الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معيار الثقافة الشيشانية

أمين شمس الدين

2010 / 1 / 29
الادب والفن


إن إحياء العادات والثقافة القومية أصبحت المهمة ذات الأولوية للحكومة الشيشانية. فبالإضافة إلى ترويج القيم الروحية تعمل السلطات على تطوير الإبداعات الشعبية، وخصوصا الجزء الأساس منها- فن الرقص الشيشاني. واليوم، كما كان الأمر في الأزمان السابقة، يؤدي الناس في المجتمع الشيشاني رقصة "ليزغينكا" في مناسبات كثيرة: في الأعراس، على المسارح، في الضيافات وفي الأعياد. إن حب الرقص عند شعب الوايناخ لم ينقطع منذ سنوات عديدة، بل على العكس من ذلك أصبح شعارا للنهضة الروحية- الأخلاقية.
ومنذ فترة تم اعتبار الرقص معيارا للثقافة الشعبية. وظهر هذا جليا في الاحتفالات الكبيرة التي اقيمت عام 2009م، في العاصمة غروني، بمناسبة مرور 70 عاما على إنشاء فرقة الرقص الأسطورة "وايناخ". وشاركت في هذا العيد التاريخي فرق الرقص من جمهوريات أوسيتيا، والداغستان، وكباردينو- بلقاريا، وكلميكيا، وأبخازيا، والأديغي. وكان من بين المدعويين الفنانة المعتبرة لروسيا الاتحادية، ناديجدا بابكينا.
وبهذا الصدد، يقول وزير الثقافة لجمهورية الشيشان، ديكالو موزاكاييف: إن فرقة "وايناخ" بالنسبة إلى الشعب الشيشاني ليست مجموعة راقصة وحسب، ولكنها قلب الشعب، وحبه، وأمله، لأن هذه الفرقة بقيت ملازمة له، ولم تفترق عنه حتى في أحلك الظروف المصيرية التي مر بها في تاريخه. ففي عام 1957م، عندما عاد الشيشان إلى موطنهم من منفاهم في كازاخستان، كانت هذه الفرقة في أول قطار عائد إلى الوطن، وأول فرقة قدمت عروضها بعد العودة. وفي عام 2001م، في الوقت الذي خمدت فيه العمليات العسكرية في الشيشان، أدت فرقة "وايناخ" أولى رقصاتها الحماسية في منطقة نجو- يورت، ملهمة في المواطنين الثقة في مستقبل السلام والسعادة للبلاد.
إن الشعب الشيشاني يحب فرقة "وايناخ"، لأنها كانت دائما تدفئ قلبه، وتلأم جرحه بفنونها المعبرة والمفهومة، وتزرع به الأمل في حياة كريمة. كما أنها منحته فرص الاعتزاز والفخر بثقافته.
إن مُعجَبي ومحِبِّي "وايناخ" يسمّونها مفخرة الشيشان، وليس هذا فحسب، بل مفخرة روسيا كلها. وقبيل الاحتفالات بيوبيل الفرقة المذكورة أعلاه، كان قد قدم إلى غروزني مُعجَبي "وايناخ" من مدينة تورتشيغو الإيطالية، والذين سبق وتعرفوا عليها عام 2003م، عندما شاركت "وايناخ" في الاحتفال السنوي في إيطاليا آنذاك. وقال الفنان أدريانو إيانّيس (60 عام)، والفنان لورينتسو ليبيرالي (48 عام)، بأنهما أصبحا متعلقين بهذه الفرقة الفنية لدرجة التعصب من بداية مشاهدتهما لعروضها. والفنانان لم يسبق لهما أن سمعا عن الشعب الشيشاني، ولا سيما عن ثقافته الوطنية الأصيلة.
ويتابع لورينتسو ليبيرالي، قائلا: عندما تعرفت إلى الراقصين قبل ست سنوات، كنت ببساطة مفتونا بهم تماما. كانوا بسطاء في العِشرة، صريحون، خيّرون وطيّبون. تكون لدينا انطباع بأننا نحن الذين في ضيافتهم، وليس العكس. ومنذ ذلك الوقت ونحن نحافظ على علاقاتنا معهم. ونحن سعداء جدا اليوم، كوننا قد دعينا إلى هذه الاحتفالات في غروزني.
"أي شيشاني أنت، إذا لم تكن تعرف الرقص!". قال هذه الكلمات راقص القرن العشرين العظيم، محمود عصامباييف الشيشاني. ويعطي الشعب الشيشاني للرقص أهمية بالغة منذ غابر الأزمان، والأشخاص الذين أتقنوا الرقص، لا يزالوا خالدين في أذهان الشعب. في غضون ذلك، وفي الفترة الأخيرة حُرِّم الشيشان من فرصة "ذوق ثمار" الثقافة. وتحطمت القواعد العامة لفنون الرقص بفظاظة. وتحول اللوزَر (المهرجانات الشعبية الراقصة لحفلات الزواج، وميلاد الطفل، وأمسيات السمر الشبابية)، تحوّلت كلها إلى أمكنة لتجمع السكّيرين والمعربدين.
وبهذا الصدد يؤكد الرئيس الشيشاني رمزان قديروف، قائلا: يتم اليوم إحياء فلسفة الرقص، تجري نشاطات إعلامية للقيم المفقودة، ويقدم دعم واسع للفنانين والفرق الفنية المختلفة. إن الرقص الشعبي لهو جزء مهم من الثقافة الوطنية الأصيلة. الرقص هو تاريخ الشعب، وهو تعارف الناس مع بعضهم البعض ومع العالم المحيط، بدون الحاجة إلى الكلام.
إن طباع الإنسان وخلقه تنعكس من خلال رقصه، تماما كما في المرآة، وليس عبثا سماه الشيشان "خَلْخَر"، أي بما معناه خَلْ – خَأَر، أي معرفة الحال. ومن خلال اللوزر (حفلة الرقص) استقصى الفتى الفتاة التي أعجبته- هل هي ممشوقة القوام، وهل تتقن الحركة أم لا، وهل تجيد اختيار ملابسها، وهل هي حسنة التصرف وكذا.. ومن المتفق عليه أن الرقص مرآة تعكس أدق تفاصيل الراقص. وبشكل عام فاللوزر- عبارة عن ظاهرة ثمينة في الثقافة الشيشانية. وعلى سبيل المثال، حفلات الأعراس الشيشانية يحضرها ببساطة من يشاء بدون دعوة. وفي هذا تبرز بجلاء المزايا والخِصال الرائعة للسجايا الشعبية للوايناخ- وهي حسن الضيافة.
والرقص الشيشاني- الإنجوشي، ليس بمجرد طقم من خطوات راقصة حاذقة، فالرقصة لها رباط أو حُبْكَةٌ فنية مسرحية، و موضوع تتحدث عنه. وهذا ممكن أن يكون أحد الأساطير القديمة، أو تقليد شعبي مثل إيقاف أي نزاع بين رجلين لمجرد أن تتناول المرأة غطاء رأسها وتلقيه بين المتخاصمَين، أو بين فئتين كبيرتين متنازعتين.
ماذا يقول بهذا الخصوص الفنان الشعبي لجمهورية الشيشان، والمتمرس بالرقص الشعبي الشيشاني، ووزير الثقافة في جمهورية الشيشان، ديكالو موزاكاييف: كما هوالحال في القوقاز كله، فإن أكثر الرقصات الشيشانية انتشارا، هي رقصة ليزغينكا. فرقصة ليزغينكا الحديثة، لعلّها، الرقصة الوحيدة التي تبدأ بدون لحن موسيقي. وهنا تتحدّث الحركات نفسها للراقصين: فبالنسبة للراقصات- حركاتهن الرشيقة المنسجمة، والرجال- حركاتهم المُندَفعة، الحماسية تتخللها "اجتيازات أو مرور" على أصابع القدم. والرقصة الشعبية الشيشانية- الإنجوشية، هي عبارة عن تبادل حديث وحوار جميل بين الشريكين الراقصين، هي و هو، والمشبع بظلال من الأحاسيس الرهيفة. وخلال الرقصة لا يجوز للراقص أن يمس أو أن يلمس شريكته في الرقص، ولا حتى بطرف معطفه! وهو ملزم أمام الناظرين أن يتصرف مع محبوبته كما لو كان مع شقيقته. وقد سُمح بإظهار الشعور الحقيقي للفتى نحو فتاته فقط عند التلاقي في المكان التقليدي المتعارف عليه- في المساء عند عين الماء. والمكان الثاني العام الذي سُمِح به لمثل هكذا لقاء- حفلات الأعراس. أما المكان الثالث- حفلات العمل والسمر "بيلخي"، بعد يوم حافل بمجهود عضلي، والتي ما زالت تقام في القرى والبلدات الشيشانية. ومنذ غابر الأزمان والشيشاني يلتقي مع محبوبته في الأماكن العامة فقط كما ذكرنا. إن أجدادنا الحكماء اعتنوا بأن تكون العلاقات ما بين عريسي المستقبل صافية مثل ماء النبع الجبلي. والفلسفة الأدبية لشعب الوايناخ حفظت للمرأة شرفها وكيانها.
الباحث في الثقافة الوايناخية (الشيشانية - الإنجوشية) مارك شيمان، متأكد بأن ما يحتاجه الشيشان اليوم- ألعاب وأنشطة رياضية شعبية ومسابقات، كاللوزر. يقول شيمان: لقد تكون لدى الناس انطباعا، بأن اللوزر الشيشاني- عبارة عن رقص فقط. غير أن الشاعر الروسي المشهورألكسندر بوشكين عبر عنه في حينه في ملحمته الشعرية "تازيت" مبينا الأنشطة الشيشانية المألوفة. ففي اللوزر، إضافة إلى الرقص نجد هناك بالضرورة وثب أو قفز على الحبل أو المشي عليه، وسباق الخيل، وتسلق الأعمدة، والمصارعة الحرة، ورمي السهم. وهكذا يمكننا في القاعات الرياضية أن نقيم "لوزر" بشكل يومي، والشباب في روسيا الاتحادية عموما كان فقط قد انتقل من حفلات الديسكو وبكل سرور إلى مثل هذه الأنشطة. والشعب كان فقط قد شحذ ليس الرقصات الشعبية القوقازية فحسب، ولكن أيضا رقصات شعوب روسيا الأخرى.
وبالمناسبة، أدى الشيشان حفلاتهم الراقصة "لوزر"، حتي في سنوات المنفي في كازاخستان وآسيا الوسطى، والتي كانت تبعث فيهم الروح والأمل من جديد، وتنعشهم، وتجعلهم أجمل وأقوى، مرغمة إياهم في الإيمان بالمستقل.


*تيمور أُوتساييف، غروزني، جريدة "أخبار القوقاز" 21/12/2009
ترجمة وإعداد/ د. أمين شمس الدين
Эталон чеченской культуры
Тимур Уцаев, Грозный. («Вестник Кавказа» 21.12.09.)
www.grozny-inform.ru
-----------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرفيق العزيز امين شمس الدين ... تحية لك
عاطف الكيلاني ( 2010 / 1 / 30 - 11:50 )
شكرا لمحاسن الصدف يا رفيق امين ... ثم لماذا هذا التواضع ؟ فأنت الدكتور امين شمس الدين الشيشاني ( دكتوراه في العلوم الزراعية ) من جامعات الإتحاد السوفياتي ...( هذا فقط لمن لا يعرفك ) , المهم ... فوجئت انك من كتّاب هذا الموقع الجاد ومنبر كل التقدميين العرب ... سأنقل مقالك هذا وغيره الى موقع - الأردن العربي - الذي اتشرف برئاسة التحرير فيه , وارجو مراسلتي على البريد الالكتروني التالي
[email protected]
او مهاتفتي على هاتف رقم 0777776178
والى اللقاء يا رفيق امين

عاطف الكيلاني
ناشر ورئيس تحرير - الاردن العربي -ا

اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري