الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحات العربية والعقد العربي التركي

اديب طالب

2010 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نذكر أو نتذكر كلمة مصالحات، تقفز أمامنا من الذاكرة اللغوية لفظة تأسيسية هي كلمة مصالح. وهذا التداعي لا ينفي ما تحمله المصالحات من معان أخلاقية وقيم تاريخية، بل على العكس من ذلك، فإن التداعي المشار اليه يعطيها فرصاً واقعية للتحقق، وبرضى شعبي وانتعاش اقتصادي.
استناداً الى هذه المقاربة، نحاول قراءة وفهم المناخ الايجابي للمصالحات في المنطقة، وما قد يترتب عليه من نتائج، فضلاً عن محاولة تقصي موجباته وأسبابه.
المصالحة السعودية السورية، بدأت في قمة الكويت العام الماضي، بمبادرة مسؤولة واعية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، وبرضى وتفهم وبرغماتية سورية. تلك المصالحة ـ المصالح، استمرت في الرياض ودمشق، ونمت في زيارة الأيام الثلاثة الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد للرياض، بعيداً عن التوهج الإعلامي، وقريباً من هدوء الانجاز الصامت. ولقد استتبعت المصالحة السعودية السورية مصالحة لا تقل أهمية عنها هي المصالحة السورية اللبنانية.
المصالحات أولاً أساس رئيس في الحرب الأمنية الوقائية الاستباقية ضد ارهاب القاعدة، وإقرار بمشروعية تلك الحرب، وتأكيد على انها ليست علاجاً للارهاب بالارهاب، وانما هي إجماع لحكومات وشعوب المنطقة ضد ارهاب ولد ونما في القرنين العشرين والواحد والعشرين من فهم خاطئ للاسلام، وينتمي في جذوره وتخلفه الى ظلام القرون الوسطى، والى جمود ووحشية الهويات القاتلة للآخر المختلف. والمصالحات ثانياً أساس رئيس في مواجهة الخطر الإسرائيلي الدائم المعادي للسلام، والقائم على العدوان. والمصالحات ثالثاً أساس رئيس، في الحد من التشدد الإيراني وامتداداته، وفي منعه من إقلاق المنطقة بالنووي أو بتلك الامتدادات.
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في دائرة الضوء المحلية والإقليمية والعالمية، وهو فيها فعلاً وتوجهاً، وفي صالح المصالحات، وفي مصلحة التوازن الإقليمي، والأمن والاستقرار السياسي، وفي مصلحة النمو الاقتصادي وفي تحسين أحوال الناس المعاشية. وما ساعد أردوغان على ان يكون كذلك، هو اولاً قناعته بأن ليس ثمة تناقض بين القيم الاسلامية وبين التنمية والحداثة واحترام حقوق الانسان، وهذا ما تسعى وتعمل عليه دول الاعتدال العربي، وهو ثانياً أن الدولة العبرية ما كانت ولن تصبح في يوم من الأيام، دولة سلام وأمن إقليميين، والى ان يحصل ذاك كاحتمال ضعيف مستقبلاً، لا بد من توازن إقليمي تكون تركيا فيه أساساً وصمام أمان.
ثمة عقد ـ بكسر العين ـ عربي تركي سياسي اقتصادي، يمتد على عرض العمق الآسيوي للوطن العربي، ينتشر من بحر العرب جنوباً الى الحدود الشمالية الآسيوية الأوروبية لتركيا، واسطة هذا العقد هي تركيا أردوغان، والعقد ثمرة للمصالحات ـ المصالح في المنطقة، ينضج بهدوء، ويحمي السلام بعناية ودقة، بعيداً واستبعاداً، واستباقاً وقائياً ودفاعياً لخطط ونوايا إسرائيل العدوانية، كما أنه محاولة لإضعاف الشرعية الإقليمية والدولية لدولة إسرائيل وما تدعيه من "استكانة" وحضارة وحداثة مزيفة. ان اشارة الرئيس السوري بشار الأسد، خلال لقائه الأخير مع المبعوث الأميركي لعملية السلام جورج ميتشل، تلك الاشارة التي ركزت على أهمية الدور التركي في عملية السلام، تعترف لتركيا أردوغان باستراتيجية سعيها للسلام العربي الإسرائيلي.
العقد العربي التركي يقول لإيران نجاد: رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده، وتقول ايضاً، لا تمدوا سجادتكم الإيرانية أكثر مما ينبغي، لأنها قد تسحب من تحتكم!
المصداقية الاولى لمقولة العقد العربي التركي، تبدّت واضحة، عندما ركز أردوغان خلال زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية على قدرة البلدين، على رفع حجم التبادل التجاري من 5 مليارات دولار الى عشرة مليارات في الفترة القصيرة المقبلة، وأكد أن السعي الى إزالة التأشيرة بين البلدين متسارع ومستمر، ولقد أوضح وجوب وقف الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، وقال انه منذ توليه الرئاسة قد سوى الخلافات مع سوريا، وقد تم توقيع 51 اتفاقاً مشتركاً معها وفي وقت واحد، وان تركيا تسعى لمثل ذلك مع العراق.
اشارة أردوغان الى غزة وسوريا والعراق، واشارته الى عملية السلام المتعثرة، والى الجهود المبذولة عربياً وتركياً، لتحقيق سلام شامل وعادل يضمن للشعب الفلسطيني حقه في اقامة دولته المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، تلك الاشارات كلها تحمل مدلولاً ايجابياً للمصالحات العربية والعقد العربي التركي.
المصداقية الثانية للعقد العربي التركي، هي الزيارة السياسية الاقتصادية لرئيس وزراء لبنان سعد الحريري لتركيا، والتي ترتبت عليها إمكانية اقامة سوق عربية تركية مشتركة، اشار اليها الحريري، كما وترتب عليها وعي مشترك وموقف متقارب حول العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان خاصة، وعلى المنطقة عامة.
المصالحات العربية والعقد العربي التركي، ورغم مفاعيلها القوية، لن يحولوا إسرائيل الى دولة سلام، أو دولة في طريق السلام، ولكنهم قد يمنعونها من الإسراع الى الحرب، أو التلويح الارهابي الدائم بها. ولو تفاءلنا قليلاً، هذه الامور قد ترغم إسرائيل على مفاوضات تحترم خطوط الرابع من حزيران 1967، وقد ترغمها أيضاً على الحد من دورها كشرطي فاسد في المنطقة، محرض على الحروب وقائم بها.
المصالحات والعقد بحاجة للنجاح الى لغة جديدة للتواصل مع الشعوب من قبل الحكام، وهي اللغة الديموقراطية، والتي برع بها وفي حدود الممكن، كلّ من أردوغان والحريري.
() كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية