الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألتضليل المنهجي بطمس الحقائق استراتيجية اعداء الشعوب؟!

احمد سعد

2010 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لا يختلف اثنان اننا نعيش في عالم تنعدم فيه قواعد الامن والاستقرار والسلم العالمي. وما برز مما يرافق المرحلة الراهنة من تطور في ظل الطابع الوحشي للعولمة الرأسمالية هو اشتعال بؤر الصراعات المتعددة والمخضبة بالدماء، من حروب استراتيجية امبريالية تختفي وراء قناع "حرب كونية ضد الارهاب""، وما يرافقها من اسقاطات تأجيج الفتن والصراعات والحروب القومية والاثنية والطائفية والدينية المذهبية. والامبريالية تجرم بحق شعوب البلدان ضعيفة التطور في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وفي الشرق الاوسط، ولكنها تلجأ الى التضليل محاولة الادعاء "انها بريئة من دم ابن يعقوب" عن طريق طمس الحقائق المتعلقة بالاسباب الجوهرية لانفجار الصراعات والتوترات باشكالها المختلفة. تلجأ الى طمس الاسباب الجوهرية للصراع بهدف صرف انظار الشعوب الضحية والرأي العام العالمي عن الاهداف الاستراتيجية التي تخدم مصالحها الطبقية، الاقتصادية والسياسية من وراء هذه الحروب والصراعات التي تفجرها. ولهذا فان اخطر ما تواجهه الشعوب المناضلة من اجل التحرر والسيادة الوطنية ومواجهة ودفن الفتن والصراعات الطائفية والاثنية و القبلية والقومية، هو محاولة اعداء الشعوب التركيز لتسويق الظواهر البارزة على سطح الصراع دون التطرق الى جذور واسباب ومصادر ظهورها.
ولترجمة هذا الموقف والتقييم على ارضية الواقع، سأكتفي بالاستناد الى مثلين نموذجيين من عدد لا يعد ولا يحصى من جرائم الامبريالية المخضبة بدماء الشعوب الضحية.



** هيَّاك هيَّاك يا حمار الحياك: عندما تسلم باراك حسين اوباما والحزب الدمقراطي بعد سقوط وانقلاع ادار بوش واليمين المحافظ والحزب الجمهوري، كانت كلمة "السحر والجذب" التي رددها باراك اوباما في السوق الانتخابية هي "التغيير، ونحن قادرون على ذلك"، وضمن الاولويات في تجسيد هذا التغيير ركز اوباما على انجاز السلام في الشرق الاوسط، وخاصة استئناف مفاوضات التسوية السياسية للحل الدائم بين اسرائيل والفلسطينيين، وفي خطاب له في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير الفين وتسعة اثر انتخابه رئيسا صرح اوباما "ستعمل الولايات المتحدة الامريكية بقوة لانجاز السلام. التدخل الامريكي يستطيع جسر الهوة بين الطرفين ويقود الى التقدم"! وبعد سنة من تسلمه لمقاليد الادارة في البيت الابيض ومنذ تاريخ تصريحه المذكور صرح باراك اوباما في مقابلة مع صحيفة "التايم" الامريكية التي نشرت في
(21- 1- 2010) انه فشل في مساعيه لتحقيق وحتى استئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية.
وفي تحليله لاسباب الفشل لجأ اوباما الى التضليل المنهجي بطمس جوهر السبب المركزي للفشل، وهو ان السلام ان لم يكن مبنيا على العدل واحترام انجاز الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني بالتحرر والاستقلال الوطني بعد انقلاع المحتل الاستيطاني الاسرائيلي من جميع المناطق الفلسطينية والعربية المحتلة منذ حزيران السبعة والستين، بالتسوية على اساس الدولتين التي رددها اوباما كما رددها قبله سلفه جورج بوش، وتحت ضغط اوباما رددها بعده بنيامين نتنياهو بشكلها الضبابي المطروح والذي ينتقص من ثوابت الحقوق الوطنية ليس حلا عادلا ابدا. فاوباما لم يؤكد وحتى لم ينوّه بان حل الدولتين مبني على مرجعية قرارات الشرعية الدولية والعديد من المبادرات والاتفاقات والتفاهمات مثل المبادرة العربية وخارطة الطريق وغيرهما.
أوباما لم يتوجه الى القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني لشعب يرزح تحت نير الاحتلال بل كنزاع اقليمي بين اسرائيل والفلسطينيين، بين الجلاد والضحية يمكن تسويته على اساس "التنازل" من الطرفين، والمقصود، من الطرف الفلسطيني.
ولهذا فالاسباب التي ذكرها لفشله وخيبة امله ليست اكثر من "عذر اقبح من ذنب" فما يذكره في صحيفة "التايم" الامريكية ما يلي:



** أولا: يقول اوباما "لو قيّمنا بشكل صحيح المشاكل الاساسية للاطراف، لم نكن لنرفع سقف التوقعات بشكل عال. جهودنا لا تزال في المرحلة الاولى وليس في المكان الذي اردته ان يكون". فمن حيث المدلول السياسي فان اوباما من جهة اولى لم يتوقع مثل هذا التعنت الرفضي لحكومة نتنياهو اليمينية المدعوم بشكل شرس من اللوبي الصهيوني الامريكي ومن الحزب الجمهوري واليمين المحافظ الامريكي ومن اوساط واسعة من نواب الجمهوريين والدمقراطيين ومن المسيحيين الصهيونيين. هذه القوى والمتغلغل بعضها في قلب ادارة بوش جعلت بوش يغير الموقف باتجاه الانحياز التام الى جانب الموقف الاسرائيلي لحكومة الاحتلال والاستيطان في قضايا مواصلة الاستيطان الكولونيالي الاسرائيلي في الضفة الغربية وتهويد القدس الشرقية وفي القضية السياسية بالانتقاص من ثوابت الحق الوطني الفلسطيني في السيادة الاقليمية على جميع ارضه المحتلة. ومن الجهة الثانية اخطأ اوباما في التقييم بالنسبة لموقف السلطة الشرعية الفلسطينية، اعتقد ان جرائم الاحتلال الاسرائيلي من جهة وحالة الانقسام الوطني بين فتح وحماس والضفة والقطاع وضغط الانظمة العربية المدجنة امريكيا على السلطة الوطنية والرئيس محمود عباس، ستؤدي الى تنازلات سياسية فلسطينية ترضي المحتل الاسرائيلي وتسهّل على نتنياهو تجنيد قوى الاستيطان والتطرف اليميني لاستئناف المفاوضات مع الطرف الفلسطيني حول الحل الدائم. ولكن شعب المعاناة وقوافل الشهداء على دروب الكفاح التحرري خلال اكثر من ستين سنة منذ النكبة يرفض ان يصمد كل هذه المدة الطويلة محروما من الحرية والوطن و "يفطر على بصلة"، يرفض الانتحار الذاتي ويصر على تمسكه بموقفه الوطني بعدم التفريط باي من ثوابته الوطنية التي في مركزها الحرية والدولة والقدس والعودة.



** ثانيا: يوجه اوباما اصبع الاتهام الى حكومة نتنياهو اليمينية انها لم تكن مستعدة للقيام بخطوات "حسن نية" بشجاعة نحو الفلسطينيين. ويعطي مثلا مواصلة الاستيطان والتجميد الانتقائي الذي يستثني تهويد القدس الشرقية ومواصلة الاستيطان في الكتل الاستيطانية وممارسة التطهير العرقي للفلسطينيين في منطقة الغور والقدس الشرقية وضواحيها. ويبرر اوباما مصداقية التجميد الانتقائي بصعوبة موقف نتنياهو في مواجهة قوى اليمين المتطرف داخل وخارج ائتلاف حكومته. ولكن أي تبرير لموقف ادارتك يا اوباما بتأييد التجميد الانتقائي وتصعيد جرائم الاستيطان والتطهير العرقي للفلسطينيين في القدس الشرقية!! ألم يؤكد ذلك مندوبك الخاص الى الشرق الاوسط اثناء لقائه ومحادثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس اذ نقل جورج ميتشل الموقف الامريكي الداعي الى استئناف المفاوضات مع اسرائيل "دون شروط مسبقة"، أي نفس الموقف الاسرائيلي الذي يعني تجاوز استحقاقات استئناف المفاوضات حسب اتفاقية خارطة الطريق، الدوس عليها ومواصلة النشاط الاستيطاني وعمليات التهويد في القدس الشرقية واجراء مفاوضات دون مرجعية سياسية مرهونة بجدول زمني محدد، ما يعني العودة الى مفاوضات عبثية، مفاوضات "طحن الماء" والجرجرة الزمنية للتفاوض دون نتائج يستغله المحتل لاكمال برنامجه الاستعماري الاستيطاني بخلق وقائع على الارض الفلسطينية المحتلة تجعل من الصعوبة بمكان اقامة دولة فلسطينية مستقلة.



** ثالثا: ويحمّل اوباما الرئيس الفلسطيني محمود عباس جزءا من مسؤولية فشل التقدم في العملية السياسية بسبب مشكلة الانقسام مع حماس الذي تعرقل اقدامه اتخاذ خطوات شجاعة وجريئة تساعد على استئناف مفاوضات التسوية الدائمة للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. انه تضليل منهجي لقلب الحقائق رأسا على عقب يا اوباما، وبهدف طمس السبب الجوهري لموقف السلطة الشرعية الفلسطينية من استئناف المفاوضات مع اسرائيل. فاوباما وغيره من المسؤولين في ادارته يدركون جيدا ان العديد من قادة حماس من رئيس المكتب السياسي خالد مشعل الى رئيس الحكومة المقالة، اسماعيل هنية الى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني دويك والزهار وغيرهم قد اعلنوا مرارا انهم لا يرفضون بل يناضلون من اجل انسحاب الاحتلال الاسرائيلي الاستيطاني من جميع المناطق المحتلة منذ السبعة والستين، واقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشريف وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار (194). وصحيح هو ان الانقسام يجلب الضرر والاذى للكفاح التحرري الفلسطيني العادل وبمكانة الحق الفلسطيني على ساحة التضامن العالمي، ولكن هذا ليس مبررا للانتقاص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية يا ارباب "البيت الابيض" الامريكي. فمن يردع الرئيس الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية من استئناف المفاوضات مع حكومة الاحتلال والاستيطان ليس الخوف من حماس ومن مقاومة حماس لهذا الموقف، بل ما يردع الطرف الفلسطيني هي المدلولات الكارثية للشروط الاملائية التي تطرحها مشاريع التسوية والحل الدائم الاسرائيلية – الامريكية التي تصادر عمليا الحق الفلسطيني الشرعي في الدولة والقدس والعودة. فالى أي مفاوضات سيذهب الفلسطينيون وفي وقت لم تكد تطأ فيه اقدام الموفد الامريكي جورج ميتشل المحطة الاسرائيلية يسارع رئيس حكومة الاحتلال والاستيطان والارهاب والجرائم بنيامين نتنياهو حيث يصرح، انه في اية تسوية للحل الدائم مع الفلسطينيين سنضمن بقاء الجيش الاسرائيلي مسيطرا على الحدود الشرقية مع الاردن!! بمعنى ان أي كيان فلسطيني مستقبلي سيقوم لن يكون اكثر من محمية استعمارية اسرائيلية منقوصة السيادة. فاعادة انتشار قوات الاحتلال الاسرائيلي قبل اربع سنوات من داخل قطاع غزة الى محيطه قد حول القطاع الى معسكر اعتقال جماعي لمليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون تحت رحمة الحصار العسكري والاقتصادي والتجويعي الاسرائيلي والى ارتكاب المجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية. ولجوء اسرائيل الى وضع قوات اسرائيلية على الحدود الشرقية وتسييج الحدود مع مصر بجدران الكترونية، اضافة الى الاسيجة الالكترونية على الحدود مع لبنان وسوريا واقامة جدار الضم والعزل العنصري على الارض الفلسطينية المحتلة، يعني عمليا أن المحتل الاسرائيلي يرسم على ارض الواقع الحدود الاقليمية السياسية للامبراطورية الاسرائيلية ناهبا مساحات من الاراضي الفلسطينية والعربية. فاذا كان المحتل يشترط ويقر سلفا قضية الحدود النهائية وتهويد وضم القدس الشرقية تحت السيادة السياسية الاسرائيلية وضم كتل الاستيطان لاسرائيل ورفض مطلق لحق العودة للفلسطينيين، وبعد كل ذلك ماذا يبقى يا ادارة اوباما للتفاوض حوله لانجاز التسوية! تسوية تنازل الفلسطينيين وتفريطهم بحقوقهم الوطنية الامر الذي لن يكون ابدا وسيفجر صراعات كارثية، ولا تؤاخذنا يا اوباما اذا اكدنا ان موقفك المنحاز الى جانب المحتل المعتدي وحليفك الاستراتيجي اسرائيل اصبح لا يختلف جوهريا عن موقف سلفك بوش "هياك هياك يا حمار الحياك".



** ألفتنة الطائفية: إن اخراج الشيطان الطائفي ، التعصب الطائفي، من القمقم يعتبر اخطر فيروس مدمر يمزق اوصال النسيج الوطني للشعوب ويضرب احتمالات تطورها الحضاري ويصرف انظارها عن العدو المركزي لمصالحها الحقيقية. ولمواجهة هذه العدوى سريعة الانتشار والانفجار والتدمير على مختلف الصعد، في اطار دولة وطنية او حتى مدينة او قرية، علينا حتى تكون المواجهة والمعالجة ناجعة ان نبحث عن مصدرين اساسيين، الاول، الخلفية الاساسية للانفجار الطائفي والثاني، من له مصلحة في هذا الانفجار. لضيق المجال سأكتفي بمثال واحد في حين ان عدد الامثلة اكثر من عدد شعر الرأس، سأكتفي بالانفجار الطائفي في نيجيريا. فالتسويق الاعلامي الغربي الامبريالي والرجعي يكتفي بتسويق ان هذا البلد الذي نصف عدد سكانه من المسلمين والنصف الآخر من المسيحيين قد ادى التعصب الطائفي الى صراع دموي ادى خلال عدة ايام الى قتل المئات وجرح المئات من الطرفين بمن فيهم الاطفال والنساء والمسنون، اضافة الى تخريب الممتلكات والاماكن العامة وتشريد الالوف المؤلفة. والمدينة النيجيرية التي كانت مسرحا للكارثة تعيش في مأتم جنائزي. والحقيقة هي ان خلفية الصراع ليست طائفية بل اقتصادية اجتماعية سياسية. ففي نيجيريا اكثر من (70%) من سكانها يبلغ معدل دخل الفرد دولارا واحدا، أي ان المسلمين والمسيحيين بغالبيتهم الساحقة يعيشون تحت خط الفقر واكثر من (60%) عاطلون عن العمل واكثر من خمسين في المئة يعانون من الامية. والانتهازيون في السلطة، والزاحفون للوصول الى كراسي السلطة وبدعم من قوى الامبريالية يستغلون فقر وجوع شعبهم لتأجيج الصراع الطائفي ولصرف الانظار عن سبب فقرهم وبؤسهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب