الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قصة قصيرة / السّبحة
حسين سليم
(Hussain Saleem)
2010 / 1 / 24
الادب والفن
" تربة الوطن تخصب الخيال.
الذاكرة تخصبها تربة المنفى ."
فوزي كريم
( مدينة النحاس)
"اذهب " ام " لا اذهب "
الليلة أنا حزين ، تسكنني الغربة الشرقية ، تمطر السماء جمرا على قلبي ، تحفر فيه ثقوبا .
فركت السّبحة بين يديّ ، ثم مسكت بعضا منها ،وبدات اسحب خرزة خرزة،/ الواحد ، الاحد ،.../ واحدة من جهة اليد اليمنى ، وكذا بتوؤدة اخرى من طرف اليد اليسرى مردداً : "اذهب " " لااذهب " حتى بقيت خرزة واحدة وهي من نصيب "لا اذهب"، وعدت مرّة اخرى اعد "اذهب " " لااذهب" ، بقيت خرزة واحدة من نصيب "اذهب"، اذن علي ان اعيد العملية مرّة ثالثة ، وهي الاخيرة لغرض كسر التعادل "اذهب " "لااذهب " فكانت النتيجة هي ان اذهب .
ولكن ، أين اذهب؟
"إلى الحانة " قال الذين اوجعتهم الايام . وقلت " حيث لا يوجد فقيرفيها ولا غني، الجيب واحد،واللغة واحدة ". دخلت بابها ، حد فاصل بين عالم متواري وأخر مكشوف. احتل كرسيا لمنضدة بأربعة كراسي . الوقت يمضي في ( حانة السلام ) . الزبائن بين داخل وخارج ، وانا وحدي مع سّبحتي والخمر. احدق بالوجوه ، لعلني اعرف احدا. انسابت على خديّ دمعات خجولة . كنت اسمع صدى صوت خرزات السّبحة ، وهي تتعاقب بين أصابع يدي ، ساهيا ، قبل أن يبدده صوت مخمور .عيناي شخصت الى الباب حين وقفت سّبحة حمراء عند مدخله . تقدمت داخل الصالة ، ينعكس الضوء الخفيف عليها ، فتصدر لمعانا ، كأنها سّبحتي ، ذات الحجم ، صافية اللون ! ولو لم تكن سّبحتي في يدي لقلت انها هي. وكنت وحدي اراها ،تخترق الاجساد ، تظهر باشكال هندسية وهلامية ، تمر بين المناضد ، تحلق في فضاء الصالة ، تسحب خلفها حزمة ضوئية ،استقرت أمامي . دعكت عينيّ في غمرة تساؤلات الدهشة حين تشكلت عن وجه اعرفه. قلت له : يا صاحب اللون الواحد! ألا تعرفني ؟ لم يجب ، حدق بي ، ومضى. فقلت : ايتها السّبحة الحمراء ! الا تعرفينني ؟ لوت عنقها وانحنت ثم تحركت الى الجهة الاخرى. وقفت ، ناديت عليه مرّة أخرى : يا صاحب اللون الواحد !يا صاحب السّبحة الحمراء! الم تعرفني ؟ لم يجب ، لم يحدق ، ابتسم ومضى ، ومضت هي .عدت الى مقعدي ، سمعت احد الزبائن يقول : "كثَرالاخ" لكنهاعادت بعد حين،استدارت حول طاولتي ثم رمت ظله على احد الكراسي بجواري . وبقينا لحظات نتبادل التحديق وفي جعبة كل منا اسئلة لاتنتهي . قلت له :اين أنت يا صاحبي ؟ ايها البغدادي الجميل !اجاب : انا في عالم اخر لا يشبه عالميك المتواري والمكشوف . عالم فيه كل شئ عاري،نقف فيه صفا ، كل واحد منا ياخذ حسبته ، ما اودع وما اخذ ، ماله وما عليه / الولي، الحسيب،الحق ، الحكيم ،.../ وانت ؟ عدت قبل ايام .كانت خرزات السّبحة التي في يدي تتسارع، وحين وصلت الخرزة الخمسين ، تشكلت السّبحة التي امامي عن امرأة عارية ، تضع فخذيها الواحدة فوق الاخرى .سرت في بدني رعشة ، وراحت يدي الى ما بين فخذي لا اراديا . دلقت الكاس الى جوفي ، ونفثت دخان سيجارتي "الله يارب!الجبار، القوي ، القادر ، القدير ،المجيب، ...هذا عبدك في الخمسين يحلم برائحة امرأة حب صادق لليلة واحدة " وبعد النشوة المبرقة ، ومن حيث لا ادري، عادت يدي الى الخرزات الاولى تحسب من جديد وصوتها يرن في مسامعي ، كأيقاع متزامن ، يتداخل مع صوت احد السكارى " حلاوة ليل محروكة حرك روحي .." اذ تسمرت اصابعي على الخرزة الخامسة ، السادسة ام الثامنة لا اذكر بالتحديد عندما ظهرت المدفئة النفطية القديمة الى جوار الطشت النحاسي في حجرتنا الوحيدة ، يومذاك كانت امي تسد كواء الحجرة بخرق قماش ومخلفات ورق مقوى وجرائد قديمة كي تمنع تسرب الهواء البارد حيثما ننعم بدفئ الحمام الاسبوعي يوم الجمعة / الرحيم، الرازق ، المعطي،../ وبعد ان وصلت الخرزة الثامنة عشرة ، برزت خوذة عسكرية في بركة من الدماء /كانت سنوات الحرب المدمرة قد اكلت ايامي/ تسارعت ثمان خرزات بين اصابع يدي ، اضفت لها ثلاث خرزات للخدمة الالزامية . كانت السبحة تزداد احمرارا /الجبار ،العظيم، المسيطر،.../ثمة كتابات مختلفة ومقولات مأثورة ،يغطيها ظلال الضوء المنعكس على السّبحة ، اشياء جامدة وحية تظهرشاحبة الالوان وصور وجوه اعرفها قد تحولات تقاسيمها الى شكل دولارات خضراء واخرى افتقدها. /العاطي ، الوافي ،.../ لكن صورة "المحروق اصبعه" في قدر مسود قد احتلت المساحة التي تشكلت عن مربع من الخرزات / ومن ثم بصقت الحصار دما / لا اذكر بالضبط عدد السنوات . رحت اعدها على الخرز احدى عشرة ام ثلاث عشرة سنة! كانت حبات المسّبحة تتوالى ببطء حتى توترت عضلات بدني من رؤية القضبان التي كونتها امامي / حملت يا صاحبي السجن دهرا على ظهري / كانت هناك اسلاك كثيرة ، رايت وجه ابي من خلالها يطلق العصافير من قفصها وهويقول:" العصافير لا تعيش في الاقفاص" / وانا.. ادمى المنفى قلبي/ ويوم جاء الفرح ، غادرته / ويومذاك قال لي: ثوب الاعارة لايجلب الدفئ ياولدي / لكنني هنا اشعر بالبرد ايضا ياأبي !/ كان ينظر الي بأسى واخر ما قاله " سيقتلك نقاؤك يا صاحبي كما قتلني " تناثرت خرزات السّبحة من يدي متباعدة ، حين قال لي نادل البار ، الوقت انتهى . فتحت عينيّ المدمعتين ، نظرت في وجه النادل المضبب مستغربا، كنت عطشا ، فاحسست بطعم مالح بين شفتي ، مددت يدي امسح الدمع النازل. نظرت يمينا ويسارا فلم ارالسّبحة الحمراء ولا ظل صاحبي . نهضت بصعوبة اجمع الخرزات . كنت كمن يحاول جمع الماء بيده ، وكلما جمعت بعضا منها تناثرالبعض الاخر ، كنت اردد بعضا مما قيل بيننا . استطعت جمعها في المرة الأخيرة على شكل كوم خرزات دون خيط أو (شاهود) . كانت ممزوجة بدم احمر ، اجهل مصدره ، هل هوالدم النازل من ثقوب قلبي ام من الشارع الملغوم دوما . اودعتها جيبي ومضيت مرة اخرى الى العالم المتواري ،فيما كنت اسمع صوت السكير التعب يصل الى مسامعي واهنا "..وعتبها هواي ما يخلص عتب روحي ،.."
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مهرجان مراكش السينمائي الدولي يستضيف الممثل والمخرج شون بن ف
.. تزاحم شديد حول عامر خان بمهرجان البحر الأحمر ونجم بوليوود يع
.. نسخة جديدة من بطولة ون للفنون القتالية تقام بصالة لوسيل للأل
.. بيشتغل دوبلاج تركي.. أحمد أسامة فنان متعدد ??
.. ما بين الصيدلة والتمثيل.. رحلة مريم كرم صيدلانية وممثلة