الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفدرالية: المفاهيم، الأسباب والنتائج (1)

هاشم نعمة

2010 / 1 / 23
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


حظيت الفدرالية بقدر كبير من المعالجة والاهتمام في السنوات الأخيرة. رغم أن المؤسسات الفدرالية لم تكن بالتأكيد جديدة، لكنها أصبحت أكثر بروزاً نتيجة تأثيرات مترابطة لأربعة اتجاهات واسعة الانتشار ومتزامنة تقريباً: الدمقرطة، الليبرالية الاقتصادية، اللامركزية ومساوئ النزاعات الداخلية المسلحة. في نفس الوقت، تقسيم السلطة بين الحكومات الوطنية والمحلية – سمته الفدرالية- استؤنف باتجاه تأييد الديمقراطية والدعوة للبحث عن وسائل تقلل من إمكانية الحكم الدكتاتوري مستقبلاَ.

في عالم اليوم، استمر عدد الدول الموحدة يفوق عدد الدول الفدرالية ، لكن مبدأ الفدرالية أصبح أكثر أهمية حتى في الدول التي تحاشت نعت نفسها بالفدرالية. تبنى الكثير من الفاعلين على المستوى الوطني اللامركزية في الدول الموحدة كأسلوب لتعطيل ما يعتبر أكثر المطالبات تهديدا للوحدة وهو الفدرالية. بالرغم من ذلك فإن الأثر المتراكم لزيادة قيمة الإصلاحات اللامركزية في الدول الموحدة التي تشمل تفويض الضرائب وإدخال الانتخابات على المستوى الوسطي للحكومات يمثل بدون شك مؤشراً على توجه هذه الدول نحو النظام الفدرالي. اللامركزية والفدرالية مفاهيم متمايزة لكن شعبية الأولى دفعت الكثير من الدول باتجاه الأخيرة.

في السنوات التي تلت نهاية الحرب الباردة، تزايد قسوة النزاعات المسلحة الداخلية والحروب الأهلية عمق المصلحة في الفدرالية كاستراتيجية مؤسساتية لتسوية الخلافات الإقليمية والإثنية. فعندما يتفوق النزاع الداخلي على النزاع بين الدول ويصبح أكثر المصادر المألوفة للعنف السياسي في عالم اليوم تصبح الفدرالية خياراً مهماً بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن هندسة المؤسسات التي تستطيع توفير الأمن في بيئات ما بعد النزاع. حتى النزاعات الأخيرة بين الدول التي تشمل حروب الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق وصربيا ، أطلقت نقاشا جديا حول كيف يمكن أن تعزز الفدرالية والحكم الذاتي الاستقرار في فترة ما بعد النزاع.

جذبت الفدرالية اهتماما فعليا أكثر كموضوع للدراسة في كل مكان. وقد أنتجت حديثا أدبا حيوياً خصوصاً في أوروبا وأمريكا اللاتينية، حيث تقف الفدرالية وانبعاث المصالح الإقليمية والهويات بشكل عام في تعارض حاد مع أنماط بناء الدولة التي طال عليها الزمن. في كلا المنطقتين تضمن توطيد الدولة في مراحل تاريخية مختلفة (أوروبا في الفترة الحديثة المبكرة وأمريكا للاتينية في القرن التاسع عشر) محاولات كبيرة وناجحة من قبل مؤسسي الدول لاستبدال الانقسامات الإقليمية بانقسامات وظيفية. على النقيض من بناء ما يسمى الدولة المركبة في الولايات المتحدة التي بحثت عن تسوية بدل قمع الانقسامات الإقليمية فإن الأهمية المتزايدة للمطالبات الإقليمية والمطالبات الجديدة بالفدرالية في أوروبا وأمريكا اللاتينية تقترح العودة إلى النمط المبكر للحياة السياسية الذي يعود تاريخه إلى ما قبل توحيد الدولة. بشكل مختلف قليلا، بينما بقيت الفدرالية مبدأ تنظيمياً مهماً في الولايات المتحدة ومن بدايتها شهدت أوروبا وأمريكا اللاتينية نسبيا ومؤخراً فقط نقاشات متجددة وجدية حول تبني المبادئ الفدرالية، كما ظهر ذلك بوضوح أكبر في بناء الإتحاد الأوروبي الفدرالي، والنضالات القاسية المتزايدة لإعادة تشكيل المؤسسات المحلية في الكثير من أجزاء أمريكا اللاتينية.

المفهوم والاختيارات المختلفة

ترد في أربعة كتب تبحث في الفدرالية لكل من: زيبلات، ويبلس، دياز- كايروس و كيليمن تعريفات دقيقة للفدرالية رغم أنها متشابكة إلى حد ما. بالنسبة لكتاب زيبلات تتضمن الفدرالية " ثلاث ميزات دستورية مؤسساتية لا تتجزأ: (1) مشاركة رسمية أو غير رسمية للحكومات المحلية في عملية صنع القرار على مستوى الحكومات الوطنية: (2) حرية التصرف بالمالية العامة على المستوى المحلي و: (3) الإدارة الذاتية للحكومات المحلية". على العكس من هذا التعريف ذي الأجزاء الثلاثة يركز ويبلس ودياز- كايروس على شرطيين ضروريين وكافيين فقط. بالنسبة لويبلس يكون البلد فدراليا إذا كانت مناطقه: (1) ممثلة في مجلس تشريعي وطني و: (2) تملك مجلساً تشريعياً خاصاً بها. ويركز دياز- كايروس على شرطين مختلفين تماما: (1) يجب أن تنبثق السلطة التنفيذية للإقليم من خلال الانتخابات التي تجرى بشكل مستقل عن السلطة الوطنية و: (2) يجب أن تتمتع الأقاليم بسلطة مالية أصيلة. ونظراً لتركيزه على الفاعل غير التابع لدولة، الإتحاد الأوروبي، لا يعرف كيليمن ما الذي يجعل الدولة اتحادية ؛ ففي الواقع واحدة من النقاط الرئيسية في انطلاق دراسته تشير بأنه يجب علينا عدم "دمج مبدأ الفدرالية مع الدولة الفدرالية". بالقول بأن الفدرالية تتطلب مجرد "توزيع عمودي للسلطة بين الحكومات المركزية والحكومات المحلية"، لذا يقدم كيليمن تعريفا أقل تحديدا بالنسبة للكتاب الأربعة.

من مقارنة التعريفات تبرز أربعة اختلافات. الاختلاف الأول يتعلق بتمثيل الحكومات المحلية في الحكومات الوطنية، هذا الشرط يظهر فقط في تعريفي زيبلات وويبلس. الثاني يعتقد زيبلات بأن الفدرالية تتطلب حكومات محلية تتمتع بسلطات مالية وإدارية، ويعتقد ودياز- كايروس بأنها تتطلب سلطات مالية وليس إدارية، بينما ويبلس لا يشترط ضرورة السلطات المالية والإدارية. الثالث يتعلق بالانتخابات المحلية حيث أن تعريف زيبلات لم يحدد كيف تتشكل الحكومات المحلية، وهو يشترط فقط إمكانية المشاركة بالحكومة الوطنية، فيما تعاريف كلا من دياز- كايروس وويبلس تحدد الحاجة إلى آليات انتخابية على المستوى المحلي. أخيرا، رغم أن تعريف الأخيرين يشترط انتخابات محلية، لكن بالنسبة للأول تكون انتخابات السلطة التنفيذية المحلية هي الحاسمة بينما بالنسبة للأخير تكون انتخابات السلطة التشريعية المحلية هي الرئيسية. عدا هؤلاء الكتاب الأربعة، لا يزال أدب الفدرالية الجديد يؤكد على متغيرات أخرى في تعريفه للفدرالية، تشمل المجلسين التشريعيين، والقضاء، وسلطة الحكومات المركزية والحكومات المكونة للفدرالية في اتخاذ القرارات النهائية.

إن عدم الاتفاق حول المفهوم يثير عددا من القضايا؛ أولها، إمكانية بروز صعوبة في استخدام أدب الفدرالية الجديد لتحديد بلدا معين كونه فدراليا أم لا. من المهم النظر في حالة كولومبيا، التي تحولت من النظام الفدرالي إلى النظام المركزي في نهاية القرن التاسع عشر، وبعد ذلك، عادت إلى النظام الفدرالي في نهاية القرن العشرين، في بحثها عن تسوية سياسية لصراعها المسلح المدمر.

ربما ما هو أكثر أهمية من الاتفاق وسط الأكاديميين حول بلد معين كونه فدراليا أم لا ، هو اختلاف المفاهيم الذي يؤثر أيضا في تقييم البراهين النظرية المتعلقة بأسباب الفدرالية ونتائجها. مثلاً، التعريف المحدد تماما لزيبلات قد يحصر في الممارسة العملية اختبار نظريته العامة حول الفدرالية بالدول الأكثر تطوراً من الناحية الاقتصادية. فالإدارة المركزية المفرطة في العالم الثالث تحد بشكل كبير من الإدارة الذاتية التي يرى زيبلات بأنها مكون ضروري للفدرالية. في حين ركز دياز- كايروس على السلطة التنفيذية المحلية بدلا من السلطة التشريعية المحلية، وهذا من شأنه أن يؤثر على الطريقة التي يمكن للمرء أن يقيم فيها نظريته المالية المركزية.

المفاهيم المختلفة مهمة أيضا لأنها تعكس عدم اتفاق حول المدى الذي تختلف فيه الأنظمة الفدرالية فيما بينها. ويمثل فهم اختلاف الفدرالية بشكل متزايد المسألة البارزة في البحث، لكن التطابق في الاختلافات الأكثر أهمية يبقى مختلفاً عليه. مثلا بعض التعاريف المذكورة أعلاه تشير بأن المقولات التي بموجبها تُمثل الحكومات المحلية في المركز تشكل الاختلاف الأكثر أهمية.

أخيرا، تعاريف الفدرالية هذه تملك أيضاً تطبيقات واضحة لتعريف ودراسة الأنظمة الموحدة. حيث رسمت بعض التعاريف المذكورة أعلاه صورة مضللة وغير دقيقة للحكومات الموحدة. مثلاً يقلص تعريف كيليمن الواسع للفدرالية بشكل ثابت وضع الدول التي يمكن اعتبارها موحدة، فقط بسبب عدم إقرار الدول لأي سلطة للحكومات المحلية في هذه الحالة يمكن عدها دولاَ موحدة. بالضبط، وبسبب موجة اللامركزية المتقدمة لم يتم التمييز بين الأنظمة الفدرالية والموحدة حيث تتمتع الآن حكومات محلية في الدول الموحدة بأشكال مهمة من السلطات. في الحقيقة، تعزز الانتخابات على المستويات البلدية والوسطى منح الموظفين المحليين استقلالاً سياسياً أساسياَ عن المركز في الدول الموحدة، كما في حالة بوليفيا وكمبوديا وشيلي والفلبين وجنوب أفريقيا.

العنوان الأصلي للدراسة:
Kent Eaton, "Federalism in Europe and Latin America: Conceptualization, Causes, and Consequences", World Politics 60 (July 2008).

ترجمة: هاشم نعمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صديق
محمد خيري ( 2011 / 2 / 21 - 18:48 )
اخي هاشم اجبني رجاء انا اخوك محمد خيري اين انت


2 - رسالة
د. هاشم نعمة ( 2011 / 2 / 21 - 20:00 )

عزيزي وأخي العزيز محمد
لقد اجبتك فورا ومرتين على ايميلك المثبت في رسالتك الأولى وكانت رسالتي التالي:
أخي العزيز والحبيب جدا محمد
تحية مسائية عطرة
حقا انها مفاجأة سارة غير متوقعة كنت قد بحث عنك كثيرا وأردت أي معلومة تساعدي في الوصول اليك عندما زرت العراق أول مرة عام 2003والثانية عام 2006 والثالثة عام 2008 وفي الزيارة الثانية سألت عن اياد في الزبير من أجل هذه المسألة وزارني في بيت أخي الكبير واستفسرت عن عنوانك أو تلفونك لكنه ليس لديه باستثناء اخباري بوفاة الوالد الكريم الذ ي اعزه جدا
المهم أريد أن اعرف اخباركم المفصلة يا أبا أريج اخبار أم أريج والاولاد والوالدة وكل اخوانك واخواتك أي أخبار كل العائلة والأصدقاء
بالتأكيد عندما أزور العراق سنلتقي وأي لقاء هذا سيكون بعد هذا الفراق الطويل
أرجو أن تبعث تلفونك
مع خالص تقديري
أخوك
هاشم نعمة
16 شباط
ارجو مراسلتي على ايميلي
[email protected]





اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا