الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بودلير الشاعر الكبيرالذي لم ينصفة زمانه

قاسم محمد مجيد الساعدي
(Qassim M.mjeed Alsaady)

2010 / 1 / 23
الادب والفن



ليس بحثا في سيرة الشاعر الفرنسي ( شارل بودلير -1821-1867) و لحياته القصيرة
المنهكة بشتى الإمراض والعلل والتشرد والفوضى وغرابه أطوار صاحبها والتي قال عنها (لقد أحسست منذ طفولتي باحساسين متناقصين بنفور من الحياة وبنشوة من الحياة )
من فيض هذا الإحساس المزدوج والمتناقض خرجت قصائد شاعر الحداثة في الشعر العالمي ويعتقد الكثيرون أن مجده الشعري مستمد من ديوانه الشهير (أزهار الشر ) والذي جاء يوم صدوره في الخامس والعشرين من يونيو 1857 كحدث استثنائي في طريقة استقباله من خلال الردود العنيفة الغاضبة والمستهجنة لتلك الإشعار ووصفوا الذين فاتهم أن يتعرفوا على الخصائص الحقيقية لذلك الفن الأصيل بأن يطلقوا على قصائد الديوان بأنها مستشفى مفتوح لمن إصابته لوثه في عقله !! وان تلك الازهارلايشم منها سوى الروائح النتنة وإنها ذابلة وفيها فقر فكري مدقع وانتقد آخرون غرابة الصور الشعرية واعتبروها عسيرة الفهم لأغلب القراء بل وشمل ذلك كبار النقاد من أمثال الناقد ( سانت بيف) الذي لم يفطن إلى أن تلك القصائد امتلكت وعيا متقدما تجاوز الهيمنة السائدة للمذهب الرومانسي آنذاك ..
وقد تجلت عبقرية بودلير في أن يطلق لخياله الجامح أن يسرد مصائبه وهمومه وبغضه وحزنه وضجرة في قصائد مثل ( النبيذ القاتل – موت المساكين –القبر- نشيد الجمال - تجاوبات ) واصفا ديوانه بأنه مثل له ( كل بغض وتقزز من عالم قاسي وأثم )
هذه المعركة المباغتة خلقت أجواءها المرعبة لتغرق بودلير في موجة من الكآبة وخصوصا" أن الحملة انطلقت ضده تحت لافته تتهم بودلير بأن إنتاجه الأدبي يصدر من وحي شيطاني
يقود المعركة في الظل وزير الداخلية ( بيو ) والذي منع نشر أية مقاله تدافع عن المزايا الفنية والأخلاقية لأزهار الشر ولم يكتفي بذلك بل رفع ملفا إلى القضاء لمحاكمه بودلير والناشر بتهمتان هما الاساءه إلى الأخلاق الدينية والثانية هي الاساءه إلى الأخلاق العامة!!
وهما ذريعتان طالما تشبثت يهما سلطات الاستبداد والقهر السياسي على مر العصور !!
وحدد يوم( 25- يونيو-1875) موعدا للجلسة ..كانت أياما تضخم فيه قلقه على قصائده التي كتبها بأناة وصبر وهي أيضا" شهادة الإثبات الحقيقي لشاعريته المميزة ووجوده الأدبي ... بودلير المشهور بالتهور والاندفاع الجري سارع قبل المثول إمام قضاة المحكمة ليتأمل وجوه القضاة الذي قال عنهم في إحدى رسائله ( لن أقول أن بهم وسامة فهم دميمون إلى حد التقزز ولابد أن نفوسهم تشبه وجوههم ) لكن هؤلاء القضاة قرروا تبرئه بودلير من تلك التهمتان والاكتفاء بحذف ستة من قصائد الديوان لاحتواء مفرداتها على عبارات تخدش الحياء العام ومثيرة للغرائز الجنسية وكذلك الحكم بغرامه ماليه
لقد خرج بودلير من ذلك الجدل العقيم وهو أكثر تفاؤلا في مستقبله الشعري الذي سيشق طريقه يوما ما إلى جمهوره المثقف والذي سيتلذذ بتلك الإشعار ويتعرف على حجم الألم والمعاناة التي صورها في تلك الباقة من الازهارخصوصا" إن رسالة الكاتب الكبير( فكتور هيجو) أحدثت دويها الكبير وصداها في نفس الشاعر لترن بأجراسها ملء قلبه في تلك الكلمات الخالدة (انك برهنت إن الفن كالسماء مجاله لاينتهي )
لكن بودلير مثل قصائده لايريد أن يخرج من هوته السوداء وكآبته ويأسه من الحياة .. بودلير الذي وصف بخالق الانتفاضة الجديدة في الشعر والذي كان من أكثر الشعراء الذين نالتهم معاول الإجحاف والإنكار لعبقريته عاش منبوذا في مجتمعه والموت يتربص به بعد إن حطم المرض أخر جدار مقاومته فلم ينتظر تكريمه فيضمه إليه سريعا بلا رجعة
مات شاعر الألم وفي نفسه ابتأس وحزن من الإحياء

مقاطع من قصائد ديوان أزهار الشر
نشيد الجمال )) ))

((انك تحوي في عينيك الغروب والشروق --- وتنشر العطور كأمسية عاصفة -- قبلاتك رحيق وفمك أنية --- تجعل من البطل جبانا ومن الطفل شجاعا --- أتخرج من الهوة السوداء أم تهبط من الكواكب ---- القدر المفتون يتشمم ثيابك كالكلب ))
موت المساكين )) ))
أن الموت هو الذي يواسي واحسرتاه والذي يتيح الحياة --- انه هدف الحياة والأمل الوحيد – الذي كالإكسير يدب فينا ويسكرنا ويمنحنا الشجاعة على المسير حتى المساء -- انه وسط العاصفة والثلج والصقيع --- والضوء المتلآلىء في أفقنا الأسود--- والحنان الشهير المذكور في الكتاب--- حيث يستطيع الإنسان أن يأكل ويرقد وينام--- انه الملاك الذي يحمل بين أصابعه المغناطيسية ---النعاس والقدرة على الأحلام العميقة-- والذي يهيئ من جديد أسرة المساكين والعراة --- انه مجد الالهه ؛ وقمة التصوف --- انه معاش المسكين ووطنه القديم انه الرواق المؤدي الى السماوات المجهولة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل