الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورةُ الشاعر بينَ الذئبِ والمرأةْ

نمر سعدي

2010 / 1 / 21
الادب والفن


صورةُ الشاعر بينَ الذئبِ والمرأةْ
تأملاَّت سريعة في كتابةِ يوسف أبو لوز

أردتُ هنا أن أكملَ ما بدأتهُ في مقالةٍ سابقةٍ عن الشاعر الفلسطينيِّ المقيمِ في دولةِ الإماراتِ العربيةِ يوسف أبو لوز فما زالتْ في نفسي تخيُّلاتْ كثيرة بشأنِ قصيدتهِ الحداثيَّة وطريقةِ كتابتهِ النثريَّة.
بعدَ نشري مقالي السابق طافت بنفسي تأملاَّت سريعة أحببتُ أن أوردها هنا في هذهِ الإطلالة العجلى على عالمِ الشاعرِ المسكونِ بالضجرِ والقلقِ والجمال.
ليسَ من بابِ الصدفةِ أو العبثيَّةِ إذن أن يقولَ الشاعر محمود درويش عن يوسف أبو لوز أنَّهُ مستقبلُ الشعرِ الفلسطيني فقد تلقَّيتُ ردَّاً آخرَ من شاعرٍ مصريٍّ عريق هو عزَّت الطيري يؤكِّدُ أنَّ يوسف أبو لوز بحساسيَّتهِ المفرطةِ وطبعهِ الحادِّ كسيفٍ يمانيٍّ من أروعِ وأبدعِ الشعراءِ العربِ المتطلِّعينَ إلى قصيدةٍ جديدةٍ حداثيَّةٍ بكلِّ ما تحملُ الكلمةُ من معنى.. فقد كانَ يعرفُ درويشُ جيِّداً في أوائل التسعينيَّات أنَّ هذا الشَّاب الأسمرَ المعروقَ المتحدِّرَ من أسرةٍ فلسطينيَّةٍ من ملحِ أرضِ النقبِ والمترعرعَ في شمالِ الأردنِ في بيئةٍ جبلِّيةٍ وعرةٍ.. يملكُ أدواتهُ الفنيَّةَ ولغتهُ الشعريَّةَ الطازجةَ المركبَّةَ والجديدةَ وطبيعتهُ البريَّةَ المتشوِّقةَ إلى هدمِ أطلالِ الرتابةِ والتكرارِ والجمودِ في الذائقةِ العربيَّةِ..والبناءِ المحكمِ لنصٍّ مغايرٍ غائصٍ على المعاني الفريدة يخوِّلُ صاحبهُ الخجولَ الغاضبَ أبداً أن يكونَ أميرَ شعراءِ فلسطينَ الشباب عن جدارة.

أبو لوز شاعرٌ صعبُ المراسِ لا ينقادُ للناسِ بسهولة.. وربمَّا يأتي هذا الطبعُ من طبيعةِ شاعرنا المتقلِّبةِ القلقةِ والشديدةِ الحساسيَّةِ والرهافةِ إلى جانبِ الحسِّ الحادِّ والصراحةِ العجيبةِ في زمنِ المداهناتِ والتملقِّ والرياءِ والمحاباةْ.وأوردُ هنا ما
يقولُ الشاعر ذياب شاهين عن يوسف أبو لوز في تقديمهِ لأمسيةٍ شعريَّةٍ لهُ: "يوسف أبو لوز شاعرٌ خارج الالتزام والأدلجة، وهو نموذج الأديب اللا منتمي، فلا يعمل بوحي من سلطة أو رقيب أو إيديولوجيا. الكتابة لديه تعني الحرية بكل بهائها، ولا يمكن له أن يكون بوقاً لأي كان، وهو يعمل في منطقة لا تنتمي للسرب، يغرد خارجه فروحه عصية على التدجين، ولا تطيع إلا ما ينبثق من داخلها إبداعياً. يجد في نفسه ذلك البطل الذي لن يترجل عن صهوة حصانه أو يغمد سيفه، بل إنه مطمئن على أن الذي سيأتي هو الأجمل والأبهى، كما أن غزارته في الكتابة التي أفنى حياته بها ونذر نفسه لها لن تتوقف، فالشاعر ما انفك مولعا بالحياة وما تنطوي عليه من شعر ونثر وحب وسفر وجنون."

أودُّ أن أشيرَ إلى أن العمودَ النثريَّ الذي يكتبهُ الشاعرُ تحتَ عنوان " رفيف" في صحيفةِ الخليجِ الإماراتيَّة يتميَّزُ بدِّقةٍ عاليةٍ وعشقٍ واضحٍ جليٍّ لهذا النوعِ من النثرِ الذي يتدفَّقُ على الورقِ بكاملِ الحريِّةِ والشفافيَّةِ والموضوعيَّةْ... وعمودُهُ الذي لا يتجاوزُ أربعمائةَ كلمةً يصلُ إلى أعلى حدودِ التكثيفِ اللغوي الإيحائيِّ البليغِ حتىَّ أنَّهُ من خلالِ الكلماتِ القليلةِ هذهِ يوفي الموضوعَ المتناولَ حقَّهُ على أجملِ وجهٍ وأحسنِ صورةٍ.. أكثرُ ما ترهبني ليونةُ الحبرِ في يدِ شاعرنا عندما يكتبُ نثرهُ الحرَّ والمنفلتِ من بوتقةِ التراكيبِ المألوفةِ كطيرٍ سحريٍّ ملوَّنْ..
ومواضيعُ شاعرنا التي يكتبُ عنها كثيرةٌ ومتنوعةٌ منها الأدبيُّ ومنها السياسيُّ ومنها المعيشيُّ الراهنُ.. ومن أجملِ مقالاتهِ ذلكَ المقالُ الذي أسماهُ " في مديحِ الكتابة" ومقالهُ عن الشاعر المصريِّ الراحل أمل دنقلْ في ذكرى سبعينَ عاماً لولادتهِ.. وتلكَ المقالات الكثيرة التي يدافع بها عن شعرِ التفعيلةِ ومن أهمِّها مقالهُ المعنون" هل أنقرضَ شعراءُ التفعيلةِ في مصر".
الشاعرُ يولي النثرَ أهميَّةً خاصَّةً ونجدهُ في روحهِ النثريَّةِ كما في شعرهِ أيضاً محتشداً بالحنينِ ونارهِ الوجوديِّةِ القاتلةِ ومملوءاً بالزخمِ الموسيقيِّ العالي والغضبِ العربيِّ الأبهى.. وروعةُ نثرِ الشعراءِ المطبوعينَ تنطبقُ على العديدِ من الشعراءِ العربِ المتأخرِّين كنـزار قبَّاني وأدونيس ومحمود درويش وعبد اللعزيز المقالح وأنسي الحاج وسميح القاسم وشوقي بزيع وغيرهم وربمَّا استثنينا بدر شاكر السيَّاب من هذهِ القائمةْ على حدِّ تعبير بعض النقَّاد العرب.

عندَ قراءتي لشعرِ يوسف أبو لوز فأكثرُ صورةٍ ترتسمُ في خيالي وأحسُّها مطابقةً لتجربةِ الشاعرِ ومناسبةً أكثرَ من غيرها لوصفهِ فهيَ صورةُ الشاعرِ بينَ الذئبِ والمرأةِ فكلُّ كيانهُ الشعريِّ يتراوحُ دائماً بينَ هذينِ المخلوقينِ فهما موتيفانِ أساسيَّان صديقانِ ولا يفترقانِ عن بعضهما في أغلبِ ما كتبَ أبو لوز من شعر.. فكلامهُ وروحهُ يعكسانِ في نظري العطشَ الذئبيَّ للشاعرِ إلى جمالِ المرأةِ غيرِ المحدود واللا متناهي.
على الرغمِ من قولهِ :
لستُ ذئباً
ولا من طباعي العواء على الليل ظناً من الحيوانِ
بأن الليالي قطيع
وما جعتُ يوماً
ولا نبتُ صيداً
فمثلي من دون ناب
لستُ ذئباً
ولكن، تقنعتُ وجهاً لذئبٍ
لكي لا تعضُّ حياتي الكلابْ.

يقول الناقد والشاعر الفلسطينيُّ علي الخليلي عن الشاعر يوسف أبو لوز في مقالةٍ جميلةٍ بديعةٍ تناولَ فيها ديوان الشاعر الأهمَّ "ضجر الذئب" : "ولكنني أستطيع أن أمحو مسافة ثلاثة عشر قرناً بين الفرزدق وأبو لوز، بقراءة غير مألوفة لكليهما، وصولاً إلى الذئب الشعري الذي صاغته الـمخيلة العربية بخبرة الدهر، أو أنها تجدد صياغته على الأصح جيلاً بعد جيل، بغير ما صاغته الطبيعة بتلقائية الصيغة منها وسكونها الـموروث، حتى جعلت منه ثباتاً مادياً لا يتحول ولا يتبدل على الأرض.
قد يبدو للوهلة الأولى، أن ذئب الفرزدق هو ذئب الطبيعة، لا اختلاف بينهما، إلا ما شاءه الشاعر من "صحبة" بينهما غير عادية إلى حد الاستحالة، في القصيدة. ولكن التمعن النبيه، يخترق هذه الوهلة، ويعبر إلى ذئب خاص بهذا الشاعر، أراد، من خلال صياغته له، أن يحدثنا عن نفسه، أو عن الإنسان بشكل عام. هل ثمة في هذا الـمعنى (في هذه الصياغة - الصيغة الشعرية)، علاقة متنامية إلى درجة التماهي، بين الإنسان والذئب؟".
ومقالتهُ تلك المنشورةُ في الأيامِ الفلسطينيةِ من أجملِ ما وُصفَ بهِ هذا الشاعرُ الجامحُ كحصانٍ بريٍّ إلى أقصى فضاءِ اللغةْ.

كم نحنُ بحاجةٍ إلى حفَّارينَ في ذاكرتنا الجمَّاليةِ على شاكلةِ هذا الشاعرِ المُصابِ بلعنةِ الحرفْ والمرهونِ لأبدِ النعناعِ... كم نحنُ بحاجةٍ إلى استفزازيين نبوءيين جدد... وإلى شعراءٍ يملأهم جوعُ الذئابِ إلى الحريِّةِ والجمالِ والمعرفةْ .




كانون ثاني 2010









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا