الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرضاوي عالم دين ام رجل سياسة؟

مهند عبد الحميد

2010 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



العامل الديني في فلسطين له دور أكثر حساسية وأهمية من أي مكان آخر، فهذا البلد له تاريخ عريق في التعدد والتعايش الديني الطوعي وكان يقدم كنموذج ايجابي وبنّاء في الـمنطقة. ويمكن القول إن وحدة الشعب الفلسطيني التاريخية والـمميزة ارتكزت إلى تعدد ديني وتعدد سياسي وثقافي. كانت الحركة السياسية الـمتعددة الـمشارب والـمواقف تختلف وتحل خلافاتها بأساليب ديمقراطية حقاً. وكانت الـمؤسسة الدينية تتدخل ايجابا بما يعزز الوحدة والتضامن وبما يحول الخلاف إلى قضية ثانوية. فلـم يكن مصادفة ان يكون مفتي فلسطين هو رئيس الحركة الوطنية. ولـم يكن مصادفة ان اكبر تنظيمين في الثورة بعد فتح (الجبهتان الشعبية والديمقراطية) كانا بقيادة زعماء ينتمون للديانة الـمسيحية، ويحظيان بثقة وبشعبية كبيرتين. مرات قليلة طغى فيها الخلاف الداخلي على الصراع مع الانتداب والتغلغل الاستيطاني، فكانت التصفيات العشوائية الـمبنية على فتوى مرتجلة (غير رسمية) "للخيانة أو الوطنية" أدت هذه الفتاوى إلى إضعاف الصمود والتماسك الوطني، وساهم هذا الوضع الناشز بشكل أو بآخر في مفاقمة النكبة التي حلت بالشعب.
تعلـمنا أن التدخل الديني كان في معظم الاحيان وطوال الـمراحل السابقة يعزز الوحدة والصمود والتماسك الوطني ويحافظ على النسيج الـمجتمعي قوياً في مواجهة الانتداب والاحتلال والاخطار الخارجية. وقد جسد العامل الديني طابعاً سلـمياً متسامحاً في صفوف الشعب، وكان محفزاً للنضال الوطني ضد الـمعتدين في الخارج. لـم يُخَوِّنْ رجال الدين أحداّ إلا كاستثناء، ولـم يُكفروا أحدا. تجربة الشيخ عز الدين القسام كانت نموذجاً استلهمه متدينون وعلـمانيون ويساريون على حد سواء. اليساريون كانوا أول من استعاد الشيخ عز الدين القسام وقدموا العناصر الـمضيئة في تجربته. وعندما امتنع الإخوان الـمسلـمون عن الـمشاركة في مقاومة الاحتلال خلال عشرين عاماً، لـم يُخَوّنوا ولـم يُبتزوا من الثورة. بل حاولت التنظيمات والقيادة احتضانهم وجذبهم للـمقاومة ودعمهم بمختلف الأشكال رغم خطابهم الاستفزازي.

فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي في الشأن الفلسطيني اخرجتنا ويا للاسف الشديد عن الـمألوف، وكانت نتيجتها انقساماً في الرأي عزز الانقسام في الواقع. كنا نحتاج إلى عكس ذلك في مثل هذا الوقت العصيب. يعلـم الجميع أن الشيخ القرضاوي شخصية عامةً ومؤثرةً، فهو رئيس اتحاد العلـماء الـمسلـمين، وقد تحول من خلال فضائية الجزيرة إلى سلطة دينية ناطقة باسم الإسلام السياسي (مدرسة الإخوان الـمسلـمين)، وتربطه علاقة وثيقة مع دول وحكومات عربية في مقدمتها دولة قطر يقدم لها الفتاوى السياسية والاجتماعية. لكنه يتوجه الآن بفتاويه للتأثير في الكتلة الأكبر من الشعوب العربية، توطئة لتعميم السلطات الدينية (الإسلام السياسي) في عموم الـمنطقة.
إفتاءات الشيخ القرضاوي في الشأن الفلسطيني منسجمة مع تمثيله السياسي. هذا الافتاء اغضب الاتجاه الاكبر، وعلى الاقل إذا أردنا التوقف عند لحظة الانتخابات قبل اربع سنوات، فإنه يكون قد أغضب نصف الـمنتخبين الفلسطينيين. وذلك عندما قال: "إن رئيس السلطة يستحق الرجم في مكة إذا أيد حرب الصهاينة على غزة، ووافق على تأجيل تقرير غولدستون". لقد خلط الشيخ بين تهمة خطيرة تستدعي الـمساءلة والـمحاسبة والحكم وبين إصدار حكم بناء على تهمة مصدرها اتجاه سياسي (حماس) ينتمي إليه او يؤيده الشيخ في مجمل مواقفه. او كما قال وحيد عبد الـمجيد: "اندفع الشيخ في اتجاه الـمزيد من تديين السياسة وتسييس الدين وتكريس الـميل إلى إحلال الفتوى محل الرأي أو الـموقف في القضايا العامة". وهذا يطرح سؤالا من نوع هل وظيفة الافتاء الديني هي دعم مواقف سياسية معينة لاتجاه معين ؟ والدخول في حرب طاحنة مع اتجاه آخر؟
اثناء أحداث غزة الدامية، والتي سحقت فيها حركة حماس جماعة سلفية مسلحة (تنظيم أنصار الله)، جاءت فتوى الشيخ القرضاوي: (حماس معها الحق لأنها حاولت أن تثني (جند أنصار الله) عن مقاتلة إخوانهم، لكنهم رفضوا، فاضطرت حماس لاستخدام القوة". لـم يعترض على اسلوب الحسم العسكري ولا على الدماء التي اهرقت ولا على قصف مسجد ابن تيمية بقذائف الهاون... وانتهاكات عديدة أخرى وثقتها منظمات حقوق الانسان. لا يمكن النظر إلى هذا الافتاء إلا كموقف سياسي منحاز إلى طرف ضد آخر. وطالـما ان الافتاء الديني محكوم بالخلفية السياسية فمن الـمنطقي ان تضيق قاعدته اكثر فأكثر حتى في إطار الإسلام السياسي.
ومن أهم الفتاوى التي قدمها مؤخرا الشيخ القرضاوي تحريمه الجدار الذي تقيمه مصر على حدود قطاع غزة، قال: "ان مواصلة بناء الجدار عمل محرّم شرعاً ومخالف لأواصر الأخوة والجوار"، وطالب السلطات الـمصرية بأن تنأى بنفسها عن هذا العمل الـمحرّم شرعاً". هذا الـموقف دفع مؤسسة الازهر لتقديم فتوى نقيضة ادت إلى احتدام الخلاف الديني بين تحريم وتحليل، والاخطر من ذلك قادت الفتوى إلى تأجيج الخلاف بين حماس ومن يؤيدها في صفوف الشعب الفلسطيني وبين مصر. وجرى تحويل قضية الحصار ومسؤولية دولة الاحتلال عن الدمار والـموت والتجويع، إلى قضية خلاف مصري فلسطيني تضعف الشعب الفلسطيني.
وللشيخ القرضاوي فتاوى عديدة، كانت محل اختلاف في صفوف الـمسلـمين. كالفتوى الرافضة للاحتفالات بأعياد الـميلاد في العواصم العربية والإسلامية معتبراً إياها "حرام وعيب". علـما ان الذين يقومون بالاحتفالات هم مواطنون يعتنقون الديانة الـمسيحية، ويشاركهم في هذه الاعياد الـمسلـمون تضامنا واحتراما وتجسيدا للوحدة الوطنية، بمثل ما يشارك الـمسيحيون اخوانهم الـمسلـمون في أعيادهم وبمثل ما يحتفل الـمسلـمون بأعيادهم الإسلامية في باريس ولندن ونيويورك وغيرها. فلسطين برمتها تحتفل بعيد الـميلاد مع الـمواطنين الـمسيحيين الفلسطينيين. فهل هذا حرام وعيب؟؟
والحديث عن خطر شيعي ايراني حقيقي يتهدد مصر "فتوى أجج بها الشيخ القرضاوي الـمذهبية في طول وعرض الـمنطقة" واعاد إلى الاذهان وجود "فرقة ناجية ووقوع كل الفرق الأخرى في البدع والضلالات".
مواقف القرضاوي التي دمجت الفتوى بالرأي، جعلته عرضة للنقاش والاعتراض، وحولته من عالـم دين روحي متسام إلى رجل سياسي له مواقف متناقضة وربما مزدوجة. فهو لا يستطيع الافتاء ضد القواعد العسكرية التي ينطلق منها العدوان ضد شعوب عربية وإسلامية. ولا يستطيع الافتاء ضد تحميل رأس الـمال العربي أعباء الكارثة الاقتصادية الدولية. ولا تحريم استقبال دول عربية لـمتهمين بارتكاب جرائم حرب ومطلوبين للعدالة، لا يقدم فتاوى تطالب بتحريم فتح مكاتب تمثيل وسفارات وتبادل تجاري مع دولة محتلة. إن هذه الـمواقف تضع علامة سؤال حول السياسة الوسطية الـمعتدلة البعيدة عن التطرف والغلو واللا تسامح التي ينتمي إليها الشيخ القرضاوي من جهة، وتضع علامة سؤال حول انحيازه لـمقاومة الشعوب من جهة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القرضاوي رجل الارهاب
عصام ( 2010 / 1 / 20 - 10:49 )
القرضاوي ليس رجل دين وانما رجل يمارس الارهاب من خلال منبر
الجزيرة ( قناة ابن لادن والظواهري ) التي تشتريه بالاموال ويحرض
الشباب على الارهاب ويفتي في امور تننمي للتعصب والتطرف ويساهم في
التخلف


2 - الوسطية
زهير قوطرش ( 2010 / 1 / 20 - 11:58 )
الأخ عبد المجيد.
أشكرك عل هذه المقالة . التي تضع اليد على الجرح ,وأقصد أن الجرح الأكبر في عالمنا الإسلامي ,هو أن الذين يدعون الوسطية ,هم أكثر العلماء المحرضين على فرقة الأمة.الشيء الغريب في تعاملهم مع القضايا السياسية ,كونهم يعتبرون من معهم ووالاهم هم حصراً من المسلمين.أما مثلاً فتح وتنظيماتها وقياداتها فهم من الكافرين ويحق عليهم بعد فترة إن تمكنوا من إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة في غزة مطالبتهم بدفع الجزية... وسوف يفتي بذلك الوسطيون. مشكلتنا يا أخي في جهل الأمة.


3 - شيخ الارهاب
عصام ( 2010 / 1 / 20 - 12:42 )
يتزايد إيمانى يوماً بعد يوم بأن المسلمين لا يعرفون معنى كلمة
إنسان ولا قيمة الحياة الإنسانية ، لأن الغضب والتكفير والقتل هى من
بديهيات القاموس الشرعى ضد غير المسلمين ، وما نراه يحدث فى العراق إلا
خير دليل على عقلية وعقيدة كل المسلمين فى بلاد العرب والإسلام الساكتون
عن قول الحق فيما ترتكبه الجماعات الإسلامية المختلفة فى العراق ضد غير
المسلمين- متى أرى ردود فعل حقيقية من مسلمين عاديين يرفضون تلك الجرائم
وخطب الكراهية والعنصرية الدينية ؟
متى يسمع المسلمين أصوات المحبة أكثر من أصوات الكراهية ؟


4 - متقمصاً دور رب العباد لخراب بيوت العباد
الاردن ( 2010 / 1 / 20 - 12:46 )
القرضاوي متقمصاً دور رب العباد لخراب بيوت العباد
لنكن واقعيين ولا نلهث خلف الشعارات والأحلام ، وتحدى ومواجهة الغرب الذي
يفوقنا بمئات المرات بكل شئ علماً واقتصاداً وعدةً وعتاداً ، واننا
ألعوبة ساذجة بين بيادق العولمة العالمية وغرقى التبعية في كل شئ وحتى في
رغيف خبزنا .. إلا إذا كنا نفضل الانتحار ومن أجل فتوى لشخص واحد ،
الذي تناسي مبدأ التقية في مجال السياسة من أجل صالح الإسلام والمسلمين


5 - بحثت كثيرا
سارة ( 2010 / 1 / 20 - 12:56 )
نعم بحثت كثيرا ان كان لهؤلاء الذين يسمونهم علماء اي فائدة فلم اجد شيئ
بل بالعكس هم يضروننا
من منا قد استفاد من علم القرضاوي طيلة حياته
انا مسلمة ومعتدلة ومسالمة والحمد لله وهذا طبعي الذي نشات فوجدت نفسي
عليه ولم يزدني علماء الاسلام اي شيئ فهل هناك احد من الاخوة يستفاد في حياته
اليومية من عمل هؤلاء العلماء انا كل الفوائد تاتيني من علماء الكفار حسب تسمية
مشايخنا لهم
سوف يكون اسعد ايام حياتي يوم ينتهي زمن الشيوخ
قال علماء قال حتى انا عالمة

اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا