الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق.. جغرافيا التأثر أم التأثير ؟

أمير المفرجي

2010 / 1 / 26
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إذا استعرضنا الحالة العراقية بفصولها القديمة والحديثة مقارنة بوضعه الحالي، وما وصل إليه الحال في هذه الأيام. لوجدنا أننا على اتفاق كامل بأن هذه البلاد كانت تـُُمثل دولة و أمة في آن واحد, تتميز بمميزات الدولة، من سيادة، وهوية وطنية. وتمثل شعور الانتماء لثقافة حضارة بلاد الرافدين, والدفاع عن المصالح العظمى المشتركة. بما فيها دور وثقل هذه الحضارة التاريخي المهم في منطقة الشرق الأوسط والذي تتعدى أسسه البنيوية تركيبة العراق القومية والدينية . وبعكس ما يفنده الغرب فيما يتعلق بتأريخ تبلور العلاقة في العراق ونشوء (دولة الوطن) والتي تأخذ بدايتها في نظرهم بنهاية الإمبراطورية العثمانية ودخول اتفاقية (سايكس ـ بيكو) سيئة الصيت عام 1916، أثبتت الدراسات والمصادر التاريخية بأن بلاد الرافدين هي معظم هذه المنطقة التي تسمى بالعراق, وهي بالتالي الزمان والمكان الذي يقف وراهما التطور النوعي والبشري. وهي صاحبة رسالة التطور للمجتمع والانتقال من البدائية إلى مجتمع (دولة الوطن), وظهور أول أشكال السلطة وبداية عصر حضاري جديد. لتكشف بالتالي زيف هذه الادعاهات وانحيازها لمفهوم استعماري ضيق إذ أخذنا بعين الاعتبار التغير السياسي والاستراتيجي لميزان القوى الكبرى بعد نهاية الحرب العالمية الأولى, وبدء حقبة استعمار الحلفاء المباشر للمنطقة وتقاسمهم لغنائمها.

وبالرغم من اتفاق المستشرقين عن المصدر اللغوي للتطورات التي أبدلت أسم بلاد الرافدين بالعراق, وعلى ان حدوده الحالية لا تختلف كثيراً عن حدوده القديمة, أي إنه دولة ووطن حافظا على كيان هذه الأمة منذ آلاف السنين, لا يرى الغرب المستعمر في العراق (كدولة وطن). وبالرغم من هذه الأطماع الخارجية, حافظت بلاد الرافدين على هويتها وكانت كيانا سياسيا واجتماعيا وجغرافيا متماسكا ابتداء (بالعصر البابلي) القديم نسبة إلى مدينة بابل، ومرورا بعصر (الغساسنة والمناذرة ومن ثم الإسلام). وقد بقى هذا البلد و لايزال كدولة الوطن (nation state) وفق هذه المعطيات وبلور كيان حقيقي يتجاوز الأجيال المتعاقبة، وهو بتحصيل حاصل يـُمثل كل الأجيال السابقة والمعاصرة وهو الماضي والحاضر والمستقبل وهو يُمثل اليوم أيضا إحدى الدول العربية المهمة الواقعة في المشرق العربي، ويشكل منفرداً الجزء الشرقي للبيئة الجغرافية والتاريخية التي تحده من إيران.

وقد تحول العراق ومجتمعه المتجانس نتيجة لتداعيات الصراع الدولي والإقليمي عليه وبتأثير الغزو الأجنبي, من دولة الوطن (nation state) المركزية الشاملة لوحدة الأمة إلى ساحة للصراعات الطائفية والسياسية الضيقة ومسرحا لرواد ازدواجية الدين والسياسة, وأبطال خصخصة السلطة والنفوذ من أقليات (أوليغارشيات) التفرقة الطائفية والعرقية الضيقة من الجماعات الوافدة الذائبة في المجتمع العراقي وغير المتجذرة في عمقه التاريخي. وقد فتح احتلال العراق الطريق واسعا أمام استفهامات وأسئلة قد تبدو في غاية الخطورة. الأسئلة التي طرحها الوجود العسكري الأمريكي في تغييب هذا البلد تكمن في دور الأطراف الفاعلة الجديدة في معادلة الجغرافية السياسية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والتغير النوعي لمكانة العراق سياسيا وثقافيا بالنسبة إلى دول المنطقة. أخطر تداعيات الاحتلال الأمريكي يكمن في نجاحه على تغيير المعادلة الجغرافية السياسية لبلاد الرافدين ومن ثم إشراكها كعامل قومي وأثني لتصفية الصراعات الإقليمية بين العراقيين أنفسهم من جهة وبين الأمة الإسلامية (العربية) وإيران الإسلامية (الفارسية) من جهة أخرى.

والسؤال المطروح في هذا الموضوع هو هل سيبقى هذا العراق الواحد الغني بحضارته وثرواته وكما كان دائما في موقع البلد المؤثر في هذه المنطقة الحساسة من العالم؟ وما مدى خطورة التداعيات القادمة عليه في احتمالات عملية تغيير المعادلة الجغرافية السياسية بشقيها ألاثني والقومي؟ وهل ان إشراك مجتمعه السياسي والأثني في الصراعات الإقليمية بين الأمة الإسلامية (العربية) وإيران وتركيا الإسلامية (الفارسية ـ العثمانية ) من جهة, وبين الغرب وحليفته إسرائيل من جهة أخرى سيجعل منه الطرف الخاسر وبالتالي تحويله من البلد القوي المؤثر إلى البلد المتشتت والمتأثر؟

لا شك بأن أحداث وتفاعلات العراق لها تأثير على المنطقة, تتفاعل مع تفاعلاته وتتأثر بتأثيراته. فإيران المستميتة لملئ الفراغ تجد في توصيل الغرب لحلفائها العراقيين في الحكم فرصة العمر, وتسعى لتثبيت نفوذها داخل العراق وتحجيم القوى الأخرى .ان ما تتوخاه إيران ويخطط له قادتها, هو هذا الفراغ المُختلق أمريكيا ( وإسرائيليا) وعربيا ودورهم في إضعافه واحتلاله ناهيك عن النية المشتركة لإخراجه من المعادلة السياسية كقوة يحسب لها ألف حساب, لها كلمتها ودورها في قضايا المنطقة وخصوصا مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني. وقد لا يخفى على كل من ذي بصيرة بأن احتلال العراق ما لم يكن في أن ينجح لولا هذا التواطى العربي ـ الإيراني وأطماع الأخير المريضة التي أظهرها وأدخلها في جسم العراق الضعيف المُحتل.

ولم يكن الدور الإيراني الوحيد بشاكلته حيث وباستثناء الجانب التركي ولدوافع سياسية ومصيرية خاصة بهم تتعلق بالأكراد, فتحت بعض الدول العربية الأبواب للجيوش الغربية وسخرت مطاراتها وقواعدها العسكرية في خدمتهم تحت غطاء التخلص من دكتاتورية النظام العراقي السابق والذي مَـثل قميص عثمان الذي أرادت من خلاله الولايات المتحدة في أن يكون الحُجة في احتلال وتدمير العراق. وبالرغم من هذا الدور السلبي للموقف العربي في مسألة الاحتلال لا يشابه ولا ينطبق على مثيله الإيراني الطامع والطامح في الكيان العراقي, كان من الطبيعي في أن يُصنف ويُـقرأ من باب فكرة مسؤولية هذه الدول العربية في تهميش هذا البلد وإخراجه من معادلة الجغرافية السياسية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وإنهاء دوره من الصراع الدولي في المنطقة ومحوره المـُتمثل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي والدول المتعلقة به. علما ان العراق ولحد عام 2003 كان القوة المتبقية الأخيرة من بين ثلاثة أقطار عربية رئيسية:هي مصر وسـورية التي كانت تمتلك إمكانيات كبرى في التأثير لصالح سلام عادل وقيام الدولة الفلسطينية وبمساعدة قوى إسناد لها وهي السعودية ودول الخليج والمغرب العربي. وباحتلال العراق وإسقاط دولته, وبتغيرات حالة الجغرافية السياسية الأخيرة ودخول سوريا والسعودية والعديد من إمارات الخليج العربية في محور يعمل على إيجاد حل لقضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تحت غطاء دولي أمريكي وأوروبي, لم يبق لهذا البلد الدور الرائد المتعلق بمحيطه العربي والمؤثر في المنطقة. وكانت النتيجة هي دور (متأثر) في صراع إقليمي (مؤثر) تتصارع من خلاله إيران, تركيا وإسرائيل في ظل انقسام عربي وتشتت إنفرادي للدول العربية الإقليمية قد يدفع ثمنه هذا البلد المهم .

النقطة المهمة والجديرة بالاهتمام, هي طبيعة علاقة كل هذه الدول وقوى الصراع المهمة في المنطقة مع ألإدارة الأمريكية, في ترتيب الوضع الجديد وعلى حساب قضية الشرق الأوسط المحورية في مشروع الدولة الفلسطينية وإحلال السلام في المنطقة. فالدعم الإيراني للقضية الفلسطينية واللبنانية لا يمثلان إلا ورقات تضمن الأمن والمصلحة القومية لبلاد فارس فيما يتعلق بالملف النووي و تقاسم النفوذ في المنطقة. لقد كان لتصريح رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال (حسن فيروز آبادي) واعتباره لهذا التدخل في قضايا الأمة العربية ليس" إلا شكلاً من أشكال الاستثمار للحصول على امتيازات إقليمية ودولية وإنه يعد ضربًا من الاستثمار لتحقيق مصالح إقليمية ودولية للجمهورية الإسلامية "، يعد كشفا للقناع الذي تتخفى طهران ورائه ويدخل في صلب حماية الأمن القومي الإيراني وقوته الإقليمية في سياق إستراتيجية الحفاظ على الأمن القومي واتساع رقعته في المنطقة. أما عن إستراتيجيات دول الجوار العراقي العربية للتحضير لشكل المعادلة الجديدة وغياب العراق, فقد وظفت هذه الأنظمة هذا الملف بصورة توافقية تصب في إستراتيجيات كل دولة وموقعها في طاولة الشطرنج الشرق أوسطية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية ومفاوضات السلام القادمة. وقد يكون موضوع المحادثات السورية ـ الإسرائيلية الغير مباشرة في (ملف الجولان) بوجود الوسيط التركي واحد من هذه الأمثلة. وهكذا وفي الوقت الذي تتصرف هذه الدول الإقليمية في صياغة مستقبلها وتعظيم نفوذها في تأمين المستقبل ينزلق العراق ويجتث مكانه من ساحة الشرق الأوسط وتستبعد نخبته الوطنية والعربية وتستبدل بدمى عميلة وتحت مسميات هيئات (المساءلة والعدالة) التي ترتبط مباشرةً بـ(فيلقي القدس ومكة) اللذان يديران كافة عمليات (حزب الله اللبناني) وتنظيماته الخمسة في (إيران ـ السعودية ـ البحرين ـ الكويت - الإمارات) . ان فشل أهداف زيارة وزير الخارجية الإيراني (منوشهر متقي) الأخيرة للعراق في إجتثاث القوى الرافضة للوجود الإيراني وحرمانهم من خوض الانتخابات النيابية المقبلة،وتزامن فشلها مع تفجيرات الاثنين الأخيرة التي أستهدفت الفنادق المهمه في بغـداد تؤكد وقوف النظام الإيراني كلاعب خطير وطامع في العراق والمنطقة، في حال إذا ما أراد الغرب ودول الجوار الأخرى من ترتيب أوضاع معادلة الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط.

ان ترتيب أوضاع المنطقة من قبل دول الجوار العراقي لمصالحهم القومية والقطرية للتأثير على العراق يحب أن لا يوقف جهود النخبة الوطنية والعروبية في بلدنا المـُحتل في تفعيل العمل من أجل تطوير علاقة العراق بمحيطه العربي الطبيعي لتحجيم الدور الإيراني, وتفعيل دوره العربي المستقل النابع من تاريخه ومصالحه الإستراتيجية الخاصة به. وحيث إن خصوصية بلاد الرافدين تأخذ بعين الاعتبار مصلحة مختلف القوميات والمذاهب العراقية فلا مصلحة للعراقيين في أن يدخلوا في أتون الصراع الطائفي والقومي الخاص لدول الجوار. لا مصلحة لنا في الوقوع تحت هيمنة القوى المتصارعة فلكل منها يعمل وقف منهجه القومي والقطري الضيق. فلإيران وتركيا إستراتيجيتهما التاريخية القومية في العراق والخليج العربي, وللسعودية موقفها التاريخي الإسلامي الخاص بها, ولسوريا والأردن والكويت مصالحهم القطرية. كما ان للعراق العربي موقفا وحقوقا تاريخية شرعية في هذا الجزء المهم من العالم يتوافق مع ثقله الاقتصادي والبشري والحضاري. لقد كان وسيكون للعراق دورا مؤثرا مهما وحضاريا وعامل للاستقرار الحضاري والاجتماعي في إحلال السلام العادل في هذه المنطقة من العالم. وهذا يعتمد على ما سوف (تؤثره) أحداث الصراعات الأقليمية الشرسة على هذا البلد (المهم والمؤثر) في توازن القوى في المنطقة.

أمير ألمفرجي الناطق الرسمي لتيار المواطنة الوطني العراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك