الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 4 من رواية تصبحون على غزة

حبيب هنا

2010 / 1 / 22
الادب والفن


4
بعد مضي عدة أيام ، رتبت مريم لقاء مفاجئاً بين ريتا وإبراهيم اللذين لم يكونا على علم مسبق بما أقدمت عليه . وكانت قد دعت ريتا لمساعدتها في إعداد فراش جديد للبيت في وقت كانت فيه قد أكدت على إبراهيم الحضور إلى البيت بعد ساعة من مغادرته بغية إعطاء الرأي في الشكل النهائي للبيت قبل إتمامه، ويتعذر إجراء أي تغير بعد ذلك ، ولما عاد ، كانت ريتا تجلس فوق الفراش مكشوفة الساقين وفي يديها أدوات العمل ، وقعت نظراته على بياض الساقين الناصع فدارت الدنيا في عقله دورتها الجنونية .. نفضت ريتا نفسها واقفة كأني بها أصابها صعق كهربائي وتدرج وجهها بألوان الطيف، لا تعرف كيف تلملم الشظايا التي بعثرتها الصدمة ، ثم خرجت فجأة وبسرعة وهي ما زالت في ذهول لما حدث ، وعندما دخلت بيتها أجهشت بالبكاء قبل أن ترمي نفسها على السرير ، كما لم تبك من قبل .
جاءت الأم بسرعة جنونية تسأل :
- ماذا بك ؟
جاء الرد دموعاً غزيرة وعيوناً مطبقة على المشهد الأخير .
ماذا حدث ؟
عدم الرد كان تعبيراً موفقاً عن حجم الكارثة التي حطت .
- قولي شيئاً ، ماذا أصابك ؟
صدر يعلو ويهبط لديك ذبيح يلفظ أنفاسه الأخيرة .
هزت الأم ابنتها بعنف . جسم بارد خاشع للخوف والصدمة وطقوس المفاجأة .
أصاب الأم الذهول ، تساءلت في سرها : ماذا عسى أن يكون قد حدث ؟
نظرت صوب ابنتها وفي عينيها التوسل ، قالت :
- لقد ذهبت إلى مريم مملوءة بالحيوية والنشاط لا تسعك الدنيا من الفرحة ، وها أنت تعودين هاربة تطاردك الشياطين منكسرة الجناح لا تقوين على النظر إليّ ، ماذا أصابك ؟
لا فائدة من الصمت ، لن أتركك قبل أن احصل على الإجابة ويستقر بالي ؛ فالريح تعصف بقلبي من كل صوب !
لم يخطر ببال الأم ،أن حاسة السمع تغدو أضعف مما كانت عليه قبل لحظة واحدة من واقعة توتير الحواس ، وأن اللمس أقوى الحواس تحفزاً واستجابة لمؤثرات المحيط مهما بدت باردة ، وفقط كل ما كان يهم كيف تصل إلى قلب ريتا كي تفتحه على مصراعيه حتى تصل إلى السبب الذي أدى بها إلى البكاء والانكماش قبل أن تستعيد وعيها تماماً.
اقتربت منها ، تسبقها يد ممدودة باتجاه خصلات الشعر المتناثرة عشوائياً على الوجه والكتفين . أصابت اليد الرأس . انتفضت ريتا واقفة وعلى لسانها صرخة تكفي لإشباع حب الفضول !
استقرت في حضن أمها . ربتت على كتفها وهي تردد : لا تقولي شيئاً ، لا تقولي شيئاً ..
هدأت رويداً رويداً . استقر صعود الصدر وهبوطه . انتظمت دقات القلب . الشهيق والزفير يعملان بشكل طبيعي . جاءت مريم وعلى وجهها بصمات أصابع يد حفرت أخدوداً لها ، منكسة الرأس أضعف من أن تقول كلمة واحدة .
نظرت الأم إليها . عرفت على نحو عميق أن ثمة أموراً معقدة حدثت بحاجة إلى توضيح أدى بها إلى القدوم في هذا التوقيت بالذات .
عينان مبللتان ووجه شاحب يعبران عن أسف بليغ جراء خطأ غير مقصود أفضى بالنهاية إلى تلاشي الابتسامات عن الوجوه الحائرة .
سألت الأم على غير توقع :
- ماذا حدث يا مريم ؟
أطرقت رأسها تنظر في الأرض وحرج شديد يعتصرها .
- ماذا حدث يا بنيتي ؟
ارتمت في حضنها وهي تقول :
- لم أقصد يا خالتي . كان تصرفاً غبياً !
- لا عليك يا بنيتي أبلغيني ماذا حدث بالضبط ؟
- كنا نجدد الفراش أنا و ريتا غير عابئين بمن حولنا ، فجاء إبراهيم ودخل علينا في وقت كانت فيه ريتا مكشوفة الساقين ، فهبت واقفة تركض مغادرة البيت ، وقد كنت متفقة مع إبراهيم بعد أن غادر البيت العودة إليه بعد ساعة لأنني بحاجة إليه دون ذكر السبب من أجل أن أفاجئه بالفراش الجديد الذي ساهمت ريتا في انجازه ، وعندما رآها تهرب صفعني على وجهي وهو يقول :
- ماذا عسى أن تظن الآن ؟ قد يذهب بها التفكير إلى الاعتقاد بأن هذه الخطوة متفق عليها بيننا .
نكست رأسها في الوقت الذي قالت فيه :
- لم أقصد ذلك يا خالة ! أرجو أن تسامحانني .
- لا تشغلي بالك يا بنيتي ، عندما تهدأ ريتا ستسامحك وتعرف حقيقة قصدك !
رأسان على صدر واحد كتوأمين ، هكذا بدتا ريتا ومريم ، مسبلتا العيون بعدما أخذتا من حليب الصدر كفايتهما . أنفاس منتظمة وهدوء مطمئن يبعث على التسامح ويؤكد صفاء النوايا ، دفعت للاعتقاد أنهما نيام ، ولكن فجأة انفتحت العيون وتقاطعت في همس غريب معلنة ميلاد لحظة غير مسبوقة لا يحدها أفق، ولا يمنع تطلعها للمستقبل سوء تصرف غير مقصود .
تشبثت العينان بالعينين دفاعاً عن النفس . امتدت أصابع اليد تشتبك بأصابع يد الأخرى تعبيراً عن اعتذار موفق ، والأم تضغط على رأس الصبيتين بحنان عبر عن نفسه بعفوية فزاد لحظة الاتفاق والتسامح تألقاً . رفعت ريتا رأسها وقبلت الأم من صفحة خدها الموازي لها . فعلت مريم الشيء ذاته . انحنت الأم عليهما تقبل الواحدة ثم تنتقل للأخرى في وقت حاصرت أيدي الصبيتين خاصرة الأم ، فبدأ ثلاثتهم كموقد في معبد قديم ينتظر وفود السائحين .
وعلى غير توقع سألت الأم :
- هل ستبقيان هكذا إلى الأبد ؟
ردت ريتا :
- إلى أن تطلبين الفكاك منا !
ردت مريم متسائلة :
- هل أثقلنا عليك يا خالة ؟
- لا ، ولكن قواي لاتجاري صباكما ..
- مازلت صبية أكثر منا ..
- إنه كلام مجاملة لا فائدة منه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب