الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا: المحكمة الدستورية في مواجهة الحكومة الشرعية

عبدالباسط سيدا

2010 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيراً حصل المتوقع الذي كان يُخشى منه؛ فقد أسقط العسكر الحكم الديمقراطي في تركيا، وأمروا بحل البرلمان، وأعدموا مجموعة من الكوادر القيادية في حزب العدالة والتنمية في مقدمتهم رجب طيب اردوغان وعبدا لله غول وأحمد داود أوغلو؛ وذلك استناداً إلى قرارات شكلية لمحاكم صورية تمتد خطوط التحكم فيها إلى غرف الجنرالات السرية. كما أعلن العسكر أن كل حديث عن الكرد والمسألة الكردية في تركيا يدخل في باب الخيانة العظمى- وذلك بعد أن ألغوا كل الخطوات الانفتاحية التي كانت حكومة أردوغان قد بدأت بها- وأُلقي بالآلاف من كوادر حزب المجتمع الديمقراطي الكردي في السجون، وبدأ الجيش حملة قمعية لم يسبق لها مثيل في الولايات الكردية؛ والأمر اللافت في اللوحة برمتها تصريحات الجنرلات المتوالية التي تؤكد أن الكمالية كانت وستظل العقيدة الأسمى للدولة التركية، وهذا مؤداه في منظورهم أن أية مقاربة نقدية لها من أي موقع كان ستؤدي بصاحبها إلى أسوأ العواقب.
من نعم الله ولطائفه أن هذا السيناريو الجهنمي الذي كانت جماعة أرغنكون تخطط له لم يتحقق بعد؛ لكن المؤشرات الميدانية توحي بأن الأوضاع العامة في تركيا - على الأقل بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية التركية- تسير نحو الأسوأ غير المنشود؛ خاصة بعد تحوّل المحكمة الدستورية التركية إلى رأس حربة بيد العسكر تسوِّغ ما لا يُسوّغ، وتشرعن اللامشروع؛ فقبل أسابيع عدة أصدرت المحكمة المعنية قرار حل حزب المجتمع الديمقراطي، وهاهي المحكمة ذاتها تلغي قرار البرلمان التركي القاضي بمنح المحاكم المدنية صلاحية النظر في جرائم العسكر الموجهة نحو المجتمع المدني في تركيا.
ومن الملاحظ أن كل هذا التصعيد يأتي بالتزامن مع وضعية الشد والجذب بين الحكومة التركية وإسرائيل منذ الحرب الإسرائيلية الظالمة على غزة العام الفائت، وما تبعتها من تداعيات، وصولاً إلى قضية إهانة السفير التركي في إسرائيل، وزيارة ايهود باراك الأخيرة إلى تركيا الذي لم يحظ بالاستقبال المنتظر من قبل الحكومة التركية، في حين أن المؤسسة العسكرية أعلنت بصورة شدّت الانتباه عن ترحيبها الحار بالزيارة.
تُرى هل حصلت المؤسسة العسكرية التركية من القوى الفاعلة دولياً على الإشارة الخضراء التي تبيح لها التحرك، وتطبيق خططها القديمة- الجديدة المعهودة؟ أم أن الموضوع برمته لا يخرج عن نطاق كونه مجرد استعراض لقوة مبنية على معادلات فاسدة لم تعد مجدية في ظروف المستجدات الكبرى التي شهدتها - ويمكن أن تشهدها- المنطقة والعالم.
والسؤال الآخر الهام في سياق التفاعلات المتسارعة في تركيا بالنسبة إلى معشر الكرد هو: ما الموقف من كل ما يجري ؟ هل ستستمر اللعبة ذاتها التي تتمحور حول انتظار تصريحات الزعيم الآتية عبر العسكر من خلال محامين يقومون بزيارات أسبوعية غامضة لا تستوجبها أية بواعث قانونية، ولا تتسق مع عقلية وتصرفات العسكر، وذلك بعد أن صدر الحكم النهائي غير القابل للطعن بحق موكلهم؛ تصريحات تتلقفها مجموعة المنتفعين المجهولين لتتحوّل إلى شعارات هلامية إيهامية تفرض على الناس؟ تُرى هل هي لعبة الكبار والكرد هم البيادق؟
ما يحدث راهنا في تركيا هو صراع عنيد بين الحكومة والمؤسسة العسكرية حول توجهات البلاد ومركز القرار.
حكومة منتخبة ديمقراطياً مستندة إلى أوسع قاعدة شعبية مقارنة بكل الحكومات التركية السالفة. حكومة حققت وباعتراف الجميع الكثير من الانجازات الكبرى على مختلف الصعد لا سيّما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منها؛ حكومة منفتحة على الداخل والخارج، تمتلك الجرأة والقدرة على مقاربة أخطر المسائل.
ومؤسسة عسكرية منغلقة على ذاتها وأسرارها الجهنمية؛ مؤسسة اتخذت من الكمالية يافطة كبرى تغطي تجاوزاتها وأساليبها الظلامية؛ مؤسسة ترى أنها الدولة الأعمق الثابتة، في حين أن الحكومات المتعاقبة ما هي سوى رتوش تزيينية أو مساحيق تجميل زائلة بزوال البواعث.
إنه صراع يومي، ينتقل من ساحة إلى أخرى، يشتد تفاعلاً وضراوة مع الوقت، بين طرفين يستقوي أحدهما بالشعب، في حين أن الآخر يستقوي بالدستور الكمالي المؤله، كل طرف يمتلك مشروعاً يعارض مشروع الآخر إلى حد التناقض. صراع لم تتحدد نهاياته بعد. مؤسسة الجيش تصبو نحو السيناريو الذي بدأنا به لكننا. والحكومة ترنو من جانبها نحو دمقرطة كل مؤسسات البلاد بما في ذلك الجيش.

لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف؟ هذا أمر ستتضح معالمه في قادم الأيام. ولكن في كل الأحوال فإن الموضوع بمجمله لا يستدعي ذكاء خارقاً، ليدرك المرء أن الحصيلة التي سيتمخض عنها الصراع الدائر حالياً في تركيا ستسهم إلى حد بعيد في رسم ملامح المنطقة بكاملها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه