الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنون اسرائيلية في الاستغلال والنفاق

هشام نفاع

2010 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزوجته شغّلا عاملة فقيرة في بيتهما بشروط أجر قاسية. وزير "الأمن" إيهود براك وزوجته شغّلا عاملة أجنبية في بيتهما بشكل يخالف القانون الاسرائيلي. في الحالتين احتفل معظم الاعلام الاسرائيلي بالقصتين من باب الثرثرة والقوقلة. قلما جرى التركيز على مسائل أساسية يعبر عنها سلوك "السادة".

لكن يُفترض بالأمر تجاوُز حدود "الإندهاش" من ان مسؤولين حكوميين كبيرين يسلكان بما يخالف القانون الذي يُفترض ان يحترماه لأنهما، أصلا، يحكمان المواطنين بموجبه. وهو يتجاوز الجدل حول وجوب التركيز على المسؤولين وليس على زوجتيهما، والذي خاضه نتنياهو بتعابير حربية من قاموس الكوماندوز حين قال: "وجهوا النار إليّ واتركوا زوجتي"!

في عمق النقاش تختفي حقائق لا يحاول الكثيرون الاقتراب منها ولا كشفها. منها أن سلوك نتنياهو وبراك يعبّر عن مكانة العامل والعاملة في هذا النظام الاسرائيلي المريض. فالاستغلال ليس خطًا أحمر يُحظر على الجميع انتهاكه. ومسألة تشغيل عامل بأجر يقل عن الحد الأدنى وبدون احترام حقوقه الاجتماعية والاقتصادية ليست جريمة، بل مجرد مسألة عادية، "بتصير كل يوم"، ولكن يُحبّذ عدم كشفها ليس أكثر!

هذا النقاش الاسرائيلي "المندهش والمصعوق" من سلوك رئيس الحكومة الحالي وذلك الأسبق هو نفاق تام. فاستغلال العمال والعاملات في هذه الدولة قائم وواضح وفاضح. المؤسسات الاعلامية التي تخرج منها أصوات النقد يملكها أثرياء يتحملون مسؤولية مباشرة عن وضع العمال الصعب. قسم كبير منها يشغّل عمالا وعاملات بناء على "اتفاقيات خاصة" وبموجب أنظمة "شركات القوى البشرية" سيئة الصيت والتي تصادر الكثير من حقوق العامل.

الثقافة السياسية المهيمنة في نظام إسرائيل هي ثقافة معادية للعامل. إنها ثقافة تعتبر النجاح في الإستغلال "شطارة". وترى في "استيراد" العمال المهاجرين بحثًا عن لقمة العيش وتشغيلهم في ظروف مهينة "براعة اقتصادية". قلائل مَن يشعرون بالخجل من الاستغلال هنا. فالغالبية تربت داخل أو على هامش أكبر دفيئات الاستغلال قاطبة، وهي دفيئة الاحتلال. فأمر الفلسطيني وحقوقه وحياته ومستقبله لا يُشغل بال الاسرائيلي المتوسط الجشع الذي لا تهمه سوى مصلحته الشخصية. محاصرة الفلسطيني وقمعه وحتى قتله هي مسائل مبرّرة طالما أنها تخدم مصلحة النهم الاسرائيلي الأناني، سواء جاء ذلك باسم "الأمن" أم غيره من أكاذيب.

من يستغلّ الفلسطيني ويسرق أرضه ويستولي على موارده لا يهمه فعلا رؤية رئيس حكومة يستغلّ عاملة فقيرة. لأن معاداة الاستغلال مسألة أخلاقية ولا تتجزأ. من ينتقد نتنياهو اليوم، ومن انتقد براك في الأمس، ولا يملك موقفًا واضحًا وحازمًا ضد استغلال الفلسطيني وموارده وأرضه هو مجرّد منافق مزيّف. وهؤلاء كثيرون جدًا في نظام اسرائيل.
إن من يوافق على توطين ربع مليون مستوطن على ارض منهوبة ومن يخلق وضعًا من الأبرتهايد، لا يمكنه أن يتبجّح ويثرثر في كل ما يتعلق بالعدل والحق. من لا تهزّه الفجوة الهائلة بين المُتاح أمام الاسرائيلي وبين الهامش الخانق للفلسطيني، لن يقنع أحدًا بأن مشاعره اهتزّت على استغلال هذه العاملة أو تلك. ومن يقبل بهذا وذاك إنما يساهم في وضع الأرضية الأساس لاستغلال كل من يمكن استضعافه، سواء أكان عاملا فلسطينيًا أم أجنبيًا أم يهوديًا إسرائيليًا فقيرًا.
أكثر المشاهد إثارة للقرف هي رؤية حوارات النفاق على شاشات إعلام إسرائيل. اعلاميون سخفاء وإعلاميات تافهات يتلاعبون بتعابير وجوههم تعبيرًا عن اندهاشهم من أن رئيس الحكومة يستغلّ عاملة فقيرة، لكنهم لا يجدون دقيقة أو اثنتين للخوض بعمق في أصل الداء.

في تقرير لمنظمة العمل الدولية قبل سنتين جاء: " إن وجود وضع يسوده الرخاء والأمن من جهة، وآخر يسيطر عليه الاحتلال العسكري والفقر وانعدام الأمن من جهة أخرى إنما هو وضع محفوف بالمخاطر بالنسبة للجانبين ولا يمكن أن يدوم".. هذا الوضع أنتج انتفاضات ومقاومة وسيظلّ ينتجها إلى أن يتغيّر جوهريًا. لو كان العقلاء كثيرين لفهموا أن انتفاضة الفلسطيني تهزّ أيضًا أرضية الاستغلال في اسرائيل.. لكن ما أقلّ العقلاء وما اندر الجريئين في نظام وإعلام ومجتمع إسرائيل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جدير بالقراءة
رجاء غانم دنف ( 2010 / 1 / 23 - 18:52 )
أشكرك هشام على هذا المقال الجميل والتحليل الموفق لعلّة هامة وظاهرة موجودة بقوة في المجتمع الإسرائيلي يضاف إليه أن العنوان الكبير لهذا المجتمع هو النظام الرأسمالي بكل آلته الطاحنة للعمال /ات ومن هم في مقامهم وكل ما يمكن ان ينتج عن هذا النظام من ظلم واستغلال للحقوق يضاف إليه -الحرفية- التي راكمها المجتمع الإسرائيلي أيضاً في مجالات الاحتلال والاستيلاء على أراض وحقوق وثروات الغير

اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |