحكومة الأمريكية؛ و بشكل يتجاوز كفاءة الحكومة الأمريكية نفسها؛ لأن مصير النظام العراقي كان بمثابة النموذج الذي قدم لهذه الأنظمة؛ في حالة رفض تطبيق الأجندة الأمريكية في المنطقة؛ و لأنها أنظمة فاقدة للشرعية الديمقراطية داخليا؛ فقد كان الخيار هو طاعة السيد الأمريكي؛ و تطبيق جميع التعليمات؛ من دون مناقشة .
و في هذا الإطار تبدو الحالة اليمنية أكثر جلاء؛ فمنذ العملية الفاشلة الأخيرة لتفجير الطائرة الأمريكية؛ تم الترويج بشكل مبالغ؛ إلى أن الشاب النيجيري(عبد المطلب) قد تلقى تدريباته على يد تنظيم القاعدة في اليمن.
و منذ تلك اللحظة كان حضور اسم اليمن أكثر من اسم صاحب محاولة التفجير؛ و بدل أن يتم التركيز على محاكمة (عبد المطلب)؛ بعد التحقيق معه في القضية؛ و بدل أن يتم التركيز على تنظيم القاعدة؛ باعتباره تنظيما ينتشر في مجموعة من دول العالم. بدل كل هذا كان التركيز على اليمن.
و قد كان واضحا منذ البداية الاهتمام الكبير للولايات المتحدة الأمريكية بهذه الدولة؛ باعتبارها البوابة الرئيسية المحتملة لبسط السيطرة أكثر على منطقة الشرق الأوسط ؛ نظرا لمجموعة من العوامل المشجعة؛ منها ضعف الدولة اليمنية؛ و انتشار مجموعة من القوى المسلحة (الحوثيون- تنظيم القاعدة)؛ التي تزيد من تعميق هذا الضعف؛ بالإضافة إلى النزعة القبلية التي تفشل أية محاولة لبناء سلطة مركزية قوية .
و كلها عوامل لم تكن خفية عن صناع القرار الأمريكي؛ الذين يبحثون عنت بوابة جديدة؛ تكون أكثر اتساعا و أقل خطورة؛ لإحكام القبضة الحديدية على منطقة الشرق الأوسط أكثر؛ لأن جميع الأبواب التي تم تجريبها لحدود الآن لا تحقق نسبة مطمئنة من الأمان للولايات المتحدة .
فالنظام المصري الذي راهنت عليه الولايات المتحدة بشكل كبير؛ يبدو أنه يواجه معارضة داخلية متنامية؛ يمكنها أن تفشل الخطة في أية لحظة؛ خصوصا و أن مسألة خلافة مبارك تثير الكثير من الأسئلة المقلقة للنظام أولا؛ و لمن يراهن عليه ثانيا .
أما بالنسبة لدول الخليج؛ التي تعتبر القاعدة العسكرية الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة؛ فهي دول لا تبحث سوى عن الاستفادة من الحماية الأمريكية؛ و خصوصا في ظل الوجه التوسعي الجديد للدولة الفارسية في المنطقة.
أما بخصوص تركيا الحليف الاستراتيجي الأكثر قوة للولايات المتحدة؛ فيبدو أن الحراك الشعبي؛ لا يخدم التوجه الأمريكي في المنطقة؛ و الحزب الحاكم يترجم هذا الحراك في سياسته الخارجية؛ و هو لذلك غير مستعد لفقدان قاعدة انتخابية؛ تعتبر الضامن الأساسي لاستمراره في السلطة .
و إذا استثنينا هذا الثلاثي الفاعل في منطقة الشرق الأوسط ؛ في علاقة مباشرة بالأجندة الأمريكية؛ و الذي يبدو أنه غير مستعد لخدمة هذه الأجندة – على الأقل- على المديين المتوسط و البعيد؛ فإن الحضور الأمريكي يبقى مهددا من طرف الاستراتيجية الجديدة التي يبدو أنها بدأت تفرض نفسها على المنطقة بقوة؛ و هي استراتيجية تشكلت عبر السنين الأخيرة من حركات المقاومة؛ التي ربحت الرهان أكثر من مرة؛ حتى و لو اقتصر الأمر على إفشال جزئي لمخطط الشرق الأوسط الكبير؛ بالإضافة إلى الدول الداعمة لهذا التوجه المقاوم؛ سواء تعلق الأمر بسوريا و إيران أو بالمحور الأمر يكو-لاتيني الجديد الصاعد .
إن المتمعن في الخطاب السياسي الأمريكي الجديد؛ يستنتج أن صناع القرار الأمريكي على تمام الوعي بمجموع هذه التحديات المحتملة؛ التي تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة استراتيجية؛ تقوم على صراعات متعددة الاتجاهات؛ و على رأس هذه المصالح يحضر ملف الطاقة على القائمة؛ بالإضافة إلى ملف أمن إسرائيل؛ الذي أكد عليه الأبيض غير ما مرة .
و في ظل هذه الوضعية الجديدة تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في مواجهة فراغ محتمل في المنطقة؛ يهدد مجموع مصالحها؛ خصوصا و أن الأنظمة الحاكمة التي يمكنها أن تحافظ على هذه المصالح؛ تجد نفسها في مهب موجات شعبية تهددها في أية لحظة بفقدان الشرعية؛ و من ثم ضرورة التغيير (النموذج المصري) . كلها عوامل متداخلة؛ تصب جميعها في اتجاه تغيير الخطط الأمريكية المتبعة؛ و ذلك طبعا مع المحافظة على نفس الاستراتيجية المرسومة.
إن إثارة قضية التحدي الإرهابي؛ في ارتباط باليمن؛ يصب تماما في نفس الاتجاه؛ أي التفكير في اليمن كبوابة جديدة –في إطار تغيير الخطط- لتكريس البعد الاستراتيجي المرسوم؛ و هو السيطرة على مصادر الطاقة؛ و المحافظة على أمن إسرائيل (الشريك الاستراتيجي) .
و ضمن هذه الاستراتيجية ؛ يمكن مواجهة أي تحدي محتمل؛ يمكنه أن يشكل خطرا مستقبليا؛ و الإشارة هنا إلى إيران؛ التي تشكل رأس الحربة ؛ في إطار المواجهة الجديدة مع الاستراتيجية الأمريكية ؛ بالإضافة إلى سوريا و حركات المقاومة .
و في هذا السياق يعتبر اليمن (الشقي) البوابة الأكثر أمانا؛ لرجم عصافير كثيرة بحجرة واحدة؛ و حينما يتم التركيز على اليمن؛ فذلك لموقعه الاستراتيجي في المنطقة على ضفاف البحر الأحمر؛ جنوب الجزيرة العربية؛ الشيء الذي يحوله في أعين صناع القرار الأمريكي إلى قاعدة عسكرية متعددة الوظائف؛ مع القدرة الفائقة على مواجهة أية أخطار محتملة؛ و خصوصا الخطر الإيراني .
هكذا يبدو أن جميع المؤشرات تؤكد على تدخل أمريكي مباشر في اليمن؛ للاعتبارات السابقة؛ و كذلك لاعتبارات داخلية؛ ترتبط جوهريا باستعداد النظام الحاكم إلى تقديم اليمن على طابق من ذهب إلى الولايات المتحدة؛ تحت ادعاءات تافهة؛ لا تصل طبعا إلى درجة التفريط في استقلالية و سيادة الوطن .
نحن جميعا نقدر التحديات التي يواجهها اليمن؛ في ظل عجز النظام الحاكم عن معالجتها؛ لأسباب ذاتية ترتبط بالنظام ذاته؛ و أخرى موضوعية ترتبط بطبيعة التركيبة الاجتماعية لليمن (نظام القبيلة) .
لكن مجموع هذه التحديات لا تبرر استباحة الوطن و تقديمه قربانا للأمريكيين؛ لأن معالجة التحديات يمكن أن تنجح في ظل تكاثف جهود القوى السياسية داخليا؛ و ذلك يمر –بالطبع- عبر ضخ جرعات من الديمقراطية؛ تحول التعددية في البلاد إلى ثروة حقيقية و مصدر للتنمية .
و حينما نتحدث عن الديمقراطية كحل بديل للصراعات القائمة؛ فإننا نؤكد على الخروج عن النظام المركزي المنغلق؛ الذي لا يعكس التعددية القائمة في اليمن . و عدم تحقق الديمقراطية هو الذي يمكنه أن يحول هذه التعددية إلى وقود؛ يهدد باشتعال اليمن في أي حين.
نقول هذا و نحن نعلم علم اليقين –للأسف- أن استباحة الوطن من الخارج بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية الحاكمة؛ أهون بكثير من تحقق الديمقراطية؛ و هذه حالة مرضية؛ لا يمكن مقاربتها إلا من منظور علم النفس .
و النظام اليمني لا يشكل استثناء في هذا الإطار؛ فهو مستعد لتقديم اليمن كله رهينة للأمريكيين؛ و هذا أهون عليه من إشاعة أجواء الديمقراطية و الحرية داخليا. لأن التفريط في سيادة الوطن دائما تقابله استمرارية النظام الحاكم؛ و لو بشكل صوري فاقد للسيادة. و هذه قصة أخرى ...













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين


.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال




.. بعد فشل الوساطات.. استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل| #غ


.. المراكب تصبح وسيلة تنقل السكان في مناطق واسعة بالهند جراء ال




.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه