الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعر النفط يهز اقتصاد العالم

يعقوب بن افرات

2004 / 6 / 30
الادارة و الاقتصاد


يمكن فهم اسباب ارتفاع اسعار النفط لارقام قياسية تهدد الاقتصاد العالمي. فالقوة العظمى الوحيدة التي عليها ضمان تدفق النفط من الخليج للدول الصناعية، منشغلة في حرب عصابات داخل العراق. اما السعودية التي كانت تحت حماية هذه الدولة العظمى، فتتعرض لهجمات لا تستطيع ردعها، خاصة بعد خروج القوات الامريكية من اراضيها.

يعقوب بن افرات

قفز سعر برميل النفط في الاسواق العالمية الى 42 دولار، وهو دون شك سعر قياسي بعث القلق في العالم كله، وتحديدا في الولايات المتحدة التي تعتبر اكبر مستهلك للنفط. الاسباب لارتفاع الاسعار عديدة. فالى جانب الاسباب المتعلقة بالازمة التي تشهدها صناعة استخراج النفط في العالم وتضاؤل الاحتياطات النفطية، يأتي الارتفاع هذه المرة كرد فعل مباشر على اختطاف وذبح عدد من الرهائن في المجمع الصناعي في الخُبر بالمملكة السعودية الشهر الماضي. وعود وزير النفط السعودي، علي النعيمي، بزيادة الضخ والانتاج للتغلب على الطلب في النفط وبالتالي خفض سعره، لم تساهم كما يبدو في طمأنة السوق.

ما يفسر خطورة المشكلة النفطية العالمية، ان السعودية التي تمر بمشاكل داخلية غير بسيطة، تتربع على اكبر مصدر للنفط في العالم، وتعتبر اكبر احتياطي لمصدر الطاقة هذا (25%). وقد خلقت مشكلة النفط وضعا غريبا، صار فيه الاقتصاد العالمي متعلقا بالنفط السعودي، والعائلة المالكة متعلقة به، اذ انه يشكّل 90% من ايراداتها. من هنا فان مصالح شركات النفط الامريكية التي وضعت بوش وتشيني في ادارة البيت الابيض لحماية هذه المصالح، اصبحت رهينة استقرار العائلة المالكة السعودية. ولا يبدو ان لهذه المعضلة حلا حقيقيا. فكل خطوة تقوم بها امريكا لمعالجة الوضع، تسبب تلقائيا مشكلة اكثر تعقيدا.

بعض ما نسعى لتوضيحه في هذا المقال، سبق ان شرحناه في في اعداد سابقة من الصبّار، في ايلول 2000 وايار 2001، اي قبل هجمات القاعدة على نيويورك وواشنطن في ايلول 2001. من قرأ تلك المقالات، لا يمكن ان يُفاجئ بالازمة النفطية الراهنة. ومع ذلك ما كان بمستطاع احد حينئذ التكهن بنتائج السياسة الامريكية التي وضعت نصب عينيها هدف احتكار منابع النفط الخليجية، لضمان هيمنتها على الاقتصاد العالمي.

الحرب على العراق عام 1990 كانت الخطوة الاولى التي قامت بها امريكا في هذا الاتجاه، رأسا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. واعتبرت الحرب حجر الاساس في ارساء النظام العالمي الجديد الذي سعت فيه امريكا لاثبات تفوقها العسكري، وادخال موطئ قدم في منطقة الخليج. نتائج الحرب، كما اتضح لاحقا، كانت وخيمة بالنسبة للسعودية ولامريكا على حد سواء.

فقد بقي صدام حسين في السلطة، فيما دفع الشعب العراقي الثمن الاعظم لسياسة الحصار الامريكية الظالمة. ولكن السعودية كانت هي الاخرى ضحية مباشرة للحرب. فقد اضطرت ان توافق لاول مرة على ادخال قوات امريكية الى اراضيها، حيث اقيمت اكبر قاعدة للعمليات العسكرية، الامر الذي عزز التيارات السلفية المعارضة للعائلة المالكة.

النتيجة الثانية للحرب كانت الهبوط الحاد في اسعار النفط. فقد وصل سعر البرميل الى تسعة دولارات، الامر الذي ضرب بحدة الاقتصاد السعودي، حتى شحّت ميزانية الدولة وزاد العجز. وقد اصطدمت هذه الحقيقة مع الازدياد السكاني الذي يصل الى 4,4% سنويا وهي نسبة مرتفعة جدا، وكانت النتيجة مدمرة: 30% بطالة وتفشي الفقر في واحدة من اغنى دول العالم، وبالتالي تعمق الاستياء من النظام. كانت هذه الخلفية لنمو التيارات السلفية بقيادة اسامة بن لادن، والتي هددت امن المملكة متّخذة من وجود الكفار على الارض المقدسة، مبررا لاعلان الجهاد ضد امريكا.

وكان واضحا للامريكان قبل احداث 11 ايلول 2001 ان الوضع موشك على الانفجار، وان امن العائلة المالكة مهدد. وقد ادى هذا الاعتقاد الى نزاع مفتوح بين الادارة الامريكية والحكومة السعودية التي عملت على رفع اسعار النفط للخروج من الازمة الاقتصادية، وقامت في نفس الوقت بابلاغ الامريكان ان وجودهم العسكري في المملكة بات يشكل مصدر خطر على العائلة المالكة، اولا لأنه يشكل حجة لبن لادن، وثانيا لانه علامة على ان الامريكان لا يثقون بقدرة النظام السعودي على ضمان استقرار وسلامة منابع النفط. وانتهت هذه الجولة من النزاع بنقل القواعد الامريكية من المملكة، الى قطر.

ولكن الخروج من السعودية لم يأت على اساس اتفاق سلمي، بل على خلفية هجمات 11 ايلول التي شارك فيها 15 سعوديا من ال19 الذين نفذوا العملية. فقد تبين بشكل لا يقبل التأويل ان السعودية لا تصدر النفط فقط، بل الارهاب ايضا. وكان الهجوم غير المسبوق على الاراضي الامريكية، الثمن الذي دفعته امريكا على سياستها العمياء.

الجزء الثاني من صفقة اخراج القواعد العسكرية من السعودية، كان موافقة الاخيرة على العدوان الامريكي على العراق للمرة الثانية، عام 2003. وكان هدف امريكا من الاطاحة بنظام صدام حسين، احتكار ثاني اكبر مصدر للنفط في العالم، وتحويل العراق الى قاعدة عسكرية كبيرة للتحكم بامن النفط الخليجي برمته.

ولكن جرت الرياح بعكس ما اشتهت سفن الحرب الامريكية. فقد كان عمر الانتصار في العراق قصيرا جدا، وتحوّل بسرعة الى وحل تغرق فيها القوات الامريكية يوميا. موقع امريكا الدولي تراجع، بسبب المعارضة الاوروبية للحرب، كما تراجع موقف بوش داخل امريكا بسبب عجزه عن ايجاد حل سياسي للقضية العراقية.

في ظل تراجع الاهداف الامريكية، ازدادت قوة الجماعات الاسلامية الجهادية، بدل ان يتم العكس. فقد اصبحت المقاومة العراقية حافزا لنموّها، وتحول العراق الى ساحة تقاتل فيها الجماعات السلفية ضد الامريكان، وتحولت السعودية الى ساحة حرب داخلية مباشرة، بين هذه الجماعات وبين النظام السعودي.

على هذه الخلفية يمكننا فهم اسباب ارتفاع اسعار النفط لارقام قياسية تهدد الاقتصاد العالمي. فالقوة العظمى الوحيدة التي عليها ضمان تدفق النفط من الخليج للدول الصناعية، منشغلة في حرب عصابات داخل العراق ولا قدرة لها على حسم الموقف. اما الدولة التي كانت تحت حماية هذه الدولة العظمى، فدخلت الى مصيدة اذ اضطرت ان تطلب خروج القوات الامريكية من اراضيها لكي تحمي نفسها من المعارضة، ولكن هذا لم ينقذها بل عرضها لهجمات اشد وطأة، دون ان تملك امكانية الدفاع عن نفسها. ان هذا النظام فاسد، الامر الذي يفسر اتساع رقعة المعارضة ضده. واذا كان الاحتياط النفطي الاكبر موجود بالصدفة على اراضيها غير المستقرة، فليس غريبا ان يصبح النفط بضاعة غالية جدا.

ولان المشكلة ليست سياسية فحسب، بل موضوعية نابعة من نقص حقيقي في مصادر الطاقة النفطية، ارتأينا ان نورد بعض ما جاء في الصبّار في 20 ايلول 2000، في مقال بعنوان "النفط الرخيص عهد انتهى". يقتبس المقال بحثا تم اعداده عام 1998 توصل للاستنتاج العلمي بان "عرض النفط التقليدي لن يفي بالطلب في الاسواق العالمية في غضون العقد القادم". وحدد البحث ان القدرة الانتاجية الاضافية لدى الدول المنتجة للنفط تصل الى 2% فقط من مجمل الانتاج، الامر الذي يحد من امكانيات زيادة العرض بهدف الحيلولة دون ارتفاع الاسعار.

وها نحن قد وصلنا "العقد القادم" الذي حذر منه البحث، ولكن في وضع تعقدت فيه المشكلة لتصبح اقتصادية وسياسية ايضا. ان المسؤولة المباشرة عن هذا الوضع الخطير هي السياسة الاستعمارية التي يقودها البيت الابيض الامريكي. دروس الديمقراطية التي اراد الامريكان تلقينها للعالم سبّبت مشاكل جمة قد تفاقم الوضع الاقتصادي العالمي، الامر الذي ستكون لها استحقاقات سياسية خطيرة، وعلى رأسها احتمالات انتشار عدم الاستقرار من الشرق الاوسط الى بقية انحاء العالم هذه المرة بسبب سعر النفط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية في باريس: ما التغيرات في سوق العقارات الفر


.. عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم الإثنين 1 يوليو 2024 بالصاغة




.. -مشهد اتعودنا عليه من حياة كريمة-حفل تسليم أجهزة كهربائية لـ


.. تقديرات تظهر بأن مدى صواريخ حزب الله يهدد بتعطل إنتاج نحو 90




.. كيف تطورت مؤشرات الاقتصاد المصري بعد ثورة 30 يونيو؟