الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار العربي والصهيونية والدولة الصهيونية (حوار مع يعقوب ابراهامي)

سلامة كيلة

2010 / 1 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كنت أتابع ما يمكن أن أسميه مناكفات يعقوب ابراهامي التي وجهها إلى الرفيق حسقيل قوجمان، بخصوص الماركسية، واعتبرت بأنها مناكفات "صبيانية" لها غرض غير الحوار الفكري الجاد. ورغم قراءتي لمستمرة لها إلا أنني لم أشعر بضرورة الخوض في حوار لا يبدو أن هناك طائل له، من مثل تناقض لينين مع ماركس، أو ستالينية حسقيل أو ..ألخ.
لكن ما استوقفني هو ميله إلى "فتح معركة" مع اليسار العربي الذي يرفض الصهيونية، ويرفض كذلك منتوجها، أي الدولة الصهيونية. حيث أنه، وتحت ستار تأييد الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لها، يصبّ كل غضبه على هذا اليسار، دفاعاً، ليس عن الدولة الصهيونية فقط بل وكذلك عن الصهيونية ذاتها. ويعتقد، وهو يقوم بهذه "المعركة"، بأنه ينطلق من الماركسية، ليشكك في ماركسية كل من يقف ضد الصهيونية والدولة الصهيونية. ولهذا يقول في مقال أخير ( اليسار العربي و-الكيان الصهيوني-، الحوار المتمدن، العدد 2896 تاريخ 22-1-2010) بأنه "آن الأوان لأن يعيد اليسار العربي نظرته إلى –الصهيونية- وأن يقول رأيه بجرأة، بصراحة وبوضوح: هل كل ما قاله اليسار عن الصهيونية كان صحيحاً؟ هل...هل ..". وهو يتناول العديد من الماركسيين العرب في معركته هذه، غير الرفيق حسقيل، مثل فؤاد النمري ود. عبد الحسين شعبان ود. عمار بكداش، ويتناول أخيراً "بيان" موقع الأفق الاشتراكي (الذي أرأس تحريره).
كما فهمت من خلال "الحوار" مع الرفيق حسقيل بأنه شيوعي عراقي (ولا يهمني هنا الدين الذي ينتمي إليه)، وبالتالي أرى المسخرة التي تطل من كل هذا الموقف. وهذا هو الفارق العميق بينه وبين الرفيق حسقيل. وهو فاق مأساوي، حيث يصدر هذا الموقف عن عربي ولد في العراق وناضل في الحزب الشيوعي العراقي في فترته الزاهية. لكنه تحول إلى مدافع أشد عن الصهيونية.
اليسار العربي مصاب بـ "مرض عضال" هو "معاداة الصهيونية"، وأظن أن هذا من الأمراض الحميدة، لأن الصهيونية هي أيديولوجية عنصرية كما أثبت الإجماع العالمي، وكما يتوضح كل يوم. وبالتالي فهذه من خصال اليسار العربي. وإذا كان يعقوب لا يحب التاريخ فنحن نحب التاريخ، والماركسية تنطلق من الصيرورة التاريخية، حيث لا يوجد شيء الآن إلا نتيجة وضع أسبق. والفهم المادي للتاريخ لا يقتطعه عشوائياً من أجل خدمة فكرة أيديولوجية. لهذا أشير إلى أن فكرة تأسيس "دولة يهودية" في فلسطين نشأت في الأوساط الرأسمالية الأوروبية قبل أن يجري تبنيها من قبل "مثقفين يهود" (نابليون سنة 1799 وبالمرستون سنة 1842)، ومن يتقصى جذور الحركة الصهيونية سوف يجدها بعد سنة 1842. بمعنى أن المشروع الصهيوني هو مشروع رأسمالي أوروبي، كما أشار د. عبد الحسين شعبان في احد مقالاته التي يقرعها يعقوب. وإذا كان من التباس في أواسط القرن العشرين حول ذلك فإن الوثائق التاريخية باتت تكشفه. وهو كذلك واضح إلى الآن من خلال الدور الذي تعلبه الدولة الصهيونية في إطار السيطرة الإمبريالية.
وهذا البحث لا يشير إلى "مؤامرة" كما يشير يعقوب (وهو الأمر الذي بات يستخدم للجم كل تفكير علمي) بل يشير إلى مصالح الرأسمالية الأوروبية في السيطرة على الوطن العربي. وكان من ضمن الرؤى الإستراتيجية شيئان: تقسيم الوطن العربي إلى دويلات، وإقامة حاجز بشري في الوسط منه 0خصوصاً بعد محاولة محمد علي باشا السيطرة على كل المنطقة المحيطة، والتي أثارت لدى الرأسمالية الأوروبية الخوف من تصاعد الشعور القومي العربي. ولهذا لا نستطيع أن نرى الحركة الصهيونية بمعزل عن الرأسمالية الإمبريالية وإلا لا نعود ماركسيين (وأيضاً هذا هو التحليل الماركسي منذ ماركس إلى لينين). لقد اعتبر ماركس بأن "المسألة اليهودية" هي مسألة أوروبية، وأن اليهود هم مواطنون في أممهم، وسيصبحون كذلك حينما تتكرس علمانية الدولة، ولم ينظر غليهم بأنهم "شعب غريب قد من الشرق". وكل الحركة الماركسية كانت ضد الحركة الصهيونية وسياساتها الهادفة إلى "إقامة وطن قومي"، واعتبرت أنها مشروع إمبريالي. وستالين هو الذي قلب المسألة سنة 1947 نتيجة موقف براغماتي يتعلق بسياسات الدولة السوفييتية.
لكن يعقوب يتساءل (إذا كنت قد فهمت تساؤله): "هل الموقف من الصهيونية قبل وصول النازية إلى الحكم في ألمانيا هو نفس الموقف من الصهيونية بعد الكارثة التي حلت بيهود أوربا؟"، لكن هل تغير الكارثة من طبيعة المشروع الصهيوني الذي هو مشروع إمبريالي؟ الهولوكوست كانت الذريعة لتحقيق المشروع الصهيوني رغم تنافيها مع كل منطق، وليس مع المنطق الماركسي فقط. فإذا كان من حق "اليهود" بالعيش دون كوارث فإن هذا الحق لا تستتبع بأن يكون الحل هو على حساب شعب آخر. أميركا كان يمكن أن تستوعبهم، وكذلك فهم لازالوا يعيشون في أوروبا دون خوف. بمعنى أن النازية هي لحظة عابرة في التاريخ (إلا إذا كنا نريد أن نوصم الشعوب الأوروبية بالميل المستحكم إلى التعصب ضد اليهود، وهذا على الأقل منطق لا ماركسي).
لماذا إذن فلسطين التي هي أرض بشعب وليس دون شعب كما عممت الرأسمالية الأوروبية (والانجليزية خصوصاً)؟
طبعاً يعقوب ينطلق من جوهر الرؤية الصهيونية، حيث أن "الصهيونية هي حركة الانتعاش القومي للشعب اليهودي". وبالتالي فهو ينطلق من "عودة اليهود إلى أرض الميعاد"، وهذا يوضح "العمق الماركسي" الذي يتمتع به حيث يتمثل تصور إمبريالي! هل اليهود قومية؟ أو شعب؟ اليهودية دين ولا تخرج عن كونها كذلك، وليس من الممكن تحويلها إلى غير ذلك (كتحويل المسيحية أو الإسلام إلى قومية)، وبالتالي ليست الصهيونية حركة انتعاش قومي بل حركة "تعصب ديني" من حيث الشكل، أتت في سياق المشروع الرأسمالي ولخدمته. وهذه هي سمتها الأساسية (أي ليس سمتها أنها عودة اليهود إلى أرضهم، ولا كونها الحل لإبعادهم عن المآسي التي سببتها لهم الرأسمالية، لتحولهم إلى جيش في خدمتها).
وإذا كان يعقوب قد أشار إلى النازية كتبرير لاستيطان فلسطين، نجده –ربما لكي يهرب من "المنطق التوراتي" كونه يقول بأنه ماركسي- يعود إلى "منطق الماركسية" حيث يشير أنه "في مجرى التطور التاريخي تحولت هذه البلاد ("فلسطين" باللغة العربية، و"إيريص يسرائيل" باللغة العبرية الشقيقة) إلى وطن لشعبين: كابنين لأب واحد وأم واحدة"، ليصل إلى الحل السحري، "لا فلسطين على أنقاض "الدولة الصهيونية" (وهذا ما أشارت إليه ورقة موقع الأفق الاشتراكي)، ولا الدولة اليهودية على أنقاض فلسطين، بل "فلسطين وإسرائيل جنباً إلى جنب".
أولاً، هل فلسطين بالأصل هي "إيريص يسرائيل" أم أنها في "مجرى التطور التاريخي" أصبحت كذلك؟ فإذا كانت هي بالأصل كذلك، نشكر السيد يعقوب الذي تنازل عن بعض"إيريص يسرائيل" من أجل التعايش و"تقدم الحضارة البشرية". أما إذا كان الأمر يتعلق بمجرى التطور التاريخي، أي بما أصبح هو أمر واقع، فربما يمكن النظر بشكل آخر، أي يمكن أن يؤخذ الأمر الواقع بعين الاعتبار. لكن الأمر الواقع هنا هو ليس الدولة الصهيونية بل "الوجود البشري" الذي نتج عن الهجرات اليهودية. بمعنى، أنه إذا لم تكن فلسطين أصلاً هي"إيريص يسرائيل" بل فرضت الأوهام والسياسات الرأسمالية هجرة اليهود، فإن الحل سيكون مختلفاً عن "العرض السخي" الذي قدمه السيد يعقوب. يعقوب يحاول أن يضيع المسألة لهذا نراه يتحدث عن "الانتعاش القومي للشعب اليهودي" ثم يتحدث عن "مجرى التطور التاريخي". لكنه بالأساس يدافع عن الصهيونية التي تأسست على أساس أن فلسطين هي "إيريص يسرائيل". ولهذا شكرناه كثيراً لتنازله عن بعض هذه الأرض للغرباء، رغم أنه يشير إلى أنهما "ابنين لأب"، ويقول بأنهما "أخوين شقيقين".
في التاريخ القديم، نعم. حيث أن العبرانيين هم قبائل كنعانية تبنوا الديانة اليهودية، وبالتالي فهم فلسطينيو اليوم (كما أشار مؤخراً شلومو ساند في كتابه "كيف جرى اختراع الشعب اليهودي؟"). لكن يهود أوروبا هم من "قومية أو قوميات" أخرى، وعلاقة كل هؤلاء بفلسطين أصبحت رمزية (في إطار ديني)، كما هي علاقة المسيحيين بها. وهذا تاريخ أفرز عرباً يدينون بالديانة اليهودية (كما هو يعقوب)، وأفرز يهوداً في أمم أخرى. وبالتالي ليس من حق أصلي هنا إلا لمن ظل يسكن هذه الأرض. وإلا يجب طرد سكان أميركا البيض، أو يجب عودة العرب إلى الأندلس، وهذه خرافات، حيث أفرز "مجرى التطور التاريخي" الوضع الذي كانت عليه فلسطين قبل الهجرات الصهيونية، وإلى سنة 1948. هنا سيكون الحق الأصلي هو للفلسطينيين، وبالتالي فإن الحل الوحيد يجب أن يقوم على هذه الفكرة البديهية. ولأن "مجرى التطور التاريخي" قد أفرز وجود "سكان" جدد (كثير منهم عرب من حقهم السكن في كل الوطن العربي)، فإن الحل العادل يفرض العودة إلى الأصل (أي إلى فلسطين وليس إيريص يسرائيل)، لكن متضمناً هذا الوجود الجديد، الذي هو السلب. هذا هو المنطق الماركسي، وليس من منطق غيره سوى منطق القوة والسيطرة والاحتلال. ولهذا ليس من حل سوى على أنقاض الدولة الصهيونية وكل الأساطير التي قامت على أساسها.
إذن، نقول على أنقاض الدولة الصهيونية، ونعلم بأنه يجب تقديم حل ديمقراطي علماني للمسألة اليهودية التي نشأت نتيجة المصالح الإمبريالية. ولهذا، أيضاً، لا نتعامل مع "اليهود" كما تقولبهم الصهيونية، بل نتعامل من عرب وفرنسيين وألمان وانجليز وإثيوبيين وروس وأوروبيين شرقيين ديانتهم هي اليهودية، ولقد وضعوا، تحت ضغط الرعب الذي سببته النازية، في سياق مشروع تعصبي، طائفي، تحت هدف خلاصهم، لكنه لا يخدم سوى تحويلهم إلى جيش يدافع عن الرأسمال الإمبريالي (أي عن مضطهِديهم). وبالتالي فنحن معنيين بتفكيك هذا المنطق التعصبي الطائفي، وتوضيح بأن دور الدولة الصهيونية هو خدمة الرأسمال الإمبريالي.
لهذا فإن الطابع الإمبريالي للدولة الصهيونية هو الذي يدفعها نحو استمرار التوسع الاستيطاني والسيطرة على الأرض، والقتل المستمر للشعب الفلسطيني، والحصار المميت، وتدمير البنى الاقتصادية. حيث أن المطلوب بالنسبة لها ليس تحقيق حل يعطي الفلسطينيين شيئاً ما (غير الإدارة الذاتية لكانتونات)، كما يتوهم يعقوب وقطاع من "اليسار" (الذي، خلافاً ليعقوب، يرفض الصهيونية)، بل أن المطلوب هو السيطرة، السيطرة الإمبريالية، انطلاقاً من فلسطين كلها، على المنطقة العربية، في إطار السيطرة الإمبريالية على كل الوطن العربي.
إن تجاوز هذا الطابع للدولة الصهيونية، من قبل "اليهود"، هو أمر أساسي للتعايش. لكن ذلك يعني تجاوز الدولة الصهيونية. من هنا يجب على "اليهود" أن يكونوا ضد هذا الدور الإمبريالي الذي هو جوهر دولتهم، وبالتالي أن يكونوا ضد دولتهم بالذات، من أجل أن يتأسس مستقبل مشترك في الإطار العربي.
أكمل، بأن الماركسي هو ليس من يتبنى المشروع السياسي لعدوه الطبقي، بل الذي يحارب هذا المشروع، لكنه كذلك يجد الحلول للمشكلات التي أوجدها. بالتالي ليست مهمة الماركسي الدفاع عن الصهيونية، ولا عن السيطرة والاحتلال، وإحلال بشر بدل السكان الأصليين، بل أن مهمته تتحدد في إزالة الظلم والاضطهاد، والصراع ضد الرأسمالية ومشاريعها وسياساتها. ويعقوب يفعل العكس...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليسار العربي والصهيونية
د. نصري قمصية ( 2010 / 1 / 24 - 06:33 )
التحليل سليم ومنطقي .القيادات الفلسطينية تجاهلت معنى المشروع الصهيوني كمشروع استعماري امبريالي احلالي تهجيري ,ولهذا فهي تتخبط بالفكر البراغماتي الفاشل و تطلب الى الراعي الحقيقي للصهيونية ايجاد الحلول لمشروعها الفلسطيني المعترف بالواقع الجغرافي والسياسي للحركة الصهيونية , في الوقت الذي يتابع المشروع الصهيوني ,بموافقة الراعي له طبعا , في الإستمرار في تطبيق مشروعه الإستعماري : مزيدا من الإستيطان , مزيدا من مصادرة الإراضي الباقية للفلسطينيين , مزيدا من بناء جدران الفصل العنصري , مزيدا من الهجرة اليهودية الى فلسطين , والهجرة الفلسطينية من فلسطين .
لو تمنطق العرب والفلسطينيون بالفهم الصحيح للفكر الصهيوني لاختلفت الصورة تماما . لكن امة تفكر بارحامها لا بعقولها لا يتوقع المرء منها خيرا


2 - عندما تتنكر الصهيونية في ثوب يساري
رفيق حاتم رفيق ( 2010 / 1 / 25 - 19:10 )
امثال يعقوب يعتقدون ان اليسار العربي لقمة سائغة يمكن التهامها دون عناء حتى لو تعلق الامر بتزوير القضايا و قلب الحقائق ، فالصهيونية التي اعتبرتها حتى منظمة الامم المتحدة حركة عنصرية اصبحت بقدرة يعقوب النظرية الخارقة تنقسم الى يمين و يسار و اللوم كل اللوم على اليسار العربي الذي لم يدرك بعد هذه الحقيقة الدامغة ، امام هذا الاستخفاف على اليسار العربي تحصين خطوطه الدفاعية ضد الهجمات التي تكاثرت فبين الظلامية الاسلامية و الليبرالية و اخيرا الصهيونية المتخفية هناك خيط رابط لا تخطئه العين

اخر الافلام

.. اليمين المتطرف في فرنسا يعتزم منع مزدوجي الجنسية من شغل مناص


.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح




.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال


.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي




.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين