الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حانة لو يأتيها النبيذ احتفاء بالجسد و النبيذ و الموت

مصطفى لغتيري

2010 / 1 / 23
الادب والفن




دوما يفاجئنا الشعر بقدرته اللامتناهية على الإبهار ، فكلما اعتقدنا أن بحيرته قد جف ماؤها ، و تجارته قد بارت بضاعتها، فاجأنا -من حيث ندري أو لا ندري- شاعر أو شاعرة ، بزنابق من الشعر، تتبرعم في رياض ديوان جديد، يسكرنا عبيره المتضوع من الحروف و الكلمات و الصور الشعرية البديعة.

والحقيقة أنني رغم اطلاعي السابق على بعض قصائد الشاعرة علية الإدريسي البوزيدي منجمة في الجرائد و على صفحات المواقع الالكترونية ، فإن اطلاعي على هذه القصائد مجتمعة بين دفتي ديوان " حانة ..لو يأتيها النبيذ.." قد ترك في الذهن و النفس أثرا بالغا، جعلني مع كل قراءة جديدة له ، أقف بكثير من الاحترام لهذا الصوت الشعري ، الذي فاجأني بقوة قصائده و عذوبتها اللافتة ..و حين تجاوزت مرحلة الانبهار ، و عزمت على البحث الموضوعي عن سر جمال هذا الديوان ، أثارني حضور ثلاثية قوية تنتظم النصوص و تخلق فيما بينها تناسقا ، ينهل من معين منسجم و متكامل ، يشهد على ذلك المفردات و العبارات و الإيقاع و الصور الشعرية ، و يمكن أن أحدد هذه الثلاثية في الموت و الجسد و النبيذ ، و من الطبيعي أن أتساءل حينها عن العلاقة التي تجمع بين هذه الأقانيم الثلاثة ، وتلك وظيفة التأويل التي يمكن تأجيلها إلى حين ، أو لأتركها للقارئ المنشغل بالدلالة البعيدة و القريبة للكلمات، فأكتفي برصد هذه الثلاثية ، لعل ذلك يشفي بعض الغليل.

-الموت

لقد شغل الموت الإنسان منذ القدم ، فهذا المعطى الأزلي أرق فكر الإنسان منذ أن تشكل وعيه ، فسبب له شقاء مستمرا، باعتباره واقعا لا مفر منه ، فلا غرابة إذن أن تكون الإبداعات الأولى للإنسان منشغلة بالموت ، وقد تجلى ذلك في ملحمة جلجامش الغارقة في القدم. و قد سارت شاعرتنا على نفس المنوال ، إذ كان الموت محرضا لها على الغوص عميقا في بحيرة الشعر ، علها تجد الخلاص ، حتى انها جعلت من لفظة الموت لازمة في إحدى قصائدها ، بينما تقول الشاعرة في قصيدة أخرى:

بين أركان الربى الموت يتوقف
و يأبى الزحف
و تضيف في قصيدة أخرى
لا تحزن
على المآسي
و لا تدمع
على المصائب..
ستزهو
بالذين حلوا و تاهوا
في المساء..
ثم ستلقي بالكأس
للأموات العائدين.
- الجسد
إن علاقة المرأة بجسدها علاقة ملتبسة ، ويكتنفها الكثير من الغموض ، فقد عانى هذا الجسد على مر العصور- من الحظر ، إذ فرضت المجتمعات على المرأة أن تخفيه ، وتتوجس منه خيفة ، فهو الفاكهة المشتهاة ، التي ما إن يملكها الرجل حتى يتفنن في إخفائها عن الآخرين بشتى الوسائل ، وبمرور الزمن اندمجت المرأة في لعبة الرجل ، و أضحت أكثر حرص منه على إخفاء جسدها ، الذي يشكل - في الآن ذاته- قوتها و ضعفها. ، لكن مع الثورة الحديثة تحررت المرأة نسبيا من سطوة الرجل ، فأخذ صوتها يرتفع تدريجيا ، غير خجلة من جسدها ، بل أضحت تفتخر به و تكشفه ، وتتحدث عنه دون وجل ، تقول الشاعرة:أفك أزرار قميصي
في الطابق الأرضي
و على السرير
مثل الماء
أجلس على لغة صدئة
و في مقطع آخر تقول بما يشبه الاندهاش:
قالوا
أو تتعرين
قلت
لا أتعرى
ولكن
علي أن أصنع مملكة
للحنين..
و تصل الشاعرة بالكشف إلى حوده الأقصى ، فتنشد:
تمرغ أنوثتها
كتيس هائج
فتسفرعن فخذيها الجميلين
الغليظين
-النبيذإن لفظة النبيذ أو ما يوحي إليها من قريب أو من بعيد تكتسح قصائد الديوان من بدايته حتى نهايته ، و لم يسلم من ذلك حتى العنوان ، و دون أن أتعسف في التأويل، سأكتفي بذكر بعض مفردات الحقل الدلالي للنبيذ المهيمنة على قصائد الديوان:
حانة- معتقة- كأس - خمر - مخمور -نشوى - عذبا - عطشى - القنينة- الماء- الثلج - أشرب -جرعة...
و لا اخفي إعجابي و اندهاشي من هذا الحضور اللافت للنبيذ في القصائد ، خاصة و الأمر يتعلق بشاعرة . حضور يضاهي ما جادت به قرائح الشعراء، خاصة القدامى منهم وعلى رأسهم أبو نواس، تقول الشاعرة:
هكذا يلاقي الكأس فصوله
فليشرب كل واحد منكم
كأسا
أو فلينسحب..
و إذا كانت هذه الثلاثية المشار إليها في هذه القراءة العاشقة قد منحت القصائد لمسة فنية مثيرة ، فإن الصوغ الشعري ،أقصد أسلوب الكتابة لم يتوان في إبراز قوة القصائد و جمالها ، و أذكر من ذلك الصور الشعرية المتناثرة على امتداد الديوان ، و منها
- تنتعل الأنخاب
في حافة الفراش
-الضجر يختبئ
تحت الشراشف
-لتضاء البسمات المنحوتة
بنوارس الرغبة.
- في ملامح الزهو الذائبة
و إذا كان الختام مسكا كما يشاع ، فإن الختام شعرا قد يضاهي المسك أو يفوقه. فلنرتشف - مع الشاعرة- مدام هذا المقطع الجميل: كانت السماء
رذاذا
ينساب كذاكرة
تتأوه بين خصر
و خصر
كواد
يراجع
الصدى
حين فقد أصدقائي
وجوههم في المرآة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك
يزن احمد ( 2010 / 1 / 23 - 05:15 )
شكرا لك عزيزى


2 - شكرا
مصطفى لغتيري ( 2010 / 1 / 23 - 19:44 )
على الرحب و السعة عزيزي أحمد
شكرا

اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال