الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فساد معنوي في المعارضة السورية

محمد سيد رصاص

2004 / 7 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لم تثر عملية اعتقال ناشط حقوق الإنسان أكثم نعيسة ردود فعل تذكر في الوسط المعارض السوري، مع أن المذكور كانت له مساهمات مشهودة في موضوع المعتقلين العشرة في أيلول 2001، وكان المعارضون السوريون بمجملهم قد وقعوا على عريضة بادر لها نعيسة، في الشهر الأخير من العام الماضي، تطالب برفع قانون الطوارئ والأحكام العرفية إضافة إلى أنه كان من أفضل من مارس الجانب المهني الخاص بموضوع حقوق الإنسان بالقياس إلى المنظمات السورية الأخرى في الداخل والخارج.
لا يعود ذلك إلى تخوفات أو حسابات سياسية منعت المعنيين من المبادرة إلى فعل التضامن مع معتقل سياسي، وإنما إلى تغليب للحساسيات الشخصية، والأفكار المسبقة التي أثيرت عند تشكيل منظمته في العام 2000 حول كونها > أو <<قريبة>> من السلطة، وإلى رواسب تعود لخلافات معه حول الأحداث الكردية الأخيرة، إضافة إلى ما تشكل من انطباعات تجاه أسلوبه في إدارة منظمته.
كان هذا تغليباً، عند المعارضين السوريين، للخاص على العام، الذي يتطلب جعل عملية الدفاع عن حقوق الإنسان، وخاصة في حالة الاعتقال، متغلبة على الاعتبارات الشخصية، وعلى الخلافات السياسية والإيديولوجية، ومتسامية عليها وفوقها، بعيداً عن كل الرواسب والحساسيات التي تثيرها الخلافات والحزازات في وسط من السياسيين الذين يعيشون حالة من انعدام الفعالية، تجاه السلطة والمجتمع، ما جعلهم يحولون ذواتهم إلى موضوع (أو مواضيع) لفعاليتهم المكبوتة أو غير الواجدة لموضوعها.
يبدو أنه كما يوجد في السلطة فساد مالي، واستغلال للنفوذ من اجل مصالح شخصية، أو إساءة لاستعمال السلطة خلافاً للقانون، فإنه يوجد في المعارضة فساد معنوي لا يمكن أن تحجبه نضالات السجون، والملاحقات، والمنافي، تماماً كما أن الصمود في المعتقلات لا يعطي للمرء جوازاً مباشراً إلى الفكر الديموقراطي أو إلى أن يصبح ديموقراطياً، بل ربما إلى جعله، إذا استخدمنا الفكر الخلدوني، على <<طراز الغالب>> غير بعيد عن حالة ماتياس راكوزي، الأمين العام للحزب الشيوعي المجري، الذي لم يمنعه صموده الكبير في سجون الديكتاتور المجري هورثي في الثلاثينيات والأربعينيات (إلى درجة دفعت بشاعر مثل الإيرلندي ييتس، وهو غير شيوعي، إلى نظم قصيدة تحية له في سجنه) من أن يكون ديكتاتوراً يبطش برفاقه في الحزب والقيادة، عام 1949، عندما بدأت موجهة التطهيرات الستالينية في أحزاب أوروبا الشرقية الحاكمة بعد خلاف ستالين مع تيتو.
في مسار المعارضة السورية، وبالذات في السنوات الأربع الأخيرة، تقشر ذلك ليبان المحتوى، مثلما يحصل للموزة: عندما بدأت موجة خروج المعتقلين من السجون، في التسعينيات، لم يعد إلا القلة منهم إلى العمل التنظيمي، خوفاً من أجواء استمرار القمع، ولكن، منذ صيف عام 2000، لوحظ، حتى على الذين كانوا لا يتجرأون على مبادلة الآخرين التحية أو اللقاء، عودة الكثيرين إلى <<الشأن العام>>، سواء كان ذلك في إطار <<المثقفين>> أو <<الأحزاب>>. عندها بدأت <<التسلقات>> و<<الشطارات>> والبحث عن الأضواء عبر الجمعيات والمنتديات، ومن خلال العلاقة بالصحافة ووسائل الإعلام، في ظل أجواء كان واضحاً فيها عدم وجود ضرائب يمكن أن يدفعها المرء بسبب العمل السياسي، هذا إذا ما ظن البعض أن هذا هو <<أوان الحصاد>> وخاصة في الفترة الأولى التي انفتحت فيها السلطة على بعض المعارضين وبدأت باللقاء معهم ومحاورتهم، وإن كان الأمر الأخير لم يخلُ من سهام وجهت إلى هؤلاء، واتهامات ب<<العمالة>> و<<التعاون>> و<<الانبطاح>> كانت توجه إلى أناس مثل النائب رياض سيف والدكتور عارف دليلة من قبل آخرين ارتعدت فرائصهم في ما بعد عند اعتقالهم في أيلول 2001، في أساليب من قذف التهم وتلبيس الصفات و<<العمالة>>، كانت تذكّر كثيراً بأساليب وطريقة التفكير عند المرحوم خالد بكداش.
في داخل الأحزاب، عندما بدأت عملية <<الترميم>> و<<إعادة البناء>>، كان الوضع أسوأ: لم يستخلص ذلك الدرس الكبير المتمثل في أن المتزلفين، و<<حمّالي حقائب>> الأمين العام، هم أكثر القابلين لأن يأخذوا وضعية <<يهوذا>> في أيام الشدائد، كما أظهرت تجربتا اعتقالات 1959 و1980 في الحزب الشيوعي السوري. في هذا الإطار تمّ تفضيل الخانع وعديم الشخصية، والذي هو مجرد منفذ في التنظيم ولا يفقه شيئاً في السياسة والفكر، من أجل تولي المناصب القيادية التي حكمها مبدأ التعيين والاستنساب على غيره حتى ولو كان سجل البعض غير نظيف في التحقيقات والمعتقلات، وتمّ استبعاد الكفاءات السياسية والفكرية بسبب كونها <<أحصنة لا تُركَب>> على حدّ تعبير أحد القياديين المعارضين، وقد وصل ذلك إلى حدّ أن أحد الأحزاب المعارضة، مثل (الحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي) وهو مليء بالكفاءات الفكرية والثقافية، قد استبعدت كفاءاته ليس فقط عن هيئة تحرير جريدته، وإنما حتى عن المساهمة في <<مشروع موضوعات>> مؤتمره القادم، مع أن الفكر والثقافة، بخلاف السياسة والتنظيم، لا يحكمهما إلا الكفاءة والأهلية، إلاّ إذا أريد استبعادهما وشطبهما كفكر وثقافة عن إطار العمل الحزبي.
المتمرس في التجربة الحزبية التنظيمية يُلاحظ أن الشخصيات القوية والمتميزة تثير كراهيات شديدة داخل التنظيمات، وهي غالباً ما تنال أقل الأصوات في الانتخابات الداخلية، بالقياس إلى الشخصيات <<الوسطية>> أو التي لا تكون خطراً أو منافساً لأحد (في عام 1851، عندما تمّ تأسيس نادي المهاجرين الألمان في لندن بعد هزيمة ثورة 1848، تغلّب ملازم مغمور على كارل ماركس في انتخابات مجلس إدارته، مما دفع ماركس إلى قرار اعتزال العمل السياسي المباشر، والتفرغ لكتابة <<رأس المال>> الذي ربما ما كان ليبصر النور لولا ذلك)، وبعضها يمكن أن يتحول إلى مؤرِّق للكثيرين، ما يدفع بالآخرين إلى نسج المكائد والتصيدات، وإلى تأليف الكثير من الأقوال والأفعال التي تنسب إلى أولئك المؤرِّقين.
الآن، وبعد أن قالت هيئة الخارج في (الحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي)، عبر نشرة <<المسار>> الصادرة بشهر أيار 2004 في باريس، عن وجود علاقة مالية سياسية مع سلطة صدام حسين منذ عام 1978وحتى نهاية الثمانينيات نسجها الأمين الأول للحزب رياض الترك ومن تولى القيادة بعد اعتقاله (عبد الله هوشة مازن عدي) من دون علم بقية قيادة الحزب والكوادر والقاعدة، فإن موضوع الفساد اذا صدقت الاتهامات يمكن أن يطال الناحية المالية، إلا أن الأساسي في الموضوع يبقى ذلك المتعلق بالجانب المعنوي السياسي، عندما لا يقول سائق القطار عن وجهة سيره للركاب، ولا يستشيرهم ولا يتفق معهم قبل الانطلاق في الرحلة، مع العلم بأنهم قد دخلوا مقصوراتهم من أجل وجهة أخرى، هذا إذا لم نتحدث عن جانب آخر من الموضوع يطال التناقض الموجود في علاقة ينسجها حزب، طرح برنامجاً ديموقراطياً، مع ديكتاتور كان من أفظع ما شهده النصف الثاني من القرن العشرين إذا قارناه بسواه.
في بقاع المعمورة، حيث توجد أحزاب تحترم نفسها وأعضاءها، يؤدي ذلك إلى استقالة المعنيين من مناصبهم من أجل إخضاعهم للجنة تحقيق ترفع توصياتها، بعد فحص الوقائع، إلى مؤتمر عام للحزب ليصدر الأخير حكمه في الموضوع.
إن حصل هذا فإنه سيشكل سابقة محمودة في الحياة الحزبية العربية، وخاصة إن استتبعه إجراء آخر، نوقش في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) أواخر العام 2002 ورُفض، يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية (ينتخبها كونفرانس) تقود أعمال التحضير للمؤتمر السادس للحزب، تنحصر مهمتها في (تحديد العضوية، الإشراف على صياغة <<الموضوعات>> والمسودة اللاحقة لها بعد النقاشات، الإشراف على الانتخابات للمؤتمر)، وخاصة بعد أن صاغت <<الموضوعات>> لجنة كانت من لون واحد، فيما أظهرت النقاشات اللاحقة وجود أغلبية ماركسية بالحزب ترفض التوجه نحو الليبرالية الموجود ب<<الموضوعات>>، الأمر الذي يستوجب أن تكون اللجنة التي ستصوغ مسودة <<الموضوعات>> التي ستقدم للمؤتمر، مؤلفة من ممثلي التيارين الموجودين في الحزب، لا من لون واحد، مما يمكن أي الأمر الأخير من أن يؤدي إلى تكرار تجربة الرسالة الخاصة بمناقشات المؤتمر التداولي للحزب (آذار 2001)، والتي يعرف الكثيرون مدى ابتعادها عن عكس الآراء الموجودة في ذلك المؤتمر.
كيف يمكن الخروج من هذه الحلقة المفرغة، بين السلطة والمعارضة، القائمة في السياسة العربية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حُرم من حلمه والنتيجة صادمة ونهاية حب مأساوية بسبب الغيرة! ت


.. إيران تلغي جميع الرحلات الجوية.. هل اقتربت الضربة الإسرائيلي




.. ميقاتي لسكاي نيوز عربية: نطالب بتطبيق القرار 1701 وأتعهد بتع


.. نشرة إيجاز - مقتل شرطية إسرائيلية وإصابات في بئر السبع




.. اللواء فايز الدويري والعميد إلياس حنا يحللان المعارك الضارية