الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يكون الغباء نعمة

عصام عبد العزيز المعموري

2010 / 1 / 29
سيرة ذاتية


ابو حسين نزح من جنوب العراق هرباً من ضيم الاقطاع وتوجه مع اولاده الاربعة ليعمل بمعامل الطابوق القريبة من بغداد ، وظل في هذه المهنة المتعبة حوالي عشر سنوات ، بعدها حن الى ممارسة الزراعة وتربية المواشي .
وشاءت المصادفات ان يتوجه بعائلته الكبيرة الى قرية في ( بزايز بهرز ) البعيدة ، ولم تكن القرية تملك شيئاً من مستلزمات الحضارة ، فلا ماء شرب ولاكهرباء ولا حتى ماء سيح يروي الحيوانات ويسقي الزراعة !
كان الملّاك الذي حسن لهم القدوم الى هذه القرية يملك مضخة تعمل بالنفط الاسود وهي تعمل اسبوعاً لتتعطل اسبوعين ! والماء الذي يصل اليهم من نهر ديالى صيفاً لايزيد على فضلات المبازل المالحة ومجاري بعقوبة المحملة بالقذارة والجراثيم !
لم تكن تربطنا بهذه العائلة سوى شبه قرابة بعيدة ، وقريتنا ( العبارة ) التي اصبحت ناحية تبعد عن قريتهم بحوالي خمسة وعشرين كيلو متراً او اكثر والطريق الى مكانهم ترابي مليء بالحفر والمطبات ، ولما كانوا بحاجة الى رابطة اجتماعية في المنطقة فقد تهيأت المناسبة .
قرر ابو حسين ان يزوج ولديه حسين وابن عمتهم كريم في ليلة واحدة وهم لايخطبون غريبة ، فولداه تزوجا بنتي عمهم وابن عمتهم دفعوا اليه اختهم وما عليهم سوى اعلان الزواج وتهيئة ذبيحة مناسبة ومقدار من الرز ودعوة بضعة رجال من المنطقة التي تكاد تكون خالية في ذلك الزمان أي قبل حوالي خمس وثلاثين سنة .
استأجر باصاً قديماً لعائلتي لان سيارات الصالون لاتغادر في مثل هذا الطريق . ووصلنا قبيل المغرب ففرشوا لنا بضعة بسط على الارض الترابية ولم نجد لديهم أي مظهر من مظاهر العرس . فلا موسيقى ولا رقص ولا حتى هلاهل النسوة ، والذي يزورهم آنذاك يظن لديهم مجلس فاتحة بدون قارئ قرآن .
حين غابت الشمس اتوا بفانوس نفطي وحيد ، وعلى ضوئه قدموا صواني الطعام المكون مــن الثريد المغطى بالتمن ومن فوقه اللحم ، وبعد ان تناولنا عشاءنا لاحظت ( المعازيب ) وهم ( مخبوصين ) يتلفتون على كل الجهات ويطلبون شخصاً يركب الفرس ليستدعي ( الملا ) سألتهم .. ماحاجتكم الى الملا ؟ قالوا ( يملج النسوان ) قلت : اين مكان الملا ؟ قالوا : بالقرى المجاورة ؟!
سألتهم : اما كان الواجب ان تحضروا الملا في النهار وتنهوا مشكلتكم ومن يضمن وجود ( الملا ) يقبل في التوجه الى داركم في هذا الليل البهيم ؟ قالوا : صحيح يا أبا سلام والله كنا مقصرين ؟!
قلت : لا عليكم انا اعالج لكم المشكلة ، خذوني الى موقع ( العرائس) قال احدهم : وهل تعرف اجراء ( الملجة ) يا أبا سلام ؟ أجبته : اذا كان الملا قد تعلم قراءة القرآن في ستة اشهر ، فانا درست مدة اثني عشر عاما هيا لاتضيعوا الوقت ، وهنا انفرجت اسارير الجميع ووجدوا رحمة الله قد نزلت عليهم من السماء !
كانت العرائس ثلاثة والازواج بعددهن وكل واحدة داخل كوخ طيني بابه مغطاة ببساط او حصير من الخوص ، اخذوني الى الحجرة الاولى قلت : اعطوني اسمها واسم ابيها واسم عريسها ، قالوا : ( فطومة بنت محيسن ) وعريسها هو ( حسين بن علي ) ، واشترطت الا اعيد ( الكليشة ) 12 مرة تيمناً بالائمة الاثني عشر ، واخبرت الجميع بان الله واحد ولا اعيد القول اكثرة من مرة ، لان اعادة ( المحفوظة) لكل عروس هذا العدد مضروباً بعدد ستة سيقضي مني اكثر من ساعة وخير الكلام ما قل ودل .
جئت الاولى وسألتها : يافلانة بنت فلان زوجتك لابن عمك بالمهر المتقدم (60) ديناراً والمتأخر ( 80) ديناراً ان كنـت موافقة قولي نعم انت وكيلي وسمعت هلهولة من قربها ، وعدت الى العريس فسألته هل انت موافق ؟ قال : ( شلون ما اوافق ) قلت : ادخل على عروسك !!
وقمت بالعملية نفسها مع الباقيتين والباقين وادخلت كل عريس على عروسه خلال ربع ساعة فقط ، وحين عودتي من المهمة السريعة وجدت ( حسين ) خارجاً من حجرته الطينية منكساً رأسه والدموع تترقرق في عينيه ، سألته : ماذا بك ياحسين ؟ اجابني متهالكاً : عمي ( مابي فايدة ) ، ( لحمي ميت ) !! وهنا ابتسمت بوجهه قائلاً : لقد اعلمني بذلك قلبي منذ تحركت الى قريتكم فاحضرت لك دواء وان كان غالياً فهو رخيص تجاهك ومددت يدي الى جيب سترتي فاخرجت له حبة ( اسبرين ) ، قلت له : ابلعها وخلال دقائق ستتحول الى حصان ، دفع الحبة الى فمه بسرعة وخلال ثانيتين زف لي البشرى : لقد صار كالحديد واندفع الى عروسه باسماً وخرج من عندي لينادي على امه ان تزغرد لانه قد عبر السد !
وعاد الي ليمسك برأسي مقبلاً ثم اهوى على يدي ومن بعدها الى قدمي لتقبيلها فابعدته قائلاً : ما الذي فعلته لك ؟ قال : انت امام .. انت رحمة ارسلك الله ورسوله ولولاك ماذا كنت سأفعل ؟ صدقني سأسمي ولدي القادم على اسمك ، ولكنه لم يستطع فسماه (علي) لان كل ( حسين ) ينبغي ان يكون ( ابو علي ) وكل ( علي ) هو ( ابو حسين) بلا نقاش ، وعلي الان اب لعدة بني وبنات ولم يسموا واحداً منهم بأسمي فهل اعتب عليهم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاب والابن في مقال واحد
علي المفتي ( 2010 / 1 / 28 - 23:09 )
اتمنى على موقع الحوار المتمدن ملاحظة ان المقال المنشور هنا هو نفسه وبالنص منشور على نفس الموقع باسم والد الكاتب السيد عبد العزيز محمد المعموري .. وكلا المقالين باسماء الاب والابن لا زالا يظهران على صفحة الموقع كنص واحد وباسمين مختلفين .. تقبلوا فائق الاحترام


2 - التباس
د0عصام عبد العزيز المعموري ( 2010 / 1 / 29 - 10:56 )
المقالة الموسومة ( حين يكون الغباء نعمة ) كتبها والدي الكاتب والمعلم المتقاعد عبد العزيز محمد المعموري ولست أنا ، ولا أعلم كيف حدث هذا الالتباس ، ربما حدث ذلك لأن الوالد لا يمتلك ايميل وانما أقوم بارسال مقالاته التي يكتبها عبر ايميلي الخاص ، لذلك اقتضى التنويه مع خالص تقديري وتقدير والدي لكل من يقرأ كتاباتنا 0
د0عصام عبد العزيز المعموري - بعقوبة - العراق


3 - م.د
صلاح ارزوقي العبيدي ( 2012 / 1 / 19 - 19:39 )
رجائا فد رواية تحكي قصة ابن م.د

اخر الافلام

.. حلقة نار من تحدي الثقة مع مريانا غريب ????


.. الجيش الروسي يستهدف تجمعات للقوات الأوكرانية داخل خنادقها #س




.. الطفل هيثم من غزة يتمنى رجوع ذراعه التي بترها الاحتلال


.. بالخريطة التفاعلية.. القسام تقصف مقر قيادة للجيش الإسرائيلي




.. القصف الإسرائيلي المتواصل يدمر ملامح حي الزيتون