الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الحسين جليل ..أين أنت الآن ؟

عبد العزيز محمد المعموري

2010 / 1 / 21
سيرة ذاتية


عبد الحسين جليل .. اين انت الان ؟
الكاتب والمعلم المتقاعد عبد العزيز محمد المعموري - ناحية العبارة -بعقوبة - محافظة ديالى
سنة 1946 كما اتذكر عندما كنت طالباً في الصف الثاني من دار المعلمين الريفية في بعقوبةجاءنا طالب من اهالي الخالص يسمى ( عبد الحسين جليل ) واستنكافاً من العبودية سمي ( حسين جليل ) .
وكان طويل القامة ابيض البشرة , بشعر سبط يميل الى الشقرة , حيــن يمشي تحسبه ( المانياً ) لاعتدال قامته وارتفاع هامته وطغيان ملامح الكبرياء في تعابير وجهه , لا يتكلم الا قليلاً , ولا يتبسط مع احد في الحديث .
تعرفت عليه اثر حادث طريف , كنت وقتها ابرز طالب في اللغة العربية , وكان موضوع الانشاء الذي اكتبه يعجب مدرس اللغة آنذاك – المرحوم مجيد دمعة , وكان يقرا ما اكتبه على طلاب الشعب الاخرى , ويحثهم على الاقتداء بأسلوبي في الكتابة , ويشجعني قائلاً : ستكون اديباً كبيراً في المستقبل !
وحاولت ان اكون شاعراً ايضاً , فنظمت كلاماً موزوناً ومقفى , ولكنه لم يرقى الى مرتبة الشعر , وعلقت قصيدتي على لوحة خاصة بالنتاج الادبي ... وانا اشعر بالسعادة والفرح لمـا خطته اناملي , لكني فوجئـت بذلك الفتى الاشقر الطويل القـادم من بلدة ( الخالص ) وهو يقف قبالة اللوحة ويقرأ ما كتبته , ويخرج قلمه من جيبه ويخط بجانب قصيدتي : ( هذا شعير وليس شعراً !! ) , فغضبت منه وسألته ان كان يستطيع ان يكتب مثلها , فأجابني : سأريك شعري , واخرج من جيبه قصيدة علقها بجانب قصيدتي , وحين قرأتها شعرت بأن ما اقرأ هو شعر حقيقي يقرب من ادب المهجر , فهل يعقل ان يكون هذا الفتى بهذا النضج والعبقرية ؟
نعم لقد كان شاعراً كبيرا وخطيباً مفوهاً , وكان الى جوار ذلك ناشطاً في العمل السياسي , يقود المظاهرات ويرتجل الخطب الحماسية التي تلهب مشاعر المتظاهرين بطلاقة ومرونة وكأنه يغرف من بحر .
وكان اضافة الى ذلك رساماً عبقرياً , ورياضياً بارعاً , حيث يمارس كرة القدم والسلة والطائرة , اضافة الى انه الاول في صفه بمختلف الدروس .
وماذا بعد ؟ لقد تبين انه كان مناضلاً لايشق له غبار ، وهو مسؤول عن تنظيم الطلبة في المعهد فهو المناضل الذي لايعرف الخوف ابداً ، مما ادى به الى السجن وترك الدراسة .
رأيته آخر مرة سنة 1957 في بغداد ، حيث كان يعمل كاتب حسابات لاحد التجار ، وبعد ان اذهلتني المفاجأة سألته : اين انت يا أخي الان ؟ انت الذي كنت اتنبأ له بان يكون ( طاغور العرب ) واعظم شاعر عربي بلا ( حس او نفس ) اجابني ببردوه المعتاد وكبريائه القديم : لم امت ولكني توجهت الى كتابة القصة ونقد المعارض الفنية وقد سألت عنه اكثر من زملائنا الطلبة آنذاك ، فقالوا لي : لقد انهكه السجن ولم يعد يفكر بغير نفسه ، وقد طلق كل شيء ، اهكذا تكون النهاية ياحسين جليل؟ وماذا تسمى هذه الحالة يارجال الفكر وعلم النفس ؟ وهما يمكن ان يتنكر الانسان بهذه البساطة لماضيه وبواكير حياته ؟
اخيراً ثمة امر وددنت اتحدث عنه عندما بدأت كتابة هذا المقال ، لكن يبدوا ان القلم لم يطاوعني كما كنت ارغب ، ففي تلك الفترة التي قضيتها في دار المعلمين أي قبل ما يقرب من النصف قرن كنت اتمنى ان ازاول نشاطاً سياسياً ما ، وقد تمثل لي وقتها ذاك النشاط بهيئة ( حسين جليل ) ذلك المناضل الشهم ، ولطالما تمنيت ان يفاتحني حسين جليل في امر الانضمام الى صفوف حزبه ، ذلك اني كنت اتصور ان المناضل في داخله سيتغلب على شخصه الاخر ، أي شخصية ذلك المعتد بنفسه الممتلئ بالكبرياء والترفع ، لكن يبدو انه لم يستطع كسر ذلك الحاجز ، او هو لم يستطع ان ينسى انني كنت من المتفوقين في الدراسة وفي امور اخرى ، لذا هو لم يقترب مني بما يكفي لكي يكسب حزبه عنصراً لديه رغبة في افناء ذاته خدمة للحزب واهدافه السامية .
تلك هي حكايتي مع حسين جليل ، اتمنى ممن سيقرأ هذه المقالة ويعرف شيئاً ما عن حسين جليل ان يبلغني ، وله جزيل شكري واحترامي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عسى ان نوفق ان نسمع عنه خيرا
اياد اكرم رؤوف ( 2010 / 1 / 21 - 12:38 )
عزيزي الاستاذ عبدالعزيز المحترم . .عرفت الانسان الرائع الشاعر والفنان والاديب الذي يحمل كل القيم الشيوعيه الانسانيه في بدايه السبعينات وكان من معارف المرحوم الموسيقار والدي .وكان الاستاذ حسين جليل يعمل في شركه للصناعات الخفيفه والتلفزيونات ومعه مرافقي الشهيد عبدالكريم قاسم كل من حافظ علوان وقاسم الجنابي .الا ان الدوله حينها استولت على تلك الشركه وبعدها عمل في نفس المنطقه مديرا لشركه عائده لعائله الشيخ علي المعروفه .وكان يسكن مع اخيه في منطقه البلديات .وكنت التقيه واحضر امسياته الشعريه في جمعيه التشكيليين العراقيين واعتقد انه اصدر ديوانا شعريا في تلك الفتره . ومنذ بدايه الثمانينات لم اشاهده . وانا معك ارجو ان يكون هذا الانسان الرائع بكل خير ومحبتي واعتزازي بك وبه .

اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو