الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإبداع وصراع الزمن

سلمان ع الحبيب

2010 / 1 / 25
الادب والفن


يشكّل الزمن بالنسبة للمبدع عقدة متشابكة تحمل في طياتها تعقيدات فلسفته في
الحياة فهو في صراع مع حاضره وتأجج دائم لا يخبو وثورة لا تهدأ فلا يجد وسيلة
لحل هذا الصراع إلا من خلال الرحلة المضنية مع الأزمنة فيحاول أن يجد في العصور
القديمة ما يستطيع أن ينهض من خلاله فتراه يبحث عن شخصيات تاريخية يعايشها
ويلبسها أحياناً وأحياناً أخرى يجعلها وسيلة لتحرير ذاته ومجتمعه ، وهو ويجعل
من القديم وسيلة لثورته وهذا نراه عند البعض في اتخاذ الأساطير وسيلة للتعبير
عن مشاعره والاستفادة منها في محاولة التغيير، بالإضافة لمعايشة الرموز
التاريخية وتضمينها في الأدب لتكون وسيلة تنفيس وتغيير يستطيع المبدع من خلاله
توظيف القديم في إصلاح نفسه ومجتمعه والإنسان عامة ، وفي المقابل تراه يبحث عن
مستقبل مشرق يستطيع من خلاله أن يرى فيه أمنياته وأحلامه وآماله وما يطمح أن
يراه في غده ، وما البحث فيما وراء الحس إلا وسيلة للوقوع على غد أفضل بالإضافة
إلى أنها وسيلة لإحداث الاستقرار النفسي من خلال التحكّم في الغيبيات التي
تمثّل قلقاً للإنسان.
المبدع رحّالة لا يعرف المكوث في زمن أو مكان فيرحل في الماضي و يحلم بالمستقبل
وهو يعيش في حاضره فهولا ينتمي لزمن معين وهذه هي غربته وهي جزء من ألم روحه
الذي يصدّع قلبه ليل نهار .
ونستطيع أن نلمح صراع الزمن في قصيدة ( برتولت بريخت ) الذي يقول :
حقاً إنني أعيش في زمن أسود … الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها … والجبهة
الصافية تفضح الخيانة .. والذي ما زال يضحك .. لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب .. أي
زمن هذا ؟ الحديث عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة … لأنه يعني الصمت على جرائم
أشد هولاً .. ذلك الذي يعبر الطريق مرتاح البال .. ألا يستطيع أصحابه … الذين
يعانون الضيق …أن يتحدثوا إليه ؟! صحيح أني ما زلت أكسب راتبي ولكن صدّقوني ،
ليس هذا إلا محض مصادفة .. إذ لا شيء مما أعمله .. يبرّر أن آكل حتى أشبع …
صدفةً ، أنني ما زلت حيّاً .. إن ساء حظّي فسوف أضيع … يقولون لي : كل واشرب
افرح بما لديك ! ولكن كيف يمكنني أن آكل وأشرب .. على حين أنتزع لقمتي من أفواه
الجائعين .. والكأس التي أشربها .. ممّن يعانون الظمأ . ومع ذلك فما زلت آكل
وأشرب نفسي تشتاق إلى أن أكون حكيماً الكتب القديمة تصف لنا من هو الحكيم .. هو
الذي يعيش بعيداً .. عن منازعات هذه الدنيا يقضي عمره القصير .. بلا خوف أو قلق
. العنف يتجنّبه .. والشر يقابله بالخير . الحكمة في أن ينسى المرء رغائبه بدل
أن يعمل على تحقيقها .. غير أنني لا أقدر على شيء من هنا … حقاً إنني أعيش في
زمن أسود .
————-
أتيت هذه المدن من زمن الفوضى.. وكان الجوع في كل مكان أتيت بين الناس في زمن
الثورة فثرت معهم .. وهكذا انقضى عمري الذي قدّر لي على هذه الأرض . طعامي
أكلته بين المعارك
نمت بين القتلة والسفّاحين .. أحببت في غير اهتمام تأملت الطبيعة ضيق الصدر ..
وهكذا انقضى عمري .. الذي قدّر لي على هذه الأرض .
————-
الطرقات على أيامي كانت تؤدي إلى مستنقعات .. كلماتي كادت تسلمني للمشنقة ..
كنت عاجز الحيلة .. غير أني كنت أقضّ مضاجع الحكّام .. أو هذا على الأقل ما كنت
أطمع فيه وهكذا انقضى عمري الذي قدّر لي على هذه الأرض . القدرة كانت محدودة
الهدف بدا بعيداً كان واضحاً على كل حال غير أني ما استطعت أن أدركه وهكذا
انقضى عمري الذي قدّر لي على هذه الأرض .
————-
أنتم يا من ستظهرون بعد الطوفان الذي غرقنا فيه فكّروا .. عندما تتحدّثون عن
ضعفنا في الزمن الأسود الذي نجوتم منه كنّا نخوض حرب الطبقات ونهيم بين البلاد
نغيّر بلداً ببلد .. أكثر مما نغيّر حذاءً بحذاء يكاد اليأس يقتلنا حين نرى
الظلم أمامنا .. ولا نرى أحداً يثور عليه نحن نعلم أن كرهنا للانحطاط يشوّه
ملامح الوجه وأن سخطنا على الظلم يبح الصوت آه نحن الذين أردنا أن نمهّد الطريق
للمحبة …
لم نستطع أن يحب بعضنا بعضاً أما أنتم فعندما يأتي اليوم الذي يصبح فيه الإنسان
صديقاً للإنسان فاذكرونا .. وسامحونا .
ومثل هذا الصراع مع الزمن نجده عند شعرائنا العرب ولن نسترسل في ذكر شواهد أخرى
لبيان هذا الصراع الذي تثور زوابعه في صدر المبدع وعقله ولكننّا نكتفي بهذا
القدر الذي يفي بالغرض في بيان الانقسام النفسي للمبدع ليعيش في أزمنة ثلاثة :
الماضي والحاضر والمستقبل .

* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش