الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم عندما القصيدة نثرا / 28

عبد العظيم فنجان

2010 / 1 / 20
الادب والفن


كان آدم تحت الشجرة يبحثُ عن معناه ، وكانت حواء تحت الكلمة تجمعُ حطبا ، وهما من العزلةِ بحيث انتظر الشاعرُ أن يولدَ ، قبل أن يخنقَ العلنُ براءة سرّهما ، لئلا يتعلم الفمُ كيف ينطقُ : آه ، فيولدُ مكتظا بالدموع وبالرغبة ، لكن ما حصل هو هذا : الرجلُ يدخلُ في الكلمة حيث العذراءُ تبحثُ عن نفسها ، والعذراءُ تدخلُ في الشجرة حيث الرجلُ يجمعُ حطبا ، ثم يختلطان في كون من الرعشة ، فلا تميـّزُ الغبطة ُمسامَ بعضيهما ، وهي تفورُ كنافورة من براعم ودهشة ، فالرجلُ حلّ بمائه وهشاشته في العذراء ، والعذراءُ حلتْ بخصوبتها وقوّتها في الرجل ، وبقي الشاعرُ كما هو : رغبة مكبوتة ، تسبحُ في أصلاب أزمنة لم يُعلن عن تقاويمِـها بعد .

عندما سمع بنفيهما الى خارج الجنة ، كان الشاعرُ لا يزال نطفة في ظهر رجل يطاردُ عذراء أخرى ، هائمة على وجهها في العالم . بَيدَ أنَّ ذلك لم يمنع أن يحفرَ نفقا في حصار الاسطورة ، فيهزَّ شجرة المخيلة ، بغية أن يستقبلهما في جنائن الشِعر ، حيث البراءة تشعُّ ، ناصعة ، من داخل الكائن ، لكن الشجرة لم تتحرك ، فالشتاء مقفرٌ جدا ، حتى أن الأفكارَ، في عروق الكلمات ، قد تجمّدتْ من شدة البرد .

الشاعرُعليلٌ مصابٌ بأمراض الهواء ، وبالشمس الجميلة. في قصائده مزارٌ تؤمه عذراء نافرة ، يلاحقها رجلٌ كلما فكـَّر أنه أبوه ، خرج وقتله : لم يهزّ شجرة الخطيئة إلا تقرّبا من البُعد : تنصلا عن العلة ، ونكاية بالمعلول ، ولم يرتكب جريمة الشِعر إلا لأنه توّاقٌ إلى مرارته الخاصة ، حيث الحَجرُ من سلالة النبع ، والنبعُ جوهرُ العطش .

طالما شعرَ أن حنظلَ الخيال فائقُ الحلاوة ، فقاد نفسه ضد نفسه . نفضَ عن أكتافه غبارَ النجوم ، ورضي بشمعة ضئيلة في زاوية مقهى ، أو بمنفضة سجائر في ركن حانة ، حتى نال شرفَ الخيانة العظمى ، منتظرا اعدامه ، شنقا ، بحبل الاضطراب .

في الطوفان لم يعتصم بجبل ، إنما تآخى مع الغرق : في القعر ، لبث ينحتُ من طين المأزق كهيئة الملاك : نفخ فيه من روحه ، ثم صعد مع أنفاسه الى السطح ، وجيوبه ملأى بأراض جديدة ، فيما الشيطانُ ، مثل مغفل ، يلوّح له بأوطان ، ابتكرها قبل أن يحترفَ الغواية.

ها هو أمام محنة نبيلة :

آدم وحواء في المتاهة ، وما من دليل إلا القصيدة ، وهي نائمةٌ في شجرة المخيلة ، مثل أفعى كسولة ، ملتفة حول الأغصان ، تأبى النزول ، كما أن الحجر الذي رماه نحوها تحوّل ، في الطريق ، إلى فراشة ، ظلتْ تحومُ حول رأسه مدة طويلة .

نار ،
أم فانوس ،
هناك ؟

لم يتركَ السؤال معلقا مثل محكوم بالشنق ، إمعانا بعذابه يتـأجل تنفيذ الحكم به ، بين مرة ومرة ، ذلك مما دفعه إلى أن يفكُّ الحبلَ من حول عنق الرجل ، ثم يطلقُ سراحه ، متأهبا لاستقبال ابتسامته ، وهي تلتفّ ، مثل وسام ، حول عنقه .

الفراشة تحومُ حول رأسه ، و رأسه ملوية ٌمن الأحلام والضباب ، تتقاذفه العواصفُ ، من عاصفة إلى عاصفة ، حتى يصل ، أخيرا ، الى مشارف هذه الورقة ، فترتجفُ شجرة ُالمخيلة ، وينقشعُ الضبابُ عن آدم وحواء ، يهبطان متعانقين ، على ريشة الصدفة ، ومن وسطهما يمرّ الخيط ُ السري ، الذي يعرفُ الطريق إلى القصيدة .

إحدى يديه ترسمُ لهما تفاحة .
يده الثانية تمسحُ التفاحة .

ـ هل ينبغي للشاعر أن يكون بلا يدين ؟!

يرفعُ يديه ، ملوّحا لهما بالابتعاد ، فيبتسمان ، تاركا ليد الكتابة حرية أن تشعلهما دموعا ، ورغبة .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان