الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبادل أسرى في بيتي(من يوميات امرأة محاصرة)

سما حسن

2010 / 1 / 23
الادب والفن


إنه من تلك الأيام التي ينقطع فيها التيار الكهربي في غزة، تلك مدينتي الصغيرة الرابضة كقط خائف في إحدى نواحي القطاع المحاصر، وانه ذلك الصباح الجديد من أيام الجمعة حيث قرر صغاري السهر لساعة متأخرة قاربت الساعات الأولى من فجر اليوم التالي، وذلك لكي يقضوا صباحهم في حالة من النوم أو الهروب، فمعنى أن يكون يوم الجمعة بلا كهرباء أن يكون يوم مميت يمر ببطء قاتل ثقيل، استيقظت مبكرة لأنهى أعمالي المنزلية قبل أن تملأ جلبة الصغار البيت، فأنا لا زلت أعتبر نفسي ذلك الكائن الذي يعشق الأكسجين، أي أنني من الأشخاص الذين يحبون الهدوء والسكون والوحدة، أقدس وحدتي الصباحية، وأقضى الوقت أشاهد الطبيعة التي تستيقظ ببطء، وأكره صخب الجيران الذي يصاحبه صوت مولدات الكهرباء، فجارنا الحمساوي يصر على تشغيل المولد بصوته المزعج في ساعات مبكرة، ليستمع للأخبار والأغاني الحمساوية، ولا يهمه أن الناس يكونون نياما، وان كنت أكيل اللعنات على مسمع من نافذته المطلة على نافذة مطبخي الصغير، وألعن من تسبب في مشكلة الكهرباء التي أصبحت أزلية، والتي تضطرني للمعاناة من صوت المولدات المنبعثة من بيوت الجيران……
بعد ساعات قليلة استيقظ الصغار، واقترحوا على بعضهم أن يلعبوا [البلي] في غرفتهم على السجادة الحمراء التركية المزخرفة، وذلك لأنهم لن يستطيعوا مشاهدة التلفاز أو اللعب على الكمبيوتر.
أنصت لصوتهم وهم يتصايحون ويتقاذفون البلي الملونة بألوان جميلة فيما بينهم،ولكنني بعد أن انغمست في قراءة كتاب، سمعت ابني الصغير يصرخ: والله اني ما بأبدل جلعاد شاليط مقابل مروان البرغوثي……
قفزت من سريري وألقيت الكتاب جانبا وأنا أفكر وارسم في مخيلتي صورة لابني الصغير، وقد أصبح عضوا في الوفد المفاوض على إطلاق سراح شاليط……..
ثم سمعت ابني الأكبر يقول: شو رايك ،تاخد البرغوثي وعشرة أسرى وتعطيني شاليط؟؟
هنا كان صوت ابني الصغير محتدا ومزمجرا: لا لا مستحيل……. شاليط غالي وما في منو اتنين
مستحيل ….. انت مجنون؟
وصلت إلى باب غرفة الصغار وهممت بفتح باب الغرفة وأنا أتوقع أن أجد طاولة مستديرة للمفاوضات، وكراسي فخمة وبذلات وربطا ت عنق، وحقائب دبلوماسية، وربما وجدت العلم الاسرائيلي والمصري والفلسطيني وأعلاما أخرى لوفود الوساطة…..
وسمعت ابني يقول: والله أنا بأعطيك شاليط بس تعطيني البرغوثي ومية اسير…..
حين فتحت باب الغرفة وجدت الصغيرين يتخانفان ويتصارعان على [البلي] فقد كان بحوزة ابني (بلية)كبيرة ملونة وزاهية أطلق عليها اسم (جلعاد شاليط) وقد راقت (البلية)لابني الكبير وقرر أن يساومه عليها مقابل أعدادا كبيرة من البلي الصغيرة والمتشابهه، وان كان قد أطلق على أحدها وهو يحمل لونا واحدا غامقا اسم : البرغوتي……..
حين رأيت الأسرى محور الصفقة غرقت بالضحك كعادتي، والتقطت جلعاد شاليط من بين أصابع ابني وتأملته: حقا كان مميزا وكبير الحجم، ولكني اقنعت ابني الكبير أن ” دمه تقيل” وأن حجمه الكبير لا يساعد على اللعب به، وهو لن يحقق أي فوز ، بل هو إهدار للوقت فقط….
حين هز ابني رأسه مقتنعا، كان جلعاد قد افلت من بين أصابعي وسقط في مكان ما في الغرفة، وتركت الصغيرين يبحثان عن جلعاد فيما عدت أنا لأقرأ وأغرق في كتاب لشاعري المحبوب د. مانع سعيد العتيبة، لعلي أنسى الصفقة التي تدور في بيتي، وانسى أن الجو بارد جدا وأن لا كهرباء في بيتي، والحياة به مشلولة حتى المساء…….








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شو صار بالديك
فيصل البيطار ( 2010 / 1 / 23 - 07:19 )
ولديكِ - حفظهما الله - يعيشان أجواء غزه السياسيه ، أنا معك من ان اللعب بهذا - الكل - الكبير مضيعه للوقت .....
تعودت على سماع أخبار بيتك فنحن بطبعنا - حشريين - ، لكني ما زلت أنتظر أخبار الديك .
أتمنى لك جمعه غير حزينه .
سلام .

اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا