الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات فلسطينية

أحميدة عياشي

2010 / 1 / 27
القضية الفلسطينية


كان عمري لا يتجاوز الست سنوات عندما سمعت لأول مرة باسم فلسطين•• ذلك اليوم أتذكره جيدا، كنت أسكن بحي فومبيطا ، الحي العتيق بمدينة سيدي بلعباس، التي غنى فيها في الخمسينيات شارل أزنافور، وكتب عنها وفيها الشاعر العراقي سعدي يوسف أجمل قصائده ••
كانت الشمس قد غابت وكنا نجلس في حوش خالتي رزيقة المحدثة الرائعة وذات الموهبة العجيبة في فن القص •• وكان في الحوش خالي جلول وخالي محمد وزوج خالتي رزيقة، وكلهم كانوا يشتغلون في الاتجار بالدراجات الهوائية والنارية، ووالدي محمد الميكانيكي والمهووس بشخصية جمال عبد الناصر وشخصية أحمد الشقيري الذي كان يثيره بفصاحته وبلاغته في فن الخطابة•• يومها تحدثوا كثيرا عن فلسطين، وتحدثوا عنها كأنها الابن أو البنت المدللة للثورة الجزائرية••• وفي ذلك المساء أثارني الاسم، أثارني بموسيقيته وشفافيته وتملكني كالسحر دون أن أعي الأبعاد أو جوهر القضية••• ترسخ كالنقش المتجذر، وكالوشم في ذاكرتي وتلافيف وجداني•• صار الاسم جزءا مني، طرفا من ذاكرتي، وشيئا من وجودي ••• ثم راحت ملامح فلسطين تتضح وتنكشف مع خطوات العمر، وخطى الوعي الفردي ••• كانت فلسطين تكبر في نفسي وبداخلي، مثلما راح الألم يكبر•• وفي الثانوية بدأت أكتب أولى القصائد•• كنت أكتبها لنفسي ولأصدقائي الذين كانوا هم أنفسهم جزءا من فلسطين التي لم نكف عن حبها •• في الجامعة تعرفت على الكثير من الأصدقاء والرفاق الفلسطينيين، من كل التنظيمات، من فتح ومن الديمقراطية ومن الشعبية،، وأتذكر ذلك الحزن والغضب الذي اعتراني يوم الاكتساح الإسرائيلي لبيروت، وكيف حاولنا القيام بمحاولات تجنيد للمتطوعين للإلتحاق بالمقاومة ضد إسرائيل ••• وأتذكر أيضا مسيرتنا نحن الطلبة في شوارع العاصمة للتعبير عن تضامننا مع المقاومة الفلسطينية ضد الاجتياح الإسرائيلي وضد الخيانات العربية••• في تلك الفترة التي اعقبت عام 1982 فقدت الكثير من الأصدقاء والرفاق الفلسطينيين ••• بعضهم دخل البقاع ولم يعد•• وبعضهم كانت تجيئني أخبارهم من حين إلى آخر عن طريق الصدفة••• وقد اقترح عليّ صديق فلسطيني من إحدى التنظيمات الفلسطينية التي كانت موجودة في شارع ديدوش مراد أن أشرف على إنشاء فرقة مسرحية للأطفال الفلسطينيين ••• وفي تلك الفترة أيضا مكنتني صداقتي للفلسطينيين أن أتعرف على أعمال غسان كنفاني ومحمود درويش والرائع إميل حبيبي •• لكن مكنتني تلك الصداقات من الإطلاع على تجارب حركة التحرر الوطني في أنغولا والبحرين وجنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية •• ارتبطت فلسطين عندي بكل ما هو نضال ومقاومة من أجل الكرامة الإنسانية •• وبرغم القنوط الذي سيطر على الوعي العربي، وبالرغم من التراجعات التي أصابت حركات التحرر الوطني، إلا أن فلسطين بقت بالنسبة لي تلك المنارة، وتلك القلعة التي كما يقول الإخوة الفلسطينيون ما تهزها ريح •• أجل كانت هناك انكسارات، وكانت هناك خيبات، واتخذ النضال أشكالا بطولية أخرى قد لا تكون رومانسية، لكنها كانت واقعية وحقيقية ومتجددة أمام انهيارات النظام العربي ••• وكانت الأمل الباقي في أن يتحقق النصر لهذه القضية، الأكبر قضية ظلما في العالم بسبب تواطؤات هذا العالم الذي لا يريد أن ينصف فلسطين •••
كل هذه التداعيات اجتاحتني بسبب صداقة جديدة مع عز•• وقد أثارتني هذه الصداقة لأنني اكتشفت في عز، هذا الصديق الفلسطيني الجديد في حياتي، كل الصداقات التي شكلتني وشكلت وعيي، وحصنتني ضد كل الإغراءات التي تؤدي بك إلى الأشياء غير الجميلة ••• اكتشفت في عز، الصوت الفلسطيني المقاوم بصبر وشجاعة ومثابرة، واكتشفت فيه ذاك النكران الكبير للذات، وتلك المثالية الجميلة التي تجعلك مرادفا للوجه الطاهر والنقي للقضية ••• في عز اكتشفت فلسطين التي أحبها، والتي سأظل أمنحها كل ما في أعماقي لأراها ذات يوم تتويجا حقيقيا لكل التضحيات التي قدمها الأطفال والنساء والرجال في سبيل حرية إنسان رائع، اسمه الفلسطيني•
يكتبها: أحميدة عياشي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا