الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنت في ليبيا

عبد العزيز محمد المعموري

2010 / 1 / 25
سيرة ذاتية



كتابة المذكرات فن غريب على الأدب العربي ، كما أظن ، وربما ينظر إليه محترفو الكتابة ، كفن غير جدير بالحفاوة والاهتمام .
وقد علمنا عليه أخيرا أدباء ومفكرو الغرب ورجال سياساتهم وحزبها جزاهم الله عنا كل خير .
اما نحن ، فاذا اردنا ان نتذكر ماضينا على طريقة المثل الشعبي ( اذا ضامج الضيم تذكري ايام عرسج ) فاننا نسترجع الماضي بضبابية لا تظهر اكثر من نصف الحقائق ! ولذا تجد الكثير من العراقيين لايعرفون ايام ولا سني مولدهم ...
ولهذا لازلنا نعاني من مصداقية احداث كتب السيرة النبوية التي كتبت على اسلوب الذكريات لا المذكرات ، وبطريقة العنعنة التي اثبتت الدراسات التاريخية الموثوقة ان اكثر رواة الاحاديث فاقدون لبطاقة السكن وهوية الاحوال المدنية !
ومن جملة الاف الاحاديث التي ضمتها الموطان المحترفة لم يرتح المجتهد الكبير او حنيفة النعمان الا لبضع مئات .
اليست دراسة التاريخ بهذه الصورة لاستخراج ما فيه من حكم وعبر عيباً منهجياً من عيوبنا ؟
ان حاضرنا الذي غادرناه منذ سنوات قليلة او اشهر لانكاد نتبين ملامحه ، ونتجادل حد المشادات على ذكر هذا الحادث او ذاك .. فكيف يتسنى لنا دراسة احداث مر عليها مئات السنين ؟
ايها الناس ، ايها المثقفون : ان تدوين الحوادث في اوقاتها ، افضل وسيلة لتثبيت الحقائق ، وان الحياة اليوم زاخرة بالقضايا التي تستوقف المفكر ، وتستدعي دراسة الواقع بتأن وموضوعية وبلادنا العربية رغم الشعار الذي كنا نتغنى به :
بلاد العرب اوطاني ........ من الشام لبغدان
عالم يعج بالعجائب والغرائب ، والسلوك اللامنطقي ، والسنوات العجاف الاخيرة من عهد البعث الفاشي ، والقائد الضرورة ، دفعت بعشرات الالاف من الشباب العراقي المتعلم لمغادرة الوطن بحثا عن لقمة العيش الكريم ، او استنشاقا لعبير دو غير ملوث. اوليس مفيداً ان يكتب ابناؤنا تجاربهم كمذكرات او ذكريات خاصة في ثلاثة بلدان عربية هي : ليبيا ، اليمن ، الاردن لكي نراجع منطلقاتنا وثوابتنا الفكرية لتفحص مواطن الخلل في معتقداتنا !
هذه هي البلدان الثلاثة التي استقطبت المدرسين العراقيين في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ، فهل تجرأ احد ابنائنا المدرسين واخرج لنا كتاباً او كراساً او سلسلة مقالات عن بلد قضي فيه اكثر من عام ؟ لماذا يكتب انيس منصور مثلاً كتاباً ممتعاً يسمى مائة يوم حوال العالم يتلقفه القراء للمتعة والفائدة ولايستطيع مدرس عراقي ان يكتب ( ايام في ليبيا ) أو ( كنت في اليمن ) او ( مشاهداتي في الاردن ) مثلاً انع تقصير غير مسموح به !
وسأحاول انا الذي لم اغادر حدود العراق ان اكتب على لسان واحد من ولدي عمل استاذا في كلية التربية في الجماهيرية الديمقراطية الشعبية الليبية !!! نسيت العظمى
يقول ولدي :
لقد كان هذا الام اسوأ فترة من حياتي ، لقد كرهت كل ما يمت الى ليبيا بسبب الحكومة والشعب والشعارات الجوفاء والطبول الفارغة ..
فـي اليوم الاول توجهت الى المدينة التي تقع فيها كليتي فأحسست بأني بحاجة الى حزام ، فعرجت على اقرب مخزن وحييت صاحبه ولكنه ابى ان يرد التحية ، سألته اذا كان لديه حزام ، قال : الحزم معلقة قربك فاختر ما يناسبك " وكان صاحب المحل منبطحاً على بساط وسط دكانه ولم يكن الوحيد على هذه الشاكلة مما يشير الى ان اصحاب المحلات لا يستطيعون الوقوف في صدر محلاتهم لتناولهم نوعاً من المخلص، المخدرات والله اعلم !
قلت له : لايوجد واحد على مقاسي ، هل لديك حجم اكبر ؟ نظر إلي باشمئزاز قائلاً : لقد نفخت كرشك الدولارات الليبية ؟ ليس لك حزام عندنا ، قلت : اتق الله يارجل فانا قادم من العراق اليوم ، واذا كنت احمل كرشاً فقد جلبته من العراق ، اما الدولارات الليبية التي تعيرني بها فلا تمنح لنا الا بعد ثمانية اشهر وبعد ان يستقطع منها ما لم نسمع به من قبل في بلادنا .
قلت لولدي : لماذا لم تكتبوا وتنشروا هذه التصرفات لغرض معالجتها ؟.
قال : اذكر اذكر لك حادثاً آخر في ليبيا العروبة والاصالة والاسلام : بعد سماع اذان المغرب توجهت الى اقرب جامع لاداء الصلاة ، وما ان اصبحت في الباب واذا بملتح يزاحمني ويضربني بعكسه قائلا: وسع ياغريب ! قلت : المكان واسع يا أخي ومن قال لك اني غريب ؟ فانا عربي مسلم !! وهل غريب الا الشيطان ؟
لاشـيء مهان في ليبيا كالعلم ولا أحد مستضعف كالمعلم لاسيما اذا كان قادماً من العراق .
كان ولدي يدرس في كلية للتربية ، تعد مدرسين للمدارس الثانوية والمفروض بمعاهد من هذا النوع ان يتسم طلابها باخلاقية خاصة ، غير ان الوضع بالمعكوس !
يقول ولدي : في احد الايام الماطرة كنت خارجاً من سكني متوجها الى الكلية ، وكنت اسير على رصيف الشارع ، واذا بأكثر من طالب يمتطون احدث السيارات ، ويجتازونني بسرعة جنونية وهم يتضاحكون ويتغامزون ، ولم يفكر احدهم بدعوتي بسيارته لايصالي الى الكلية ، بل حاول اكثر من واحد ان يبلل ملابسي بنثر برك الماء في الشارع .
وعدت الى وطني المثخن بالجراح ، وطني الذي تآمر عليه كل اخواننا في الدين والقومية ، فوجدته رغم جراحه طافحاً بالطهر والكرم والتضحية ، يشهد له بذلك اخواننا المصريون الذين عايشونا اكثر من عشر سنوات ولازالوا يحملون لنا اعطر الذكريات وأصدق التضامن .. واعد القرار باني سأتولى كتابة ذكريات اولادي في اليمن والاردن رغم انهم غير عاجزين عن ذلك ، والله من وراء القصد .
ـــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة البرلمان الصادرة في محافظة ديالى العدد (6) الجمعة 18/2/2005

كلمات على طرف اللسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اذا ضاك خلكج تذكري ايام عرسج
ابو نور ( 2010 / 1 / 24 - 23:02 )
المثل الصحيح يا استاذي الكريم هو اذا ضاك خلكج تذكري ايام عرسج


2 - و لكن
سعدي صبيح سعد ( 2010 / 1 / 24 - 23:33 )

تحية طيبة

كنت هناك ثلاث سنوات و عشت بعض الحوادث المشابة لهذه السلوكيات.. ولكن هناك حوادث اخرى قد تكون اقل لربما و لكنها بحالة عكسية تماماً. يعني فيه اسود و فيه ابيض!!. فارجو أن تكون مثل النموذج الذي اخترته و هو انيس منصور فهو يكتب ما يواجهه بدقة و يكون منصفاً و اعتقد إن ذلك دليل إعجابك بكتاباته.. و لا تنسى إن ((الحب كده و هو من ده و ده)) كما تقول الدكتورة ام كلثوم رحمها الله

مع مودتي و حرصي


3 - بداية غير موفقه
نصير محمد علي ( 2010 / 1 / 25 - 08:55 )
الكتابة عن طباع الشعوب ، له ثقله الكبير في كيفية تحمل من يكتب في هذا المضمار .. انا طبيب عراقي اعمل في هذا البلد منذ زمن ليس بالقصير ، وابنائي تربوا فيه واكملوا الجزء الاكبر من دراساتهم .. وقد وجدت في شعب هذا البلد تقبلا لنا وطيبا في التعامل قلما وجدته في مكان اخر ، وشهادة فرد واحد والذي هو ابنكم المحروس ، لا تفي بالغرض ، ولا تجعلكم في حل من مهاجمة الاخرين بهذه الطريقة .. اتمنى ان تعودوا لكتابة مذكراتكم في شأن مفيد ، وترك ما لا يفيد لأن شهادة الافراد لا تكفي لبناء الافكار ، سيما وان وجود ابنكم في هذا البلد وعلى ما يبدو لم يتعدى العام .. تحياتي


4 - ربما سوء حظ
علي ( 2010 / 1 / 25 - 12:26 )
في ليبيا أنت وحظك فولدك حدث له ماذكرت والسيد الطبيب نصير محمد علي وجد ماذكر ، ففي ليبيا الأدب والذوق والجمال الفائق تجده وتسر جدا به ويلقاك القبح والمسخ المقيت وأنت وحظك


5 - كم دفعولك ؟
محمد احمد ( 2010 / 1 / 25 - 14:03 )
فقط اود معرفة كم تتقاضى مقابل هذا الهراء؟
ليبيا بلد زي اي بلد بها الطيب والشريري، كما العراق به الوطني الذي لم يبع تراب بلاده بالدولار ولم يؤجر قلمه لتسويد سمعة بلد مثل ليبيا ساحت دماء ابنائها دفعا عن العراق وليس النظام او المحتلين والماجورين.
ثم تقول نقلا عن ابنك انه رد على التاجر المطروح على الارض!!! ان كرشه جاء به من العراق في ذلك اليوم، وتقول نقلا عنه ايضا -اما الدولارات الليبية التي تعيرني بها فلا تمنح لنا الا بعد ثمانية اشهر وبعد ان يستقطع منها ما لم نسمع به من قبل في بلادنا- اود معرفة ما اذا كان ولدك قد تقاضى مرتباته قبل وصوله الى ليبيا بثمانية أشهر!!؟
مكشوف يا مأجور ، وأحب اعلمك ان مايربط العراق شعبا وارضا باشقائه في الوطن العرابي أكبر من سفاهة وتصرفات أشخاص لايحسبون على أوطانهم،
وتحية لكل معلم وطبيب ومهندس وعامل وفلاح عراقي يرغب في البحث عن لقمة عيشه أو الأمان الذي فقده في وطنه بعد ان حوله المحتلون وعملائهم الى
مسلخ، في اي بلد عربي وتحية لكل عراقي صامد في ارضه يقارع بالسلاح او الكلمة الاحتلال وعملائه الماجورين الذين سينتهون حتما الى مزبلة التاريخ . .


6 - قلوبنا بيوتكم
محمد عبعوب ( 2010 / 1 / 25 - 15:58 )
غريب ما يسرده والد الاستاذ الجامعي نقلا عن ابنه!!! نعم هناك بعض التجاوزات والأخطاء التي قد يتعرض لها اي انسان في اي بلد، وحتى في بلده، ولكن لا يجوز ان تحسب على وطن وشعب باكمله.. ما يسرده هذا السيد الذي يدعوا الى تأريخ الذكريات، يطعن هذه المهنة في اهم مبادئها وهو الموضوعية والصدق والأمانة.
الردود التي سبقتني تكفي للرد عليه.. أحببت فقط أن أقول لكل العراقيين الذين يؤمنون بعراق حر ومستقل لكل مواطنيه بكل طوائفهم ودياناتهم وقومياتهم: أن قلوبنا مفتوحة لكم وليس ليبيا فقط، ولا تصدقوا هذه الادعاءات الرخيصة، وإن وجدت فهي معزولة ومرفوضة من الغالبية العظمى من الليبيين الذين يستضيفون اكثر من مليوني أجنبي على ارضهم فما بالك اخوتنا العراقيين !

اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة