الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكويت وجماعات ارتداد الوعي

وليد الفضلي

2010 / 1 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


تتصاعد وتيرة التصريحات وكتابات الفرز والتصنيف لمكونات المجتمع، الممتلئة بمخزون هائل من العنف اللفظي، المنطلق من خيبات الماضي، ومقولات «الفرقة الناجية»، اجتماعيا وسياسيا. وهو أمر يبعث على القلق، فبعد كل هذه السنوات الواعية من المسيرة الدستورية التي سطرها الآباء المؤسسون، ومشروع بناء الدولة الحديثة، نشهد «ارتدادا للوعي» بشكل متسارع نحو العودة إلى الأنموذج البدائي، والأول في شكل وتكوين المجتمع! وإهدارا لجماليات تصويب أنموذج الآباء، الذين وفروا الشروط الأولية كي يتراكم وينمو ذاك المشروع على أيدي الأجيال اللاحقة.

لذا من المهم اليوم الخوض في المسألة، وإن كانت جارحة، والكشف عن أعطال الذات وإن كان مرا.. فهل ما نشهده اليوم يتشابه بشكل من الأشكال مع التشظي الداخلي العالمي؟ أم أن مجتمعنا لايزال بمأمن من موجات التفتيت الاجتماعي والسياسي، التي تجتاح الكثير من بقاع العالم؟! وهل باتت الانتماءات الفرعية تمارس الانتقام من مشروع الدولة الذي سلبها جزءا من حضورها وسلطتها؟! أم أنها مطالبات مشروعة أخطأت وسيلة التعبير والحضور؟! وما دور النخب في صوغ رؤية أو خطاب سياسي تنموي جديد؟ أم أنها هي الأخرى متواطئة على سلب وحدة المجتمع، وتفتيت عناصره لصالح أجنداتها الخاصة؟

هذه الأسئلة لا تقف عند أعتاب المجتمع الكويتي فقط، وإنما تمتد ظلالها لتشمل العديد من المجتمعات حولنا، والتي تشهد هي الأخرى موجات تشظ داخلي، بما يهدد الأمن المجتمعي بشكل واضح. والفارق الرئيس أننا في الكويت قد أنجزنا الأنموذج المغاير بخطى حثيثة نحو بناء الدولة المدنية التي تمتلك دستورا ومجتمعا يتساوى أفراده أمام القانون، ويملكون نصيبا متساويا من الحقوق، إلا أننا مثل أي مجتمع آخر فيه أطياف متنوعة، تسود عندنا بين حين وآخر، موجات من التصعيد المحموم للمذهبيات والقبليات والعرقيات التي لسنا بمأمن كامل من نيرانها البتة.

لذا، لا بد من التعاطي مع هذه الوتيرة المحمومة كفرصة للتنقيب عن المولدات الاجتماعية والثقافية الحاضنة للفكر الإقصائي بكل أشكاله، وعدم الاكتفاء بخطابات التبرؤ والاستغفار؛ بمعنى أن هذا التوتر ليس حدثا طارئا ينجلي في صبيحة اليوم التالي، وإنما هو انبعاث وولادة جديد لمكنونات قارة في الوعي، تزداد شدتها وحدّتها كرّة بعد كرّة، في ظل غياب المشروع القادر على المواجهة، والعجز المركب عن تقديم معالجة عقلانية متكاملة الجوانب.

وفي الوقت ذاته لا يمكن بأية حال من الأحوال اختصار معالجة التوترات المتكررة بسن التشريعات والقوانين، وإدخال التوتر في قفص الاتهام الجنائي؛ فعصا القضاء والقانون، لا تطال المناطق الأولى والنائية من الوعي. فتاريخ الإقصاء كامن في عمق طبقات الذهنية الإنسانية، فما إن تجد الخصوبة الملائمة تتمثل من جديد، ويعاد إنتاجها. فالمعالجة تبدأ في كشف بواعث وحواضن التوتر. وهذا الجهد يتطلب مواجهة صادقة وجريئة مع الذات ونظرتها الإقصائية للآخر، والخوض في مشروع تصحيح مسارات الذات، لا بتعليق حبال المسؤولية على الآخر، والدخول في جدل دائري معه: من هو الأسبق في خلق التوتر؟


ولا يفوتني هنا التوكيد على أن هذا التصعيد المحموم للمذهب والقبيلة والعرق، والتبشير المتسامي بفضائل وكرامات الانتماء الخاص، لا يعبر في جوهره عن مطلب حقوقي يعيد النصاب المنصف للأقليات، ويحترم خصوصياتها في المجتمع، أو مطالبة بالشراكة الاجتماعية والسياسية العادلة، بل هو مختلف كليا. فما نشهده اليوم هو نداءات بحقوق الانتماء لفئة، وليس بحقوق جميع المواطنين، وبصراخ يطالب باحترام الخصوصية، لا يتورع عن انتهاك حقوق الآخر، ورغبة في المزيد من المشاركة، لا ترى أهمية لمشاركة الرأي المخالف.. أي أننا أمام شكل جديدا من أشكال العزل، وممارسة «الفعل الإقصائي» بذريعة المظلومية، وبالتحشيد ضد الآخر، وفي الوقت ذاته عدم اكتراث بالأثر المتراكم جراء متواليات التحشيد المأزوم، وعمى ذهني لا يرى أبعاد هذا التمزيق، فكل القصد في المحصلة هو المحافظة على الانتماء الفرعي الديني والجهوي والمصالح الخاصة.


ومن خلال عملية رصد بسيطة، ندرك حجم تواطئ الأضداد، وبشكل صارخ بين النخب في إشعال فتيل الأزمات.. والطامة الكبرى هي استغلال هذا التصعيد للتجاوز والهروب من الأزمات البنيوية الداخلية التي يعاني منها البعض في تحقيق أجندات فئوية خاصة على حساب مشروع المجتمع الواحد المتعدد.. فالنخب هي المسهم الرئيس في تأجيج التوترات وممارسة أبشع الصور الازدواجية، فبجانبها الأيمن، تؤكد على أهمية وحدة المجتمع، وبجانبها الأيسر تمارس أشكال الإقصاء والتمزيق الاجتماعي، فيما تبرع بإيجاد التبريرات من قبيل «ضغط الشارع»، «يجب أن نكون أقوياء»، « نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة نصاب الأمور، وتصحيح مسار التاريخ»، « يكفينا تقيّة... يكفينا تورية» إلخ...


وإذا تجاوزنا النخب وأجنداتها الفئوية الخاصة، وتواطئها الخلاق في مراكمة التوتر، وتغاضينا عن جموع المؤمنين والمنتمين، التي تنساق بجهل خلف شعارات الماضي وأوهامه، متجاهلة تعقيدات الحاضر واستحقاقاته، فإننا لا نستطيع القفز على من تقع عليه المسؤولية الكبرى في سلسلة التوترات، وهي الدولة التي يقع على كاهلها بناء وتجذير ثقافة المواطنة؛ فالدولة كبناء علوي، وكقيمة لآلة مشتركة وجامعة، وكمحرك تنفيذي عملي، هي الأقدر على بلورة الاعتدال في المجتمع.. إننا نجدها اليوم، وكأنها عاجزة، أو على الأصح، تفرمل عجلاتها من طرف قوى باتت معروفة، لا تريد لها استعادة دورها، وصهر التقسيمات التقليدية والقبيلة، وإدماج الهويات الدينية والمذهبية واستيعاب جميع الأعراق في قالب دولة القانون والدستور ومجتمع المواطنة.


ختاما، لا شك أن التصعيد المحموم للانتماءات الفرعية، هو اختبار حقيقي لمتانة مجتمع المواطنة وصلابته، وعلى قدرة النخب على مسايرة القانون، وتحصيل الحقوق المنقوصة، ومقياس ميداني لكل دعاة الوحدة والتعايش والتعددية وقبول الآخر.. يكشف مدى قدرتهم وصدقهم في التمسك بتلك القيم وتفعيلها، فمن سوف يصمد معززا قيم التسامح؟ ومن سوف تأخذه الغواية الطائفية والقبلية والعرقية بعيدا عن مشروع المواطنة؟
الأيام المقبلة ستحمل لنا الإجابة الواضحة والشفافة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح تزامنا مع تواصل المفاوضا


.. -ندعي يجينا صاروخ عشان نرتاح-.. شاهد معاناة سكان رفح وسط هرو




.. غالانت: مستعدون لتقديم تنازلات من أجل استعادة الرهائن ولكن إ


.. الرئيس الإيراني: المفاوضات هي الحل في الملف النووي لكننا سنل




.. إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكدان مواصلة العمل بات