الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 14 تموز ثورة الدراويش والزهاد

عبد العزيز محمد المعموري

2010 / 1 / 26
سيرة ذاتية


في اليوم الرابع عشر من تموز سنة 1958 كنت مفصولاً من الزظيفة وكنت مع زوجتي وطفلي ضيوفا ثقلاء على والدي في قرية العبارة التي اصبحت ناحية ، في صبيحة ذلك اليوم كنت مستغرقاً في نوم عميق لمعاناتي من البطالة ، واذا بباب دارنا يقرع بإلحاح واصوات اناس ينادون : لقد قامت الثورة .
نهضت منفعلاً لا ادري ماذا افعل ، هل اهتف باعلى صوتي ؟ ولكن من يدري ماهذه الثورة .؟ ارتديت ملابسي على عجل وتوجهت الى بعقوبة , فوجدت الجماهير تملأ الشوارع وهي تهتف بحياة الثورة , بعدها ظللنا نتابع اجهزة الراديو لنتعرف على اهداف هذه الثورة واسماء قادتها , فعلق بأذهاننا اسمان فقط هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ولم نكن نعرف اياً منهما . وظلت وكالات الانباء تتابع اخبار هذه الثورة العملاقة وتتحدث عن اسماء قادتها واهدافها . وكان قرار مجلس الوزراء القاضي بأعادة المفصولين السياسيين الى وظائفهم اهم خبر بالنسبة لي , وكان القرار يشير الى الغاء اوامرالفصل واعتبارها كأن لم تكن ومساواة المفصولين بأقرانهم المستمرين بالخدمة .
ذهبت الى وزارة التربية وكان مدير التعليم العام ومدير التعليم الابتدائي من زملائي في كلية الضباط الاحتياط وكان بإمكاني ان انقل تعييني من قضاء الشامية في الديوانية الى بغداد . ولكني خجلت من التوسط باعتباره منافياً لمبادئ الثورة ! ولو كنت قد عينت في بغداد لكان مجرى حياتي قد تغير ولأكملت دراستي بيسر وسهولة كما فعل غيري !
أتذكر موقفاً يتعلق بالطهر الثوري والايثار , كان ذلك بعد ايام من قيام الثورة , وكنت مجتمعاً بلقاء عفوي مع مجموعة من رفاقي المفصولين سياسياً وكان اجتماعنا في مقهى ( حسن عجمي ) التي كانت منتدى للمثقفين والادباء , سألت عن حقوقنا وفق قرار مجلس الوزراء آنذاك المتضمن الغاء اوامر فصلنا ومساواتنا مع اقراننا المستمرين بالخدمة , الا يحق لنا ان نتقاضى رواتب المدة التي قضيناها مبعدين عن وظائفنا , والتفت الي زميل شيوعي مستنكراً سؤالي قائلاً : اتريد اجور نضالك الوطني ؟ هنا اصبت بالخرس والخجل من السؤال , لم اكن آنذاك شيوعياً ولكني فصلت محسوباً على الشيوعيين , وكنت احترم منطلقاتهم واحسست بأني قد ارتكبت خطأ بتوجيه مثل هذا السؤال !
وأتذكر ان مظاهرة حاشدة في شارع الرشيد كانت متوجهة نحو وزارة الدفاع للقاء الزعيم عبد الكريم , وحين وصول المظاهرة الى منطقة الميدان , سأل احد الشباب : اين مكان المومسات وهل يستطيع الوصول اليهن فالتفت اليه شاب شيوعي ليستنكر سؤاله المخجل قائلاً له : الا تدري بأنهن اخواتك واخواتنا جميعاً وقد آن لهن الخروج الى عالم الحرية والعمل الشريف ؟
واتذكر في العام الاول من الثورة , وقد التحقت معلماً في قضاء الشامية , عقد الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية مؤتمراً في ثانوية الشامية , وكان الاتحاد بقيادة الشيوعيين , صعد المنبر احد قادة الاتحاد ليتحدث الى جماهير الفلاحين قائلاً :
ايها الفلاحون , ان شعار اتحادنا هو الفلاح اخو الفلاح وعدوهما الاقطاع والرجعية , لكننا نعاني من ظاهرة سيئة لا يقترفها الاقطاعيون بل الفلاحون ضد اخوانهم , وهي السطو على بعضهم ليلاً ليسرق احدهم ( بطانية او لحاف اخيه ) مما يضطر اكثر الفلاحين لممارسة الحراسة الليلية على اكواخهم , فكيف يستطيع الفلاح الذي يقضي ليله في الحراسة ان يمارس العمل نهاراً ؟ نحن نحذر الجميع لترك هذه الممارسة المخجلة ونحن نعرف ( الحرامية ) بأسمائهم ومن لم يرتدع عن السطو فدمه مهدور !
وقد انقطع السطو تماماً كما سمعت من الفلاحين ! ثم التفت مسؤول الفلاحين الى الجماهير قائلاً : يا ابناء العشائر كافة والحميدات والعوابد .. الخ نحن ندري بان لكل عشيرة ( ثاراً لدى العشيرة الاخرى ) لقد ولى زمان الاخذ بالثأر ، فقد قامت الثورة التي كنا جميعاً نحلم بها ، والاتحاد ابو الجميع والاب مسؤول عن حماية اولاده وتصفية ما بقلوبهم من احقاد ونحن نتعهد بدية الجميع فليطلب منا كل صالح لكي نسدد له ما يريد من ديه تجاه الاخرين ؟!
وهنا هتفت حناجر الاف الفلاحين : فلتسقط الديات ونحن ابناء هذا اليوم ، لم تكتف قيادة الفلاحين بذلك وانما طلبت الى ممثلي العشائر اجتماعاً خاصاً اقسمت فيه على تناسي كل الثارات ، ولم يعد بحاجة الى مسدس يخفيه تحت ملابسه خوفاً من غدر الاخرين! هذه المعجزة التي أحدثتها ثورة تموز من يصدق انها حدثت في العراق وفي اوساط الفلاحين البسطاء فتركوا اللصوصية والاخذ بالثأر ، ونحن في مقتبل القرن الحادي والعشرين وفي دولة يقف على رأسها رجال الدين وينضوي اكثر الرجالات تحت شعارات دينية ، ولكنهم بعيدون عن مفاهيم الدين ، بعيدون حتى عن مفاهيم العالم المتطور الذي يسعى لاسعاد الناس بغض النظر عن معتقداتهم لان الدين لله والوطن للجميع
ان الذين سطوا على ثورة تموز وقائدها الشريف عبد الكريم قاسم هم انفسهم الذين عادوا الى الميدان ليغرسوا روح الطائفية والقتل على الهوية والتهجير الذي لم يعرف العراقيون له مثيلاً طيلة تاريخهم ، فهل اتعظنا من فقدان ثورة 14 تموز ومتى نعود الى الطريق الصحيح ؟
كان اعداء الثورة يتبجحون بالقومية والدين وانهم يسعون الى الوحدة العربية الشاملة فماذا كان من حصادهم ؟
لقد غرسوا الطائفية البغيضة والشرذمة القومية والعنصرية وصرنا نكره بعضنا بعد ان كنا اخواناً وهكذا يفعل الطغاة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل