الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.. أبهذا يُصار إلى التطبيع الثقافي؟

ماجد الشيخ

2010 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


ما يثار بين فترة وأخرى بشأن الترجمة إلى العبرية، وما تثيره من سجالات متجددة على امتداد الوطن العربي، يؤشر إلى إمكانية فتح معارك جديدة، في ملف التطبيع الثقافي، الذي لا يبدو أنه سينتهي إلى تفهم وتفاهم كاملين تجاهه، طالما أن ملف الصراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، مُشرع على احتمالات في المستقبل، لا تقدم أي مبرر لتقدم التطبيع الثقافي المزعوم أو الموهوم، كلما ترجم كتاب من العربية إلى العبرية أو بالعكس. فمهما بلغت أحجام هذه العملية أو أوزانها، فهي ليست قادرة على إيصال أحد إلى العالمية؛ لا كاتب ولا كتاب، ولا حتى اللغة العبرية ذاتها، فهي أعجز من بلوغ سقف الحوار أو التجادل الحر بين طرفي صراع، لا يمكن محوه عبر ما يسمى "التطبيع الثقافي".

أن يقرأنا العدو بلغته، هذا لا يعني أننا تطبيعيون، أو نؤيد التطبيع، ولا يعني أننا نخون وطنيتنا، تماما كما لو أننا نقرأ العدو بلغتنا. وعمليا نحن يوميا نترجم ونقرأ صحافة العدو، وماذا يكتب كتّابها، وكيف يعبّرون عن القضايا المطروحة تلك التي تهمّهم كما تهمّنا، فهل هذا يُعد تطبيعا أو خيانة لقضايانا الوطنية؟

وفق هذا المنطق.. فلنغلق على أنفسنا، فلا نقرأ العدو وما يكتب عنا، فيما هو يداوم بل يُدمن على قراءتنا، ويحلّل كل مفاصل ما "يربطه" بنا وبقضايانا؛ تلك الناتجة من وجوده الاستيطاني/الاستعماري فوق الأرض الفلسطينية والعربية. وماذا يضيرنا لو قرأنا العدو بلغته، أو قرأنا نحن العدو بلغتنا؟ أيُعدّ هذا تطبيعا مثلا؟ أو خيانة من جانبنا لقضايانا الوطنية، وهل يخون العدو "وطنيته" إذا ما قرأنا بلغتنا؟؟.

أسئلة من السهل الإجابة عنها، ولكن لدى بعض مثقفينا وسياسيينا أمست، كما ستغدو الإجابة عنها؛ تنحو نحو ما هو أكثر من التعقيد والتقعيد الأيديولوجي، وكأن الجهل بالعدو أحفظ لنا ولوطنيتنا ولقضايانا، في وقت يبلغ "علم" و "معرفة" العدو بنا أعلى الذرى المتاحة، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟

هي معركة دونكيشوتية تلك التي يثيرها البعض، كلما تُرجم كتاب عربي إلى اللغة العبرية، أو كلما تُرجم كتاب عبري إلى اللغة العربية، سياسيا أو أدبيا أو في ما يخص إستراتيجيته الأمنية.. الأمر سيان، أم أن هشاشة "الوطنية" الفلسطينية أو العربية على اختلافها، بالغة اليوم ذروة جديدة من ذرى الوقوع في حبائل العدو، ولغته تلك التي كانت في بعض لهجاتها لغة أجدادنا يوما، قبل أن تتبنى النطق بها تلك القبائل المترحّلة التي عبرت فلسطين يوما، ولم تُقم فيها ردحا طويلا من الزمن، إلاّ إذا كنا سنتبنى تلك المرويات الأسطورية الدينية التي دخلت أطوارا عميقة من تصديقها ومصادقتها لتبنّي مرويات الخرافة التوراتية والتلمودية، حيث يجري إغراقنا بها وبلغتنا نحن – العربية – وليس بتلك اللغة القديمة. وهنا كذلك هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟.

لهذا قلنا ونقول.. أنه في عصرنا هذا وتقنياته المتاحة، وإن لم يعد من سبيل يمكنه منع ترجمة آدابنا العربية إلى أي لغة أخرى من لغات العالم، فإنه لا سبيل كذلك لمنع ترجمة آداب العدو إلى لغتنا أو أي لغة أخرى. ذلك "التجادل اللغوي" المجازي عبر الترجمة، وإن كان لا يعني، ولا يمكنه أن يعني إقامة حوار مباشر أو غير مباشر بين طرفين، لا يريد أحدهما أن يتواصل مع عدوه – حواريا – فهل يعدّ هذا تطبيعا؟ وما معنى التطبيع إذا لم يكن تواصلا بين طرفين وبطريقة مباشرة؟ وترجمتنا نحن للغة العدو، كما ترجمة العدو لنا هي بمثابة عملية تجادلية مجازيا خارج نطاق الحوار المباشر، أو الاعتراف بالعدو، وبما له عندنا، أو إنكار ما لنا عنده، وهذا ليس تطبيعا، ولا هو يمكن مقاربته بأي من أنواع التطبيع المعتمدة، لدى بعض المرجفين الذين يتملّكهم على الدوام هاجس "الاقتراب" من العدو، حتى يمكن فهمه علميا وواقعيا، وعلى أساس هذا الفهم يمكن إقامة إدارة صراع ناجع معه، بدلا من جهل وتجاهل العدو وقدراته الدائمة على فهمنا، وبناء منظوماته الصراعية معنا، ومن ضمنها منظومة إدارة الصراع التي تمتلك أولوية ومقومات دائمة، فيما نحن وضمن أولوياتنا لا وجود للفهم أو للوعي المواكب لإدارتنا للصراع، في ظل ذاك "الفهم" أو "الوعي" الأزلي الذي لا يتغير ولا يتبدل، مهما تبدّلت معطيات الصراع مع العدو، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟.

بين البساطة والتعقيد، لا ينبغي لنا الوقوع في أحابيل سياسة اللا سياسة ، أو في براثن بعض المثقفين الذين يقاربون كل شئ من زاوية سياسوية ضيقة، فلا هم مع الصراع ولا مع إدارته، بل هم ضد التطبيع كـ "سلاح ثقافي" لا يجيدون استخدامه إلاّ في مواجهة ترجمة كتاب من العربية إلى العبرية أو بالعكس، بغض النظر عن المدلولات والمآلات المنطقية التثاقفية التي يقوم عبؤها على عاتق مجموعة من مثقفين يهود من أصول عربية عراقية، دافعهم إلى تلك العملية أبعد ما يكون عن مفاهيم التطبيع – العروبية – التي تقطع وتجزم أن التطبيع هو المعادل الموضوعي والذاتي للابتعاد بالصراع من الوصول إلى "سلام دائم"، وهم أول العارفين – إذا أرادوا المعرفة – أن الأرض واستعادتها وعودة أصحابها إليها، هي المحدد الأول للوصول إلى مثل هذا السلام – التسوية، وليس مسألة ترجمة كتاب من هنا أو من هناك.

يكفي عبثا بقضايا شعوبنا العربية، وكفى تحميل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، أعباء العجز والتواطؤ العربي الرسمي وغير الرسمي، فلا.. لن يستوي الذين يعرفون، والذين يهرّفون بما لا يعرفون؛ إن إدارة الصراع أهم كثيرا من بعض جوانب شكلانية، تؤخر ولا تقدم للصراع إلا أعباء إضافية، فالعبرية ليست لغة عالمية ولن تكون، وبالتالي فهي لا تستطيع إيصال كاتب ما إلى العالمية، مهما بلغ شأنه وعلو كعبه بين أقرانه أو غيرهم من أجيال المثقفين العرب، هذه لغة ليس في مقدورها منافسة اللغات الأخرى – والعربية من بينها – طالما هي قاصرة عن كونها لغة حوار وتجادل مع الآخر – العدو والمغاير، فعلام الخوف منها؟ وماذا في شأن التطبيع السياسي؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق تركي ينجح في صناعة طائرات مسيرة لأغراض مدنية | #مراسلو_


.. انتخابات الرئاسة الأميركية..في انتظار مناظرة بايدن وترامب ال




.. المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يزور إسرائيل لتجنب التصعيد مع


.. صاروخ استطلاع يستهدف مدنيين في رفح




.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن الحرب في قطاع غزة؟