الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


و ها أنا أنساك . .

غادة السمان

2010 / 1 / 24
الادب والفن




ها أنا أنساك ...
أدمر هيكل الذكرى علي وعليك ..
وأترك جثة الذاكرة مشلوحة
لصقور الزمن تنهشها وتأتي عليها ..
وأصنع من سواد عينيك
حبرا لسطوري المتوحشة .

***
مرة ،
كان حبك ،
وكان حبك شراع مركب الفرح العتيق
ورحيلاً من نهر الظلمات والدم
الى جزر الدهشة وصحو مطر النجوم .
مرة ،
حبك كان عبارة "ممنوع المرور" في وجه قاطرة الحزن ،
حبك
رغيفي في قحط التكرار والسأم ...

***
كان حبنا وعلاً جميلاً ، كالحرية ،
راكضاً كسهم افريقي ملون ،
لكنه حين دخل غابة الشكوك والنزق
علق قرناه في أغصان الحزن الكثيفة .
ورغم كل المرارة التي ما يزال طعمها في فمي
كالدم إثر لكمة متفجرة ،
كانت هنالك لحظات في حبنا ،
لحظات مضيئة عانقنا فيها الطفولة ،
والفرح . الفرح . الفرح .

***
ومرت أيام ...
صار بيتنا الزلزال ،
واستحال حبنا إلى "هاراكيري" يومية ، ورسائلنا الى مجزرة ،
وصار حوارنا جلداً متبادلاً بصواعق اللؤم ،
وصار صوتك يخرج إلي من الهاتف
مثل لسان أفعى تسكن سماعته ! ..
يلدغني ،
واغفر ... على أمل ان تشاركني ثقل الليل على صدري ...
وثقل الكرة الأرضية فوق رأسي ...

***
واذكر أيامنا :
مقهى وديعاً أكل البحر أطراف أعمدته ...
يهزه صفير قطارات الوداع المتلاحقة ، حين جاء صفير قطارنا
كان لا مفر ،
ودعنا المقهى بصمت ، ودعنا الدرج العتيق بصمت ،
ورحلنا عن ذلك الربيع البحري .
وفرغت الصدفة من لؤلؤتها وشرارتها
وملأها الرمل والضجر والثرثرة الدامعة .

***
أتمدد على سريري ،
وأتوهم أنني نمت .
وحين يغرق في النوم قناعي
يستيقظ قلبي العاري ،
يهرب مني راكضاً في الشوارع
كزعيق سيارة الاسعاف
يركض قلبي العاري معولاً ،
مطلقاً ساقي البكاء للريح
ويغلق سكان الحي نوافذهم
ويشتمون صوت العاصفة ...
إنهم لا يعرفون ان العاصفة هي غبار القلوب المنطفئة ...
إن العاصفة هي صوت قلب لم يُثأر له !..
إن العاصفة هي صوت بكاء قلب ،
بدأ ينسى ، ينسى ، ينسى ،
وهو لا يريد أن ينسى .

***
لا تقل لي "ماضينا" معاً ، و"مستقبلنا" ...
ها أنا أنساك ...
وحبيبي اسمه "الآن" .
"البارحة" و "الغد" كلمتان
أطلقت عليهما الرصاص ،
ولن أهاجر الى الماضي لأعيش بك ،
فالهجرة الى الماضي كمحاولة الاقامة في قارة الاتلنطيد
التي ابتلعها البحر منذ دهور ...
والهجرة الى المستقبل موعد غرامي فوق سهول القمر في "بحر الهدوء" عام 2020!
الآن ،
او ابداً ...
وها أنا أنساك ...
__________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
عبد العزيز الحيدر ( 2010 / 1 / 24 - 09:28 )
ما زلت رشيقة المفردات
ما زلت طفلة الغابة والساحل
ما زال حبل طائرة الورق الملون بيدك
عذبة ايقاعات خطوك... في ممرات الزمن البلورية
من الكابوس الى المهرجان
من السواد الى قوس قزح
مازلت انت ...انت
مطرا من صور ممراحة
سمفونية من ايقاعات اللون والصدى
تحياتي لك في كل المواسم


2 - رائع
monsef ( 2010 / 1 / 24 - 18:41 )
رائعة هذه الدمشقية


3 - اليك
alsaid ( 2010 / 1 / 26 - 06:22 )
لقد زلزلتى الروح والكيان
وملكتى العقل والبنان
وتسللتى بين الضلوع
لتحتلى الحصون والقلوع
بشهوة القاهر المغوار
ارفعى رايتك على الاسوار
كا منتصرا جار
وها انا ارفع رايه
السلم والثوار

اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح