الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العذائي وعادات تناول الطعام إلى متى ؟!

راوية رياض الصمادي

2010 / 1 / 23
الطب , والعلوم


إذا كان لديك جهاز تلفزيون، فلا شك أنك قد شاهدت يوماً هذا السيناريو الأميركي المألوف: أفراد العائلة مجتمعون حول مائدة الفطور، وأطباقهم مملوءة بالبيض واللحم المملح أو المقدد وبالنقانق، وربما أيضاً بشرائح اللحم المعدة خصيصاً للفطور، مع كمية كبيرة من الفطائر المحلاة. إلى جانب زجاجة من شراب القيقب وعلبة من الزبدة أو المارغارين، بالإضافة إلى كوب ضخم من الحليب الكامل الدسم، وكوب صغير من عصير البرتقال، يقفان كحارسين إلى جانب كل طبق. بينما تقوم الأم، بشعرها المصفف وابتسامتها المشرقة، بخدمة الجميع وحثهم على إنهاء فطورهم "المغذي" الذي يعتبر " الوجبة الأهم" خلال اليوم.
إن المرء ليتساءل: من أين جاء الأميركيون بتلك الفكرة التي تعتبر أن البيض واللحمة يشكلان وجبة صحية على الفطور؟ وماذا بالنسبة للعشاء؟ كان العشاء المثالي للأميركيين خلال الخمسينيات والستينيات عبارة عن قطعة ضخمة من اللحمة والبطاطا المشوية مع الزبدة والكريمة الحامضة Sour cream إلى جانب كمية من الخبز الأبيض والزبدة، وصحن صغير من أوراق الخس الأبيض مع بضع شرائح من الجزر، أو بضع ملاعق من الخضار المطهوة بإفراط والمشبعة بالملح والزبدة. وكنا جميعاً نعتقد أن هذا النوع من "الطعام المنزلي" يجعلنا نتمتع بالقوة والصحة، أليس كذلك؟ ولا داعي للإشارة إلى أننا تعودنا على هذه المأكولات السهلة التحضير.
إذاً، لم بحق الله، قد نرغب بالتحول إلى الفطور البسيط المكون من الحبوب الكاملة والفواكه، أو العشاء المكون من السلطات وشوربة الخضار، والأفظع من هذا، أن نتناول طعامنا دون إضافة الكريمة أو الزبدة لكي تساعدنا على ابتلاعه؟ لم قد نرغب بتناول الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة بينما الخبز الأبيض النقي متوفر بأسعار زهيدة وجاهز تحت الطلب؟ ولم قد نضحي بطبق كبير من الآيس كريم أو بشريحة من الكيك أو حتى بقطعة من فطيرة التفاح كتحلية لنكتفي بصحن من الفاكهة؟
من جهة أخرى، لم قد نرغب باتباع طريقة الأكل التي جعلت من أميركا واحدة من الدول التي تبلغ فيها نسبة الإصابة السنوية بالنوبات القلبية من أعلى النسب في العالم؟ وما الذي يؤكد لنا أن الطعام الذي تحضره أمهاتنا في المنزل ليس مضراً ولا يسبب لنا المرض؟
مما يدعو للسخرية، أن الأميركيين الذين كانوا ينعمون برخاء اقتصادي في الخمسينيات، كانوا يتناولون بنهم كميات كبيرة من الدهون في طعامهم احتفالاً بازدهارهم. فيما كانت شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط، في الفترة عينها، تعيش في مناطق أقل رخاء وتخصص ميزانيات منخفضة لطعامها. هذه الشعوب كانت تعتمد أحد أفضل الأنظمة الغذائية في العالم أجمع، بحسب الأبحاث العلمية اليوم.
اليوم، وفيما يكافح الأميركيون للحفاظ على صحة شرايينهم أو الشفاء من الأمراض التي لحقت بها، يلجأون إلى أحداث الدراسات للأسترشاد بها. وهذه الدراسات تشير أكثر فأكثر إلى المطبخ التقليدي للطبقات العاملة في منطقة حوض المتوسط، كما كان في الخمسينيات والسيتينيات وما قبلها. فالتقدم قد يعني في بعض الأحيان، الألتفات إلى الوراء .. وفي حالتنا هذه، إلى قارة أخرى.
تكمن المشكلة في أن الأميركيين يحبون طعامهم، وهم لا يتبنون بسرعة أي برنامج أو دليل أو نصيحة تحرمهم من طعامهم المفضل: الهمبرغر والبطاطا المقلية. هذا ما يجعل الحمية التقليدية المتوسطية تستحق التدقيق فيها لمرة أو ثلاث ... بل يومياً.
ما الذي يميز الحمية التقليدية المتوسطية؟ ولم كان الباحثون شديدي الأهتمام، خلال السنوات الأربعين الماضية، بالعادات الغذائية التقليدية لشعوب المتوسط؟ ألم تصبح تلك العادات التي تعود لسنوات خلت قديمة الطراز، فيما تملأ المنتجات الغذائية الحديثة العهد رفوف السوبر ماركت عندنا؟ أليس التطور هو الأساس والغاية؟ ثم إن هذه الأصناف المجلدة المعدة للعشاء ليست سيئة الطعم ...
العصر الذهبي للتغذية، في السنوات الأولى من القرن العشرين، كان علم التغذية لا يزال في بداياته، إلا أنه تطور بسرعة. حيث شهدنا تقدماً ملموساً ومثيراً في مجال المعلومات المتعلقة بالتغذية بين عامي 1910 و 1960، وتحديداً بعد أكتشاف عناصر غذائية معينة وعلاقتها العضوية الكيميائية بالصحة البشرية. فما هو المطلوب للحفاظ على الصحة والنمو السليم والتكاثر؟ هذا ما كان يشغل بال علماء التغذية في تلك الأيام.
خلال تلك الحقبة، أدرك العلماء أن النقص الحاد في الفيتامين C يسبب داء الحفر ومن أعراضه تورم اللثة ونزف الدم منها. وأن النقص الحاد في الفيتامين A يسبب العمى الليلي. والنقص الحاد في الفيتامين D يؤدي إلى الكساح عند الأطفال، والنقص في الفيتامين B2 يؤدي إلى مرض البربري الذي يصحبه ضعف وهزال. والنقص في النياسين أو الفيتامين B3 يؤدي إلى مرض الحصاف الذي يظهر على شكل اضطرابات في الجهازين الهضمي والعصبي. أما النقص في الكالسيوم فيعيق النمو عند الأطفال ويسبب ترقق العظام لاحقاً. والنقص في الحديد يسبب فقر الدم، أما النقص في اليود فيؤدي إلى تضخم الغدة الدرقية. والنقص في الزنك يؤدي إلى إعاقة النمو عند الأطفال.
كان ظهور الصناعة الغذائية هو التطور الثاني من حيث الأهمية بعد الحرب. فالصناعة الغذائية: المعلبات والأطعمة المجففة وغيرها من الأصناف الموضبة بطرق تؤمن الراحة للمستهلك ... كل ذلك يعد ظاهرة حديثة نسبياً. إن المأكولات المصنعة والمعلبة والمدعمة غالباً ببعض العناصر الغذائية، بدت الطريقة الأقل كلفة والأكثر فعالية لتأمين الغذاء للجماهير. ولأن الجو السائد كان يشدد على الحاجة إلى تزويد الجسم بالسعرات الحرارية وكافة العناصر الغذائية الضرورية (لتجنب التقزم أو الإعاقة في النمو مثلاً، أو حدوث عدد من المشاكل الصحية الأخرى) كانت المنتجات والإبتكارات في مجال التصنيع الغذائي للأطعمة الجاهزة، بمثابة ثورة في عالم التغذية وما دامت هذه المنتوجات تحتوي على السعرات الحرارية والعناصر الغذائية المطلوبة، فلا أحد يهتم بما تحويه من مكونات سواء كانت هذه المكونات كميات مفرطة من الدهون المشبعة والسكر أو مواد حافظة أو مواد تم تكريرها بإفراط، إلى ما هنالك ... كانت هذه المنتوجات توزع بسهولة وتدوم لوقت طويل، كما أنها تبدو طريقة فعالة للحصول على الطاقة بالنسبة للجماهير العريضة، وقد أيدها معظم المتخصصين في مجال التغذية في ذلك الوقت.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحة العالمية: وقود مستشفيات جنوب غزة يكفي 3 أيام فقط


.. سوريا.. ارتفاع أسعار أدوية علاج الثلاسيميا يزيد من معاناة ال




.. كامل الفراج: السمنة والسكري من بين مسببات مرض الزهايمر بالمن


.. كامل الفراج: الإصابات الدماغية بمرحلة مبكرة من العمر تساهم ف




.. إبراهيم الثبيتي العتيبي: زرع الشرائح الإلكترونية بالدماغ خيا